قرأت في جريدة "الأهرام" بتاريخ 1-5-2011 مقالا بعنوان "مجلس الأمن القومي المصري" للكاتب الأستاذ أحمد كامل البحيري يقول فيه: "لعبت المؤسسة العسكرية المصرية دوراً مهماً وحاسماً علي مدار تاريخ مصر الحديث علي الصعيد الداخلي في مواجهة الفساد ومساندة تطلعات الشعب المصري في الحرية والعدالة، وهذا ما يجعلنا نطرح فكرة انشاء مجلس للأمن القومي تكون المؤسسة العسكرية بمن يمثلها جزءا منه ويكون بمثابة الحصن الضامن في حالة حدوث فراغ دستوري للبلاد ويكون أشبه بمجلس رئاسي لديه القدرة علي التعامل مع المتغيرات داخليا وخارجيا بما يحفظ لمصر مصالحها ويحدد معالم استراتيجية جديدة لحكم مصر.. الخ، وأضاف أن يشكل مجلس الأمن القومي من وزيري الخارجية والدفاع ورئيس الاركان الي جانب رئيس الوزراء ومديري المخابرات العامة والحربية ورئيس المحكمة الدستورية والنائب العام!! وينعقد المجلس برئاسة رئيس الجمهورية وفي حالة خلو منصب الرئيس يتولي رئيس المحكمة الدستورية رئاسة المجلس!!!". وتعليق علي ما جاء في هذا المقال أقول ان مجلس الامن القومي في الدول المتقدمة له عمل وتشكيل يختلف عن العمل والتشكيل الذي جاء في المقال المذكور!! ولكي أوضح ذلك أقول: 1- مجلس الأمن القومي هو هيئة دائمة ملحقة بمكتب رئيس الجمهورية وهو يتلقي تقارير اجهزة الامن الداخلي والخارجي وتقارير وزارة الخارجية ووزارة الداخلية كما يتلقي أيضا تقارير معلومات واردة من أجهزة المخابرات للدول الصديقة والحليفة حيث يوجد تعاون بين أجهزة المخابرات في تبادل المعلومات والحصول علي تسهيلات ومساعدات. 2- يقوم هذا المجلس بفحص كل التقارير وتحليلها ومقارنتها.. وكذلك مراجعة هذه الاجهزة لاستكمال بعض الأمور التي وردت في تقاريرهم وذلك لمحاولة الوصول الي اقصي درجة من المصداقية لأن الحقيقة المجردة لا يملكها البشر!! وبعد ذلك يقدم تقريرا مجمعا الي رئيس الدولة مشفوعاً باقتراح قرارات لكي يختار منها الرئيس مايراه صالحاً للوطن من منطلق رؤيته الواسعة بحكم منصبه. وبالمناسبة فإن الرئيس الامريكي أو نائبه يزور مجلس الأمن القومي الامريكي صباح كل يوم لكي يتلقي آخر الاخبار والتطورات العالمية قبل أن يتوجه الي مكتبه. 3- مجلس الأمن القومي لا يعتبر جهازاً لتلقي المعلومات فقط ولكنه يقوم بدراسات وأبحاث في كل المجالات بهدف تطوير الاداء في الدولة وكذلك يلبي أي استفسار أو استشارة تطلب منه من أي جهة في الدولة علي مستوياتها المختلفة أي أن هذا المجلس هو عقل وضمير البلاد. 4- مجلس الأمن القومي يضم أفراداً علي أعلي مستوي من العلم والكفاءة والخبرة في كل التخصصات: عسكرية - مخابراتية - أمن داخلي - اقتصادية - ثقافية - اعلامية - تعليمية - دينية.. الخ. ويرأس هذا الجهاز شخصية علي مستوي عال من الخبرة والعلم والنزاهة ويسمي في بعض الدول بمستشار الرئيس للأمن القومي. 5- لا يجب أن يكون مستشار الرئيس للأمن القومي رئيسا في الوقت نفسه لجهاز أمن آخر لأن مجلس الأمن القومي يقوم احيانا بنقد التقارير التي ترد من أي جهاز أمن وفي حالة الجمع بين المنصبين فإن ذلك يؤثر بالسلب علي عمل كل من مجلس الأمن القومي وجهاز الأمن الآخر!! 6- من مزايا مجلس الأمن القومي هو عدم اعطاء الفرصة لأي جهاز أمن أو فرد أو افراد في احتكار إذن الرئيس!! 7- بعض الدول المتقدمة لديها مجلس أمن قومي لمساعدة الرئيس في اتحاذ القرارات.. أما بقصد دول العالم الثالث فليس عندهم هذا الجهاز ويتم اتخاذ القرارات فيها إما بالضغوط الخارجية أو بالفهلوة او بالتوجيهات الحكيمة!! وهو اسلوب لا يحقق الصالح العام للبلاد!! 8- تم انشاء مجلس أمن قومي في مصر في حقبة حرب اكتوبر المجيدة وكان يرأسه اللواء محمد حافظ اسماعيل كمستشار للرئيس السادات للأمن القومي.. وكان يقوم بواجبه خير قيام.. وعندما وجد ان الرئيس السادات في الأيام الأخيرة بعد الحرب بدأ لا ينصت الي نصائحه قدم اللواء محمد حافظ اسماعيل استقالته.. أي أن مجلس الأمن القومي لم يعد قائما لأنه لم يعيش بديلاً له!! وهذا الوضع ترك فراغا امنيا كبيرا لكي يقوم اللواء النبوي اسماعيل وزير الداخلية الأسبق باحتكار اذن الرئيس السادات وقدم له تقريرا يطلب فيه اعتقال.. ما من خيرة رجال مصر من كل الاتجاهات السياسية!! ولم يكن هناك اجهزة أخري لتحليل هذا التقرير ومقارنته بتقارير أخري أو اثبات أو نفي ما جاء فيه أو بعضه!! وأصدر الرئيس السادات قرار الاعتقال ما ادي الي تداعيات مأساوية أودت بحياة الرئيس السادات!! 9- الدستور الجديد سوف يتضمن وجوب تعيين نائب لرئيس الجمهورية ويحدد اختصاصاته.. وأنني اطالب أيضا أن يتضمن الدستور وجوب انشاء مجلس أمن قومي ويحدد اختصاصاته حتي لا تتكرر مأساة التوجهات الحكيمة التي أضرت بالبلاد في السنوات الماضية!! مدير عام بالمخابرات العامة بالمعاش وخبير في الشئون الاستراتيجية