عاش حياته فى رحاب العلم منذ نعومة أظفاره؛ فقد نشأ لأسرة متدينة يحيطها القرآن من كل جانب.. لفت أنظار المحيطين بها لتفوقه الدراسى وتميزه العلمى وحبه التطلع والثقافة حتى صار حديث أقرانه.. جاب ميادين العلم باحثا ومتعلما وعالما يلقى المحاضرات ويناقش الرسائل العلمية ويحقق الكثير من النصوص العربية والأدبية كما شارك فى العديد من المؤتمرات العلمية داخل مصر وخارجها.. هو الأستاذ الدكتور عيد محمد شبايك أستاذ البلاغة والنقد بكلية الآداب جامعة المنوفية، المولود بالبساتين بالقاهرة سنة 1953م حفظ القرآن مبكرا، التحق بكلية دار العلوم وتخرج فيها سنة 1979م وواصل طريقه فى العلم حتى حصل على الماجستير فى اللغة العربية وآدابها 1984جامعة عين شمس ثم الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها 1989م من كلية الآداب جامعة الزقازيق وله عشرات الكتب والأبحاث العلمية، ومنها التشبيه المستطرف رؤية نقدية، الشاهد الشعرى فى مبحثى الفصاحة والبلاغة، واستثمار الأسلوب العدولى فى تذوق النص القرآني، وجماليات التلقى فى تراثنا النقدى بالإضافة لتسجيلاته الرائعة لإذاعة القرآن الكريم. (الوفد) التقته وطرحت عليه العديد من الأسئلة وخلال الحديث كشف فيه الدكتور «شبايك» اللثام عن مسائل كثيرة تتعلق بأهمية اغتنام المسلم وقته لاسيما فى الأوقات الفاضلة مثل شهر رمضان والعشر الأواخر منه وليلة القدر، فإلى نص الحوار.. حدثنا="" فضيلة="" الدكتور="" عن="" فضل="" شهر="" رمضان="" ومضاعفة="" الأجر="" - إن الله تعالى فضّل بعض الرسل على بعض وبعض الأماكن على بعض وبعض الأزمنة على بعض ومن هذا الاصطفاء شهر رمضان لقد فضله الله على غيره من الشهور ونرى الناس يستقبلون رمضان بالفرحة والسرور والإقبال على العبادة وعمارة المساجد ومساعدة الفقراء والمحتاجين كما يحيون ليله ونهاره بتلاوة القرآن وكثرة الصلاة من قيام وتهجد وتسبيح. فلا شك أن الصوم يؤثر فى سلوك المسلم تأثيرًا إيجابيا واضحًا فيتصف بالصفاء الروحى وقد قيل للأحنف بن قيس-رحمه الله: إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك..فقال: إنى أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه. ومن فضائل الصوم ما أشار إليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله إن لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم، وليس الصيام امتناع عن الطعام والشراب فقط ولكنه امتناع عن اللغو وما يغضب الله حتى يأخذ المسلم أجر الصائم ولا يكون كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشربه. الصيام="" مدرسة="" روحية="" تكسب="" المسلم="" معانى="" الخير="" وترتقى="" به="" ..="" كيف="" - الصيام حقا مدرسة كبيرة لمن فهم معناه وحافظ على آدابه وراعى حدوده ليكون الصوم مكتملا، ولا يكون الصوم مكتملا إلا إذا تحكم الإنسان فى نفسه فيرتقى حينها بالعبادة فيكون الصوم تصعيدًا للتكريم له يترقى به فتطهر نفسه وتزهو روحه. ولا يزال العبد فى تصعيد حتى يكون صائما حقا يستحق بهذا أجر الصائمين الذين ذكرهم الله فى كتابه وحفلت بهم الأحاديث تزف لهم البشريات. ميز="" الله="" تعالى="" العبادات="" فى="" الأجر="" والثواب..="" فهل="" للصوم="" منزلة="" خاصة="" بين="" هذه="" - الصوم له منزلة خاصة لأنه عبادة خاصة تفردت بأمور ليست فى غيرها من العبادات ومنها أنه لم يعبد بها غير الله وفلذا كان الطعام والشراب والجماع من الأمور الطبيعية فيأتى الصيام يمنع هذا منك ويحرمه عليك ويختبر الله صبرك وإرادتك فى الانقياد لغير المألوف لديك وهنا يستشعر المسلم أنه ليس كغيره فالصيام رقى نفسه وجعله فى حالة خاصة . فالصوم يجعلك تذبح شهواتك وتقهر شيطانك وتحرر نفسك من سلطان الغريزة وبهذا تتعود النفس على التحمل والصبر وبهذا يستشعر المسلم القوة والعزة والصبر فيسهل له الانقياد بعدها لأى أمر من أوامر الله فمن فعل هذا أكرمه الله بثواب خاصة كونه تعبدا لله بهذه العبادة الخاصة والمميزة. لكن="" ما="" الجزاء="" الخاص="" الذى="" يجازى="" به="" الله="" عباده="" - ومن جزاء الصائمين ما جاء الحديث القدسى حديث قدسى ونصه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب – الخصام والصياح -، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إنى امرؤ صائم، والذى نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم – الرائحة – أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه» رواه البخاري ومعلوم أن سائر الأعمال الصالحة تتضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام قال عنه ربنا : فإنه لى وأنا أجزى .. بما يدل على أنه ثواب أكثر وأعظم من سبعمائة ضعف فلا ينحصر تضعيفه فى هذا العدد بل يضاعفه الله أضعافًا كثيرة ذلك لأن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وقد ورد على النبى صلى الله عليه وسلم أن رمضان شهر الصبر شهر المواساة، وقد اجتمعت فى الصوم ثلاثة أنواع من الصبر فإن فيه صبرًا على الطاعة وصبرًا عما حرم الله وصبرا على ما يحتمله الصائم من الجوع والعطش لذلك فهو يثاب عليه صاحبه ثوابًا جزيلا. ما="" معنى="" إضافة="" الله="" الصوم="" له..="" ولماذا="" يفرح="" - حينما يقول الحق سبحانه وتعالى «إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به «فالإضافة هنا للتشريف، والتخصيص فى موضع التعميم فى مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم يقول القرطبي: إن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق سبحانه ذلك أنه خالص لله وليس للعبد فيه حظ بخلاف غيره من العبادات كما أنه لم يعبد به غير الله بخلاف العبادات الأخرى. ومن يحقق الصيام بآدابه وشروطه حق له أن يفرح ويستبشر ويبشر ومن هنا يأتى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه» فالفرحة عند الإفطار لأنه نجح فى الالتزام بالعبادة وأكمل صوم يومه على الوجه الذى يريده الله منه، والفرحة عند لقاء ربه بما التزم به من هذه المرتبة فيفرح بثوابه ويقال له: [ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى الأيَّامِ الْخَالِيَةِ] فيهنئون بجزاء عملهم وصبرهم عند لقاء ربهم فيفرحون ويدخلون من باب خاص ففى الحديث: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». فضيلتكم="" من="" المشاهَد="" أنه="" فى="" العشر="" الأواخر="" من="" رمضان="" تفتر="" عزائم="" بعض="" الناس="" فيضيعون="" ما="" قد="" أسسوه="" من="" أول="" الشهر="" فما="" أسباب="" هذا="" وبم="" - للأسف هذه ظاهر منتشرة تعود لعدم فهم الناس لطبيعة النفس البشرية فيكرس نفسه ويضغط عليها بالعبادة فى أول الشهر فتكل منه وتمل ولو تدرج ووضع جدولا وسطا كان يقرأ مثلا كل يوم جزءا واحدا فقط أو يكتفى بصلاة التراويح فى مسجد ويصبر على ذلك لما نفرت منه نفس ولا فترت عزيمته. وهؤلاء فعلا يضيعون أفضل الأوقات فإن العشر الأواخر من رمضان هى أفضل لياليه لأن فيها ليلة القدر عظيمة القدر والشرف نزل فيها كتاب ذو قدر على نبى ذى قدر. وعن فضل ليلة القدر يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ومما يجب ذكره فى هذا السياق سألت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن صادفت ليلة القدر فماذا أقول قال لها قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا». كيف="" نثبت="" على="" الطاعة="" بعد="" رمضان="" حتى="" تصير="" العبادة="" لنا="" منهج="" - جميل أن تكون العبادة منهج حياة فهذا هو المراد فإن كنا فى رمضان نكثف فلأن هذا موسم من مواسم الطاعة لكن الثبات على الطاعة يعنى فهم مراد الله منك وأول هذا ألا تترك الصيام ولهذا شرع صيام ست من شوال من باب التهيئة على الاستمرار فى عبادة الصوم ووعد نبينا من يفعل هذا بثواب عظيم فقال من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله» وفى رواية: «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر كله» أى ستة أيام بلا تحديد، وإذا توقفنا مع هذا الحديث ندرك أن الصوم عبادة بلا رياء وطاعة بلا نفاق فالصائم يقيم من الضمير حسيبا ومن الله رقيبا فضلا عما تقدمه للمسلم من فوائد كالقناعة وقوة الإرادة لهذا الاستمرار وكما هو واضح فى الحديث أن من يصوم ستة أيام من شوال صار كمن صام الدهر كله.. كيف ذلك؟ ذلك أن صام رمضان ثلاثين يوما والحسنة بعشر أمثالها ثم صام ستة أيام من شوال أيضا اليوم بعشرة أمثاله فيكون كمن صام ستة وثلاثين يوما كصيام 360 يومًا فإن كرر هذا وصار ديدنه فى حياته فكأنما صام الدهر كله. بماذا="" تنصح="" كى="" يستمر="" المسلم="" على="" الطاعة ="" بعد="" - ومما ينصح به للاستمرار على الطاعة بعد رمضان أن تعلم شيئين ابتداء الأول: فهم مراد الله منك، الثانى أن تعرف طبيعة النفس البشرية، فالأول يعنى أن تفهم أن الله لا يريد منك عبادته فى وقت دون الآخر ولا فى زمان دون الاخر بل ولا فى حال دون حال فكل حال عبادة تتوافق معه وكل هذا مغلف بقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم فالاستمرار على الطاعة بنفس الطريقة التى كنت فيها فى رمضان قد لا يتيسر للكثيرين ولكن التوسط حتى تستمر والأولى فتضع لنفسك جدولا بسيطا مرنا به الفرائض وبعض النوافل من صدقات وسنن وغيرها حتى يسهل الاستمرار وهذا يعنى أيضًا قد فهمت طبيعة نفسك التى تكل من الضغط وتحب الترويح والأصل فى ذلك الحديث الذى فى صحيح مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَظَنَا فَذَكَّرَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فَقَالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فَقَالَ: يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِى الطُّرُقِ.