مستقبل مظلم ينتظره التعليم في مصر، الذي أوشك علي الانهيار في ظل حكومة الإخوان، فقد تعرض الطلاب لهجوم جديد علي عقولهم، بعد قرار وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم غنيم بإلغاء تدريس القصص المدرسية لمادتي اللغة العربية والدين من أجل توفير نفقات الطباعة التي تبلغ قيمتها 22 مليون جنيه في حين رأي بعض مستشاريه أنه لا يتم الانتفاع بقراءتها طوال العام وتباع بعد نهاية العام الدراسي وحتي الآن لا نعلم ما المغزي الحقيقي وراء هذا القرار غير المدروس الذي يحرم الطلاب من معرفة تاريخ كبار الأدباء كنجيب محفوظ وطه حسين والتعرف علي سير آل البيت والشخصيات التي أثرت في تاريخنا وربما يكون هناك نية لاستبدال هذه القصص بأخري يتم فيها إدخال بعض الشخصيات التي تروج لفكر الجماعة وهو ما سبق أن سعوا إليه منذ توليهم مقاليد الأمور. الغريب في الأمر أن الوزارة ألغت تدريس القصص المدرسية من أجل توفير نفقات طباعتها بينما بادرت بطباعة 5 ملايين نسخة من كتاب إنجازات الرئيس محمد مرسي الذي سيتكلف ملايين الجنيهات ويحمل عنوان «الرئيس مرسي يبني مصر من جديد»، يشرح أهم إنجازاته الهائلة في 9 أشهر من حكمه، الأمر الذي نفته حكومة الإخوان التي اعتادت علي تضارب القرارات ونفيها بعد الإعلان عنها وهذا الأمر ليس بجديد عليهم. ويصل عدد الكتب التي تتم طباعتها سنويا نحو 680 مليون كتاب في جميع المراحل الدراسية، وتبلغ تكلفة طباعة الكتب المدرسية نحو مليار و44 مليون جنيه وقد لجأت وزارة التربية والتعليم الي تخفيض نفقات طباعة الكتب من خلال إلغاء طباعة 22 مليون كتاب مدرسي تكلفتها 22 مليون جنيه منها: القصص المدرسية التي كانت تدرس ابتداء من الصف الرابع الابتدائي حتي نهاية المرحلة الثانوية، بما فيها قصص مادة التربية الدينية بإجمالي عدد كتب وصل الي 4 ملايين و850 ألف قصة في المرحلة الإعدادية و400 ألف قصة بالصف الثاني الثانوي. تضمنت قاعة الكتب التي تم إلغاؤها كراسة الخط العربي للصف الرابع الابتدائي وقصة الدين للصف الخامس الابتدائي والمتمثلة في سيرة عبدالرحمن بن عوف وقصة الصف السادس الابتدائي وهي قصة السيدة خديجة، وعقبة بن نافع للصف الأول الإعدادي، وكراسة التدريبات والأنشطة بمادة العلوم للصف الأول الإعدادي، وكراسة التدريبات والأنشطة للرياضيات والدراسات للصف الأول الاعدادي وقصة الدين للصف الثاني الإعدادي وقصة اللغة الانجليزية للصف الثالث الاعدادي وقصة العربي لأولي ثانوي وكراسة التدريبات لثالثة إعدادي مهني وقصة العربي للفصل الدراسي الأول لثالثة إعدادي قصة العربي وكراسة الإيطالي للصف الأول الثانوي وكتاب النحو للصف الأول الثانوي أيضا وقصة اللغة الانجليزية لثالثة ثانوي، وكتاب النحو للصف الأول الثانوي، وبذلك تم إلغاء جميع قصص اللغة العربية والتربية الدينية في المراحل الدراسية المختلفة. أيمن البيلي وكيل النقابة المستقلة للمعلمين، يري أن إصدار وزير التعليم لمثل هذا القرار يؤكد ما سبق وحذر منه من قبل بأن التعليم ليس علي أجندة وأولويات الإخوان. كما أن القائمين عليه ينظرون للتعليم علي أنه مشروع استثماري وليس مشروعا قوميا يحقق التنمية الوطنية المستقلة وبدلا من قيامهم بدفع العملية التعليمية الي الإمام من خلال السعي نحو زيادة ميزانية التعليم، يتم اقتطاع جزء منه تحت بند تخفيض النفقات، وهذا يدل علي توجههم نحو خصخصة التعليم الحكومي.. فكيف لدولة أنجبت نجيب محفوظ، وطه حسين أن تمحو هذا الجزء المهم من الكتب الدراسية فهذا يعد إسقاطا تربويا مهما يساهم في تنمية اللغة والذوق والخيال لدي الطلاب! وهذا القرار غير تربوي. ويستكمل رأيه قائلا: هذا القرار يؤكد عدم اهتمام وزير التعليم بقدرات التلاميذ وتنمية الجانب المعرفي والمعلوماتي لديهم، فالتعليم هو جسر التواصل بين الأجيال والقصص التي تتم تدريسها وهي أحد أعمدة هذا الجسر الذي ينقل التراث ويحافظ علي ملامح الشخصية الوطنية ولا ندري ما الذي سيحل محل هذه القصص المهمة، فربما يكون هناك خطة يسعي إليها الإخوان من أجل تدريس قصص جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم لا يؤمنون إلا بالسمع والطاعة ولا بالأدب إلا ما كتبه مؤسس الجماعة حسن البنا، ولا بفن إلا الخط العربي ولا بمدرسة إلا مدرسة الجماعة ولا وطن إلا الجماعة، فالخطورة هنا تكمن في أن أي تلاعب في مواد التعليم يعد تمهيدا لتعليم آخر ينتمي للجماعة ويخرج أجيالا تؤمن بفكر الجماعة علي اعتبار أن الوطن ليس له قيمة، فهذه القصص يبدأ تدريسها في الصف الرابع الابتدائي وحتي الصف الثالث الثانوي، ويبلغ عددهم نحو 4 ملايين قصة تتكلف طباعتها نحو 22 مليون جنيه، أما ميزانية الكتب الدراسية فتتكلف جميعها 4 مليارات جنيه لجميع المراحل ويصل عدد الكتب الي 680 مليون كتاب مدرسي، فلا يمكن أن أتصور أن تنشأ أجيال لا تعرف الأدباء الكبار في مصر فهذه جريمة في حق التعليم، والدليل علي ذلك أن الوزير استعان بمستشاريه من ذوي أصحاب المشاريع الخاصة كالمدارس الخاصة ومدارس اللغات في تطوير التعليم الحكومي المجاني وهذا يعني أن هناك سعيا لتحويله الي تعليم خاص، فكيف لهؤلاء المستشارين أن يضعوا سياسات تهتم بالتعليم المجاني، فمع الأسف مستقبل التعليم في مصر أصبح للأغنياء فقط. الدكتور كمال مغيث باحث بمركز البحوث التربوية وعضو مجلس إدارة المعاهد القومية، يري أن هذه القصص تعمل علي تواصل الأجيال حيث تسمح للطلاب بمعرفة الشخصيات المهمة التي أثيرت في تاريخ مصر كأدبائنا الكبار مثل نجيب محفوظ وعباس العقاد وما يتميز به هؤلاء المفكرون الذين يعدون جزءا من روح الشعب والوطن واستطاعوا من خلال كتاباتهم تجسيد الشخصية المصرية، ولا يمكن أن نتصور أن ينتقل الطالب للمرحلة الجامعية دون دراسة الشخصية المصرية، فمن الضروري أن يتم تدريس هذه القصص لإحداث نوع من التكامل المعرفي، والتذوق الأدبي والإبداع حتي يتم تخريج أجيال قادرة علي التأليف والنقد ويقول: أعتقد أن المبلغ المراد توفيره والمقدر بنحو 22 مليون لن يؤثر علي ميزانية التعليم قبل الجامعي تقدر بنحو 50 مليارا، فليس من حق وزير التعليم إلغاء تدريس القصص فهو يعتقد عدم جدواها وأنها ليس لها معني، ولا نعرف ما السبب الحقيقي وراء اتخاذ هذا القرار الغريب، فالقانون رقم 139 لسنة 81 الخاص بالتعليم حدد المواد الأساسية التي يتم تدريسها بحيث لا يجوز لوزير التعليم إجراء أية تغييرات إلا بعد عرضها علي المجلس الأعلي للتعليم قبل الجامعي، والمجلس الأعلي للجامعات أيضا وهذا لم يحدث.. لكننا نخشي من انهيار التعليم في ظل حكومة الإخوان وما يتخذوه من قرارات. الدكتورة زينات طبالة مدير مركز دراسات التنمية البشرية بمعهد التخطيط، تري أن هناك جوانب عديدة يمكن أن يتم إلغاء هذه القصص المهمة اتي يستفيد منها الطلاب، وهناك عدة أشياء يجب النظر اليها ووضعها في الحسبان حيث تتم طباعة أعداد هائلة من الكتب سنويا وتتكلف مبالغ طائلة وفي النهاية يتكرس الفائض منها في المخازن فضلا عن وجود كم هائل من العمالة الإدارية الموجودة في ديوان الوزارة التي تمثل عبئا أيضا ولا يقدمون إفادة للعملية التعليمية ونتساءل: كيف يتم رفع مستوي الجودة في التعليم بحذف هذه القصص المهمة التي يستفيد منها الأطفال والكبار كما أن الحجة التي لجأت اليها الوزارة التي ستوفر من خلالها ملايين الجنيهات فهي حجة واهية، فقفص التعليم إذا لم تدرس في مجملها علي مستوي جميع المراحل وتتناول أهم قضاياها فلا فائدة من التعليم فمن الوارد أن يتم استبدالها بقصص أخري تخدم أهداف الجماعة، فالمنظومة التعليمية تعاني الآن من حالة تخبط في معاييرها ومناهجها وتوزيع مواردها، فمشكلة التعليم أنه لا ينظر لكافة قضاياه وتتم معالجتها فلابد أن يكون هناك ترتيب للأولويات فالتعليم سيظل يعاني من المشاكل المستمرة نظرا لعدم وجود استقرار، فكل وزير يتولي مقاليد الأمور في الوزارة لا يستمر طويلا في عمله، كما أنه يحاول خلال فترة وجوده إضافة رؤياه بغض النظر عن كونها صحيحة أو خاطئة لذا لابد من وضع خطة استراتيجية لمناقشة الرؤية الداخلية والخارجية للتعليم ومعالجة قضايا التمويل والتخصيص والميزانية والتوزيع في كل مرحلة حتي تصب القرارات النهائية في مصلحة الطلاب. الدكتور محمد المفتي عميد كلية التربية بجامعة عين شمس سابقا يقول: القرارات غير المدروسة التي تتخذها وزارة التربية والتعليم تجعل هناك عدم تفاؤل في مستقبل التعليم في ظل الحكومة الحالية، فالطالب هو الخاسر الوحيد في ظل حالة التخبط التي تحدث حاليا، فالتعليم يجب إبعاده تماما عن السياسة حتي لا يتم إفساده، فنحن الآن أمام هجوم عنيف علي الفكر والعقل فلا يعقل أن يتم إلغاء قصص مهمة من أجل توفير بعض الأموال فإذا وضعنا أمامنا القدرة الاقتصادية فلا شك أن التعليم في مصر سوف ينهار، ومن الواضح أن وزير التعليم اتخذ هذا القرار دون أن يستند علي أساس علمي سليم، فالقرارات غير المدروسة تؤدي لعواقب وخيمة، فهذه القصص تتناول قصص الأنبياء وسير العلماء وآل البيت كما تتناول قيما مختلفة كالصدق والأمانة وتنمي لدي المتعلم هذه القيم المهمة التي تضاف خبراته الحياتية وتثقل من شخصيته وتنمي لديه الخيال والإبداع، وإلغائها يعني إظلام جانب مهم ومضيء كان يساعد علي نمو الفكر لدي الطلاب ابتداء من المرحلة الابتدائية وحتي المرحلة الثانوية وتحرمهم من التذوق الأدبي.