الحل العسكرى يتطلب وجود دولة.. و«مبارك» رفض وساطة «باركر» بعد قرار الزعيم جمال عبدالناصر بإنشاء السد العالى رغم أنف أمريكا والبنك الدولى، ردت الولاياتالمتحدة بتكليف مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى بدراسة إقامة سدود ومشاريع تنموية على النيل الأزرق بإثيوبيا، وقام المكتب بوضع خطة لإنشاء 33 مشروعاً من بينها 4 سدود كبيرة. وفى عام 1998 انتهت إثيوبيا من تحديث تلك الدراسات من خلال مكاتب استشارية فرنسية وهولندية ونرويجية، وكان من بين أهداف هذه الدراسات منح إثيوبيا دور الزعامة فى منطقة حوض النيل فى إطار خطة وضعتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل لمواجهة الحركات الإسلامية حال وصولها إلى الحكم فى مصر. وفى حقبة الثمانينيات حضرت اجتماعاً مشتركاً للجنتى الزراعة والرى والأمن القومى بمجلس الشعب، كشف فيه المرحوم المهندس عصام راضى، وزير الرى، أن البنك الدولى طلب من بعض الخبراء وأساتذة الجامعات المصريين إعداد دراسات الاستخدامات والفواقد بمياه النيل وتركزت تلك الدراسات على المياه المهدرة فيما كان يعرف بالسدة الشتوية والتى تؤدى إلى إلقاء ما يربو على 10 مليارات متر مكعب من المياه فى البحر المتوسط.. كانت السدة الشتوية حدثاً سنوياً تحرص وزارة الرى على الإعلان عنه دون مراعاة لمخططات الحصار المائى التى تحاك ضد مصر.. هذه الدراسات التى تم إعدادها بأيد وعقول مصرية بمنطق «السبوبة»، كانت الدليل الذى أشهرته إثيوبيا فى وجه مصر حينما طالبت من خلال وزير زراعتها الدكتور يوسف والى بزيادة حصتها المائية لمواجهة التوسعات فى استصلاح الأراضى والزيادة السكانية وقالوا له: كيف تطلبون زيادة حصتكم وأنتم تلقون المياه فى البحر؟! لم يستطع الوزير «والى» الرد.. ولم نستطع النشر وفقاً لطلب الوزير راضى.. ولم يفعل نظام مبارك سوى إصدار تعليمات بعدم الحديث عن السدة الشتوية فى وسائل الإعلام؟! وتعامل نظام مبارك مع قضية النيل بطريقة طوطمية وسر من الأسرار العليا التى لا ينبغى مناقشتها علناً رغم أن محاضر اجتماعات دول حوض النيل يتم توزيعها على منظمة الأممالمتحدة والبنك الدولى والدول المانحة وقبلها جميعاً الولاياتالمتحدة وإسرائيل. فى عام 1997 نظمت جامعة تل أبيب مؤتمراً عن النيل شارك فيه العديد من الخبراء الدوليين الذين تحدثوا عن ضرورة التحول فى العلاقات النيلية من النمط الصراعى إلى النمط التعاونى وانتهى إلى التأكيد على أن التعاون بين الدول النيلية هو أساس حل اية صراعات فى حوض النيل. وفى العام نفسه بدأت مفاوضات الاتفاقية الإطارية ومن ثم فإن توقيع الاتفاقية لم يكن أمراً مفاجئاً لنظام مبارك والإخوان.. لم تكن مفاجأة لنظام مبارك لأن مصر شاركت فى المفاوضات وتعامل وزيرها الدكتور محمود أبوزيد وزير الأشغال الأسبق برعونة وإهمال جسيم حين وافق على حذف كلمة «حقوق» واستبدالها بكلمة «الاستخدامات المائية» والتى تعنى إهدار الحقوق التاريخية لدولتى المصب المبنية على اتفاقية 1959. وتعنى كلمة الاستخدامات مطالبة مصر بترشيد استخداماتها لخفض حصتها المائية.. كما أن الأمر لم يكن مفاجئاً للإخوان أيضاً، حيث ناقش نوابهم فى مجلس الشعب المشكلة حين أثيرت فى عام 2009. فضلاً عن أن الدكتور هشام قنديل كان مديراً لمكتب وزير الرى الأسبق الدكتور محمد نصر علام ورافقه فى المفاوضات مع دول الحوض عقب إقالة الوزير أبوزيد، فكيف يدعى الوزير الإخوانى الحالى أنه لم يعلم بحكاية سد النهضة إلا من خلال الإعلام. والحمد لله أنه اعترف بدور الإعلام فى الكشف عن مخاطر السد الإثيوبى ولم يتهمه بأنه إعلام مضلل ولكنها محاولة للتنصل من المسئولية كعادتهم منذ عهدهم الميمون. بعد إقالة الوزير «أبوزيد» فى مارس 2009 تسلمت المخابرات العامه ملف النيل بالتنسيق مع الوزير الجديد الدكتور محمد نصر علام لمواجهة الدور القذر الذى تلعبه أمريكا وإسرائيل بشكل سافر لتحريض دول المنابع وخاصة إثيوبيا ضد مصر. ورفض الرئيس السابق حسنى مبارك اقتراحاً قدمه رئيس البنك الدولى بتكليف وزير الخارجية الأمريكى الأسبق «باركر» بالوساطة بين مصر وإثيوبيا. وكانت الطامة الكبرى أن الوزير الجديد اكتشف فى مؤتمر كينشاسا أن الوزير أبوزيد وافق على عدم الاعتراف بالاتفاقيات القديمة التى تحفظ حق مصر. ثم حضر ممثل البنك الدولى إلى القاهرة وبصحبته خبير أمريكى مشهور فى القانون الدولى لمقابلة الوزير «علام».. هذا الخبير شكك فى الاتفاقيات القائمة وقال إن التحكيم الدولى بخصوص هذه الاتفاقيات غير مضمون ولن يكون لصالح مصر بالمخالفة لوجهة نظر خبراء القانون الدولى المصريين. فيما أكد خبير إنجليزى استقدمته مصر أهمية عدم التوقيع على الاتفاقية الإطارية دون الإشارة للاتفاقيات القائمة لأن التوقيع يعنى التنازل عن حقوق مصر التاريخية. ومن الأمور التى تدعو للغيظ والحنق والأسى أن فاروق حسنى، وزير الثقافة، سلم فى أحد اجتماعات مجلس الوزراء وزير الأشغال نصر علام «سى دى» يحتوى على معلومات عن إنشاء سد فى إثيوبيا وذكر فاروق حسنى فى الاجتماع الوزارى أنه سلم ال «سى دى» للوزير أبوزيد من قبل ورد عليه بأنه ليست هناك سدود جديدة فى إثيوبيا ويقول «علام» فى حوارى معه فى شهر مايو من العام الماضى، إنه لم يكن يعلم شيئاً عن هذا السد وأنه بعد سؤال المسئولين فى وزارته اكتشف أنه سد «تاكيزى» على نهر عطبرة وأنه سيتم افتتاحه قريباً كما اكتشف أيضاً أن وزير الأشغال أبوزيد لم يحتج حرصاً على العلاقات الودية مع إثيوبيا! هذا بخلاف سد النهضة أو سد الألفية الذى بدأ فى عهد مبارك وانتهى فى عهد الإخوان. إن التعامل مع هذه الأزمة يجب أن يبتعد عن الأساليب «العنترية» فى ظل مجموعة من الحقائق والمعطيات: إن بعض المسئولين تهاونوا وقصروا وتقاعسوا وأهملوا إلى درجة الخيانة العظمى فى التعامل مع الأزمة ويجب محاكمتهم. وزارة الأشغال لم تكن على علم ببناء السدود فى دول المنبع بل لم تكن تعام ببناء سدين فى السودان رغم وجود بعثات مصرية مهمتها تأمين حصة مصر والإبلاغ عن أية مخالفات للاتفاقيات، وتحولت هذه البعثات إلى سبوبة ومكافأة للمحاسيب.. يجب محاسبة المسئولين عن هذه البعثات فوراً. لا يمكن إغفال الدور الامريكى والإسرائيلى فى تحريض ودعم دول حوض النيل ولا أجد غضاضة فى استعارة مقولة الرئيس الراحل أنور السادات بأن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا حالياً وكان يمكن ألا نصل إلى هذا المأزق لو أننا تعاملنا بجدية على مدى 15 عاماً. الحديث عن حلول عسكرية يتطلب وجود دولة.. هذه الدولة مازالت تتعثر فى جلباب الإخوان وتتناثر أشلاء هيبتها وكرامتها فى سيناء وحلايب وشلاتين ومنابع النيل. يجب الحذر تماماً فى اللجوء إلى التحكيم الدولى وعدم الاعتراف بالاتفاقية الإطارية فى مواجهة عدم اعتراف دول المنبع بالاتفاقيات القائمة. دول حوض النيل زادت دولة وهى جنوب السودان التى دخلت على الخط وترفض استكمال المشروعات الخاصة بالفواقد لاسيما قناة جونجلى وبحر الغزال.. جنوب السودان يطالب بنصيبه من حصه المياه لدولتى المصب وسيكون ذلك على حساب مصر علماً بأن دول المنبع كانت من الداعمين لجنوب السودان فى الانفصال عن الشمال وتحتفظ بعلاقات جيده معها. وثمة سؤال.. إذا كانت الولاياتالمتحدة قد خططت وتفعل ما تفعل من حصار مائى تحسباً لوقوع مصر فى أيدى الإسلاميين، كما ذكر لى الدكتور نصر علام فلماذا تستمر فى تنفيذ المخطط رغم وصول الإخوان على أسنة رماحهم؟.. سؤال لا يملك إجابته سوى الإخوان.. إخوان الشياطين الذين باعوا مصر وخانوا الشعب وتعاونوا على الإثم والعدوان للاستيلاء على الوطن بوضع اليد. Email: