وقفت سيدة فى العقد الثالث من العمر داخل محكمة الأسرة، جبينها يندى من الخجل تحاول إخفاء ملامحها بيديها.. مر الوقت عليها داخل محكمة الأسرة بالجيزة ببطء شديد جداً. جلست على أحد المقاعد شريدة الذهن كأنها تستعيد شريط ذكرياتها، حتى سمعت صوت حاجب المحكمة ينادى على رقم دعواها لتقف أمام المحكمة بعيون زائغة وصوت خافت تقول أعلم أن ديننا الحنيف أوصانا على الأم ومنعنا من الجحود بها، لكن ما تفعله أمى بى كل يوم جعلنى أعيش حالة من الحزن والألم لإصرارها غير المبرر على التسول بالشارع، لتصبح قصتى سخرية أهل زوجى ونكران زوجى لحقوقى المالية والامتناع عن الإنفاق عليّ وعلى أطفاله. قالت الزوجة عشت داخل أسرة فقيرة كانت تحصل على قوت يومها بالكاد، فوالدى كان موظفا بسيطا وأمى ربة منزل، طفولتى كانت قاسية مليئة بمشاعر الحرمان والقهر. حصلت على شهادة الدبلوم وعملت سكرتيرة بأحد المكاتب العقارية، كانت من أجمل لحظات حياتى عندما شعرت بأن لى دخلا خاصا بى حتى لو كان بسيطا، لكننى من خلاله شعرت بأننى ملكة، وبالرغم من دخلى البسيط كنت أساعد أمى وألبى بعض طلباتها كما بدأت فى ادخار بعض الأموال لأتمكن من تجهيز نفسى. مرت عدة سنوات وكنت أرفض الارتباط حتى لا يشغلنى عن عملى وتكوين نفسى كما تمنيت، حتى بلغت عامى السادس والعشرين من العمر، وبدأت أمى تطاردنى بفكرة الزواج وتحاول اقناعى بضرورة الارتباط قبل أن يفوتنى قطار الزواج، اقتنعت بكلام أمى ومن ناحيتها بدأت فى رحلة البحث عن الزوج المناسب من الأقارب والجيران. وخلال تلك الفترة قابلت زوجى كان موظفا بإحدى الشركات، ويتردد على مقر عملى لإنهاء بعض الإجراءات الخاصة به، أعجب بى وفى إحدى المرات صارحنى بإعجابه بى وطالبنى بالتقدم لطلب يدى. بدون تردد عرضت الأمر على أسرتى الذين رحبوا بشدة وتم تحديد موعد للقاء أسرتى، وكان لقاء أسريا جميلا وتم الاتفاق خلاله على تفاصيل الزواج وتمت الخطوبة فى حفل بسيط جدا نظراً لظروف أسرتنا القاسية. طرت فرحا بزوجى فلم أشعر معه يوما بفقر أسرتى أو بضعف امكانيات والدى، بل كان يتعامل معى برقة وحنان غير متناهيين، مضت فترة الخطوبة سريعا وتم عقد قرانى فى أحد المساجد الشهيرة، وسافرت بصحبة زوجى لقضاء شهر العسل فى إحدى المدن الساحلية. لن اجد كلمة واحدة تصف مشاعرى بعد الزواج بمن عشقه قلبى، فقد وقعت فى حبه بسبب معاملته الطيبة لى ورقته الدائمة معى ومع أسرتى، مرت عدة سنوات رزقنى الله خلالها بطفلين جميلين طرت فرحا بهما ومن أجلهما تركت عملى لأتمكن من رعايتهما والاهتمام بأسرتى. وفى أحد الأيام الكئيبة استيقظت على خبر قاسٍ، فقد لقى والدى مصرعه فى حادث سير شعرت وقتها أن سندى فى ذلك العالم قد رحل، لكن رعاية زوجى لى جعلتنى أتحمل فراق والدى. حاولت التماسك كثيرا والرضا بقضاء الله وبدأت فى رعاية أمى والتى أصيبت بعدة أمراض فور فقدها لوالدى، فى بداية الأمر طلبت من زوجى أن تقيم معنا والدتى لفترة حتى تتمكن من الوقوف على قدمها مرة أخرى، وافق دون تردد وعاشت أمى معنا عدة أشهر، وفجأة قررت أن تعود إلى بيتها لتعيش فيه ما تبقى من حياتها. وافقت على مضض وبدأت فى التردد عليها لرعايتها وتوفير كافة طلباتها اليومية بالاشتراك مع شقيقاتى، بعد فترة قصيرة لاحظت على والدتى عدم اهتمامها بنظافتها وخروجها كثيرا وقضاء فترات طويلة خارج البيت وبدون أن أدرى وجدتنى أراقب أمى لأكتشف الطامة الكبرى. صمتت الزوجة فجأة وقالت بصوت خافت، اكتشفت أن والدتى تتسول فى الشوارع واجهتها على الفور بما اكتشفته ونهرتها على أفعالها، خاصة أن والدى ترك لها معاشا حتى لو كان بسيطا، بكت أمى بين يدى وطالبتنى بعدم إخبار أحد بعد أن وعدتنى بأنها لن تقوم بتلك الأفعال مرة أخرى، بكل أسف وأسى اصرت امى على موقفها، فأخبرت شقيقاتى وزوجتى لمنعها من التسول بالشوارع مرة أخرى، لكنها رفضت وطردتنا من بيتها وطالبتنا بمقاطعتها نهائيا، حاولنا كثيراً معها لكنها رفضت تماماً الأمر، واكدت أن معاش والدى لا يكفيها. عجزنا تماما عن السيطرة على والدتى كما زاد الأمر الطين بلة بعد أن اكتشف أهل زوجى ما تفعله أمى، وتم فضح أمرى أمامهم فبدأوا فى معايرتى وطلبوا من زوجى تطليقى، عشت أياما قاسية قبلت قدم والدتى أخبرتها بأنها ستكون السبب فى خراب بيتى، لكنها أصرت على أفعالها ولم تهتم بأمرى. وفى أحد الأيام نشبت بينى وبين زوجى مشادة كلامية، قام على اثرها بالتعدى على بالضرب وطردى بصحبة ابنائى من البيت، عدت إلى أمى أتوسل إليها بدموع حارقة لكن لم يتحرك لها ساكن. عشت أياما قاسية فزوجى ابتعد عنى ورفض الانفاق على ابنائى، بعد أن تمكن أهله من زرع الكراهية فى قلب زوجى من ناحيتى وناحية ابنائه، الأمر الذى دفعنى إلى إقامة دعوى نفقة ضد زوجى الذى تخلى عنى وانا فى أحلك الظروف.