عزيزى القارئ.. تكلمنا فى المقالات السابقة عن جميع الشروط الواجبة لانعقاد خطبة صحيحة فيما بين الخطيبين أو وكيلهما الشرعى، انتهاءً إلى الموانع التى تمنع من إتمامها وصولاً إلى نتيجة مؤداها أن الموانع التى تمنع من عقد الخطبة هى نفسها التى تمنع من اتمام الزواج والتى سوف نتناولها بالتفصيل فى حينه.. وابتداء من مقالة اليوم سنبدأ الحديث عن جميع ما يخص فسخ الخطبة وأحكامها والآثار المترتبة عليها لكل من الخطيبين. ● فى جميع مراحل حديثنا.. يجب ألا ننسى أن الخطبة ليست زواجاً وإنما هى مجرد وعد لا يترتب عليه أى رباط قانونى بين الخاطبين ومن ثم فللخاطب أن يعدل عن خطبته.. وبالمقابل فللمخطوبة أن تعدل عن قبوله ولكل منهما كامل الحق المغلف بالحماية القانونية أن ينفذ وعده. وتنص المادة الثانية عشرة من مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد على أنه «يجوز الرجوع فى الخطبة باتفاق الطرفين أو بإرادة أحدهما فقط ويصير إثبات ذلك فى محضر يحرره الكاهن ويضم إلى عقد الخطبة». ويثور هنا التساؤل: ● من العرف السائد أن يكون الخاطب قد دفع لمخطوبته مهراً أو قدم لها العديد من الهدايا طوال فترة الخطبة، فما هو حكم العدول من حيث حق الخاطب فى استرداد ما ذكر من مخطوبته؟ وللإجابة على هذا التساؤل الذى هو محور ومناط بحث من سيقدم على الفسخ... يجب أن نفرق بين حالتين: ● إذا كان الفسخ والعدول من جانب الخاطب بغير مقتضى فلا يحق له استرداد ما يكون قد قدمة من مهر أو هدايا. ● إذا كان الفسخ والعدول من جانب المخطوبة بغير مقتضى فللخاطب أن يسترد ما قدمه لها من المهر أو الهدايا الغير مستهلكة أو الغير قابلة للاستهلاك وهى الأشياء التى يمكن استعمالها استعمالا متكرراً مثل الملابس والمصوغات، أما الهدايا المستهلكة وهى التى لا يمكن استعمالها استعمالا متكرراً مثل البرفانات ومستحضرات التجميل وخلافه - فلا يجوز استردادها. ● ويلاحظ فى هذا المقام أن حد الفصل فى أحقية أى منهما يرجح بمعيار (بمقتضى / بغير مقتضى) وهى مسألة جد فى الدقة، فقد يشعر أحد الخطيبين أنه لا يستطيع أن يعطى الطرف الآخر محبته وثقته فيفضل أن يفسخ الخطبة ثم يتحرج فى إبداء السبب أو حتى أعلانه، لأنه ربما إذا أبداه فتح بابا كريهاً للحقد والعداوة فيما بين الأسرتين.. وإذا لم يبده فقد هداياه أو المهر الذى قدمه لخطيبته. ● ومن خلال الواقع العملى فإن الحل الأمثل فى مثل هذه الحالات يكون بخضوع الطرفين للحلول الكنسية التى يقدمها آبائنا بتطبيق قوانيننا الكنسية المشار إليها على طالب الفسخ وعما إذا كان بمقتضى أو بدون، كما أن للشهامة وحسن النية دوراً هاماً فى هذه الحالات فيحسن بالشخص الذى يفسخ الخطبة لسبب يتحرج من إبدائه أن لا يصمم على استرداد ما قدمه، كما أنه على الطرف الآخر ألا يزيد من هذا الحرج فيرد هذه الهدايا أو المهر من تلقاء نفسه. ● وفى حالة تعذر ذلك أو تعنت أى منهما ووصل الأمر إلى القضاء فعلى القاضى أن يدخل اعتباره عند بحث الأمر مبدأين أساسيين: ● الأول: أن حرية الفسخ من النظام العام ولا يصح التغلغل فى مناقشتها. ● الثانى: أن التعسف فى استعمال هذه الحرية خطأ يستحق عليه الطرف المضرور من هذا التعسف التعويضات اللائقة عما لحق به من خسائر وأضرار سواء أدبيه أو نفسية أو حتى أضرار ماليه، وذلك وفقاً للمبدأ القانونى الهام المنصوص عليه بالمادة / 163 من القانون المدنى والتى تنص على أن «كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض». ● ونحن فى هذا المقام يجب ألا يثور الجدل أو الخلاف بشأن التعويض عن فسخ الخطبة، برأى يرى عدم جواز التعويض عن فسخ الخطبة كونها فترة اختبار وتعارف، ورأى آخر (ونحن نؤيده) يتمسك بحق الطرف الآخر فى التعويض عن الأفعال الخاطئة التى لازمت العدول. ● ولإيضاح ما يمكن تقريره فى هذا الشأن - وهو المستقر عليه فقهاً وقضاءً 1- أن الخطبة ليست بعقد ملزم. 2- مجرد العدول عن الخطبة لا يكون سبب موجب للتعويض. 3- إذا اقترن بالعدول عن الخطبة أفعال أخرى ألحقت ضرراً بأحد الخطيبين جاز الحكم بالتعويض على أساس المسئولية التقصيرية. وأخيراً يثور التساؤل عن حكم القانون حال وفاة أحد الخطيبين؟ نصت المادة الرابعة عشرة من مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد على أنه.. «إذا توفى الخاطب قبل الزواج فلورثته استرداد المهر أو ما أشترى من جهاز، وإذا توفيت المخطوبة فللخاطب أن يسترد المهر أو ما أشترى به من جهاز. أما الهدايا فلا ترد فى الحالتين، غير أنه إذا لم يحصل الاتفاق على مهر وإنما قدمت هدية لتقوم مقام المهر فيكون حكمها حكم المهر».