«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف زيدان :شحن متخلفي السلفيين وحمقي الأرثوذكس وراء الفتنة
نشر في الوفد يوم 15 - 05 - 2011

يا أعدائي الجبناء لن أسمح لكم أن تحرقوا أغصان الزيتون المصرية أن تعبثوا بذاكرتي الوردية أن تشوهوا صورة أصدقائي مريم وإيمان صليب وأليس جابر ممن عشت معهن أحلي سنوات عمري وفتحت لهن خزائن أسراري البريئة وأحلامي العفوية‮.‬
لن أسمح لكم أن أخاصم جيراني جيهان ناجي وعمي إبراهيم إسكندر رفيق والدي واخاه الذي لم تلده جدتي‮.‬
لن أترككم ترقصون في الظلام كالخفافيش بكل خسة علي جثث القتلي المسلمين والمسيحيين بنذالة ووحشية‮.‬
يا أعدائي الجبناء إذا كنتم تجهلون معني الوطن فلن تعرفوا أبدًا معني التسامح والدين الحق والعيش في سلام وحرية‮.‬
ذهبت بكل هذا الخوف والغضب إلي أحد حكماء هذا الوطن والعاشق لتراثه ومخطوطاته وشعرائه ومتصوفته وهو الدكتور يوسف زيدان والذي وجدته في حزن أعظم‮.. ربما لأنه يعرف أكثر فهو اسم كبير في تحقيق التراث والمخطوطات قاربت مؤلفاته الستين كتابًا وتجاوزت أبحاثه العلمية الثمانين بحثًا في الفكر الإسلامي والتصوف والفلسفة وتاريخ العلوم وهو ما جعله يحصد العديد من الجوائز العلمية في تحقيق التراث‮.‬
وهو مبدع عالمه الروائي ساحر ومختلف يبدأ بعزازيل التي حصل عنها علي الجائزة العالمية للرواية العربية‮ »‬البوكر‮« ووصلت طبعاتها حتي الآن الطبعة الحادية والعشرين والثانية رواية‮ »‬النبطي‮« والتي طرحت في الأسواق منذ شهور قليلة وصدرت مؤخرًا الطبعة الخامسة منها‮. ولعل أهم ما يستوقفك في شخصية الدكتور يوسف زيدان هذا الابحار المدهش والمعني بتراثنا المنسي والمهمش وبحثه الدؤوب عن نبش الذاكرة العربية في لحظاتها التاريخية‮ غير المعلومة ساعىًا إلي الإنسان العربي في تلك اللحظات العصيبة من تاريخه‮.‬
ولأننا في لحظة تاريخية حرجة ومنعطف خطير تعيشه البلاد والعباد علينا أن نسأل ثم نصمت لنستمع إليه وفيما يلي نص الحوار‮:‬
‮‬ما الذي يحدث في إمبابة‮..‬؟ هل هو حلقة من حلقات الغلو الديني والطائفي أم أنها ضربة قاصمة لهيبة الدولة بعد ثورة‮ 25‮ يناير؟
‮ الأحداث الصغيرة‮ غالبًا ما يكون لها أكثر من سبب دافع لحدوثها،‮ فما بالك بالأحداث الكبري والفواجع المؤسفة علي شاكلة ما جري في إمبابة؟ إن الغلو والعنف الديني أحد أسباب هذه الواقعة المفجعة،‮ ولكن هناك أسبابا ومحركات أخري منها ما يسمي بالانفلات الأمني‮ »‬الذي توقف جزيئًا بعد قرارات المجلس العسكري الأخير‮«‬،‮ ومنها الشحن النفسي والاستعداء بالباطل بين السلفيين ومتعصبي الأقباط،‮ وهو ما يقوم به نفر من أولئك وهؤلاء أعني من متخلفي‮ »‬السلفيين‮« ومن حمقي الأرثوذكس‮«.‬
وبالمناسبة يوجد هناك فارق كبير بين هذين النوعين من مستغلي الدين لأهداف دنيوية‮.‬
وهناك أسباب أخري منها الحالة المزرية التي يعيش فيها سكان هذه المناطق التي فاتها قطار التنمية من دون توقف فلحق ظلم اجتماعي عميق بالناس مما جعلهم كالقنابل الموقوتة القابلة للانفجار في أي وقت ولأي سبب‮.. ومنها التصعيد الإعلامي السخيف لتوافه المشكلات المتعلقة بالأخت‮ »‬غادة الكاميليا‮« والاخت‮ »‬دلوعة‮« الهاربة من زوجها إلي عشيقها،‮ والاخت‮ »‬ننوسة‮« التي آنست في شاب مسلم نار العشق إلي آخر هذه الحكايات التي يعلوها سخف من فوقه سخف ومن تحته سخف‮.‬
وبالطبع،‮ فلا يمكن استبعاد دور الأيادي الخفية في مثل تلك الأحداث‮.. وهي علي كل حال أياد لم تعد‮ »‬خفية‮« لأنها بوضوح شديد،‮ من مصلحتها أن يضطرب الحال في البلاد،‮ بما يسمح بإثارة الفوضي والغبار،‮ حتي يتمكنوا من الإفلات بعدما وقعت‮ »‬الرءوس‮« في قبضة القانون،‮ بعد الثورة المصرية الأخيرة‮.‬
الأسلوب القديم مازال قائمًا
‮في ضوء هذا التعامل،‮ هل تسير الحكومة المصرية الحالية علي النهج الذي اعتدناه من حكومات قبل الثورة؟
‮ هناك آثار للأسلوب القديم،‮ تشوب الأداء الحكومي الحالي الذي لا يمكن أن نصفه بالسير علي النهج القديم،‮ لأن في ذلك ظلمًا لا يجوز في حق هؤلاء الرجال الشرفاء الذين يسيرون الأعمال في مصر حالىًا‮.. ولكن آثار الأسلوب القديم لا تزال تظهر في مواقف مثل‮ »‬تدليل‮« رءوس رجال الدين،‮ ومحاولة استرضاء أولئك وهؤلاء،‮ وهو ما كانت تقوم به حكومات ما قبل الثورة،‮ وكان يزيد الأمور تعقيدًا والتهابًا‮.‬
‮من وجهة نظرك ماذا تعني تعبيرات‮: القوي الخارجية،‮ فلول النظام القديم،‮ ثورة مضادة؟
‮ القوي الخارجية حقيقة لا جدال فيها فليس كل العالم أصدقاء للمصريين‮.. للمصريين أعداء أيضًا ومن الطبيعي أن يعملوا ضد مصلحة مصر في الفترة الحرجة الحالية،‮ ومن اللازم علينا أن نوجه اهتمامنا إلي أعمالهم التي لا نلومهم عليها‮ »‬فهم في النهاية الأعداء‮«‬،‮ ولكن يجب أن نلوم أنفسنا إذا تقاعسنا عن التصدي لها‮.‬
وفلول النظام هم الطبقة الثالثة من الفاسدين،‮ فإذا كان رأس الهرم الفاسد قد أحيط به،‮ وأحيط أيضًا بالطبقة الثانية التي كانت تفسد من تحته والوزراء والرموز الحكومية،‮ فإن من تحت هؤلاء طبقة ثالثة وأخري رابعة ممن ارتبطوا بالفساد السابق الذي انهزم أمام الثورة ونحاكمه اليوم وبقايا الجيش المهزوم هم الذين نسيمهم في فصيح اللغة العربية‮: »‬فلول‮«.‬
والثورة المضادة،‮ هي كل فعل يعاكس التوجه الثوري المصري‮. فما يفعله الأعداء‮ »‬القوي الخارجية‮« لافشال نتائج الثورة المصرية،‮ هو ثورة مضادة وما تحيكه‮ »‬الفلول‮« في الظلام،‮ سعىًا لمزيد من الاضطراب العام هو ثورة مضادة‮.. والذي يخالف قانون المرور في وقت يريد فيه المصريون الثوريون استعادة الأمن للمجتمع،‮ يقوم بثورة مضادة‮.. والذي يستغل حالة الاضطراب العام فيبني بالخرسانة علي الأرض الزراعية،‮ أو يعلو بالأدوار فوق عمارات ربما لا تحتمل التعلية،‮ أو يحفز الناس علي القيام بالتظاهرات البائسة المسماة‮ »‬المطالب الفئوية‮« قاصدًا بذلك تعطيل الأعمال في المؤسسات المصرية يقوم في واقع الأمر بثورة مضادة‮.‬
المواطن المصري والتعصب
‮عبر تاريخه الطويل اتسم الشعب المصري بتسامحه الديني وانصهار كافة المذاهب العقائدية داخل نسيج واحد‮.. فماذا حدث؟‮.‬
‮ أولاً‮ لا يصح أن نضع هذه الصورة الرومانتيكية للشعب المصري لان مفهوم‮ »‬الشعب‮« حديث ويتعلق بتصورات محددة كان يطلقها الكهنة أو الآباء الكنسيون علي رعايا هذه الكنيسة أو تلك علي سبيل المثال بينما كلمة‮ »‬الشعب‮« بالمعني السياسي تعني بالمحكومين في مقابل الحاكم وانما كان هناك دائماً‮ تصور للمصريين أو ما كان يسمي في اللفظ العربي‮ »‬القبط‮« التي تعادل كلمة المصريين وكان العرب يستعملون الكلمتين بنفس المعني تقريباً‮ دون تمييز ديني بينهما فعندما نقول قبيل دخول الاسلام وحتي عند دخوله كلمة‮ »‬قبط‮« فالمراد بها الناس التي تعيش في مصر سواء كانوا مسيحيين أو وثنيين أو كان هؤلاء مسيحيين يعاقبة وهي الكنيسة الاكبر عدداً‮ اليوم أو المسيحيين الملكيين وهي الكنيسة الموجودة أيضاً‮ ويعرفون بالروم الارثوذكس أو أياً‮ كان مذهبهم بالاضافة الي مئات آلاف من العرب الساكنين في مصر وهؤلاء منهم مسيحيون أيضاً‮ وهذا المجموع كان يطلق عليه مصر‮.‬
ولا نستطيع في ضوء هذه الرؤية أن نعمم أو نطلق أحكاماً‮ رومانتيكية بأن المصري لا يعرف التعصب وهذه مسألة لا نستطيع أن نركن اليها تماماً‮ ولكن يمكن القول انه منذ فترة الستينيات وحتي ثورة‮ 25‮ يناير كان يوجد إرث فادح من القهر السياسي علي مستوي كافة الاتجاهات الدينية كالاخوان المسلمين والاتجاهات الفكرية كالماركسيين والاتجاهات المعارضة عموماً‮. وفي هذا الاطار لم يكن مسموحاً‮ بابداء آراء تخالف رؤية الحكومة فالرئيس السابق عبدالناصر أقام كياناً‮ سياسياً‮ للكنيسة بانشائه الكاتدرائية بالعباسية فكان من الغريب والمدهش أن تقام كنيسة الاسكندرية في القاهرة‮. أراد الرئيس السابق أنور السادات أن يكسر شوكة اليسار المصري بتنشيطه للجماعات الاسلامية والتي انقلبت عليه وعلي البلد كله بعد ذلك وقد ظهر هذا تدريجياً‮ حيث تفاقم فيما بعد‮.‬
كان العنف الديني الاسلامي أسبق بحكم الاغلبية ثم أصبح هناك عنف كامن في نفوس الناس لا يلبث أن يظهر علي السطح فتقع هذه الحوادث المحزنة والمبكية والمؤرقة لكل محب لهذا البلد‮.‬
ما بين الدين والتدين
‮كيف تري الخروج من هذا النفق المظلم والذي تعشش فيه خفافيش الظلام ومصر تمر بمرحلة حرجة من تاريخها وهل المواطنة هي البديل؟‮.‬
‮هي ليست الحل الامثل بل هو الحل الوحيد وهناك فارق بين الدين والتدين‮.. فالدين أمر إلهي وصلة عميقة بين العبد وربه أياً‮ ما كان هذا الدين فنحن لا نستطيع أن نفتش في قلوب الناس لمعرفته‮. أما التدين فهو الشكل العام القائم علي الدين والذي يظهر في الاحتفالات والمناسبات وهي لا تدل علي الدين وانما علي التدين والذي حدث ان الدين باعتباره أمراً‮ مخصوصاً‮ بين الانسان والله تراجع لصالح الشكل الاجتماعي الذي هو التدين وموجات التدين لابد أن ترتبط بالعنف حتي لو كان هذا العنف عنف لفظي أو اجتماعي أو فكرياً‮ أو عنفاً‮ فعلياً‮ في حوادث‮.. لماذا؟ لانه اذا استعلي التدين وساد في المجتمع فهو يقوم أساساً‮ علي اعتبار ان هذا المتدين هو الذي علي حق والآخرون علي الباطل ومن ثم من وجهة نظره فهذا المخالف لا يستحق صفة الانسانية ولا ضير في أن يزول من الوجود وتلك هي النقطة المعقدة والمركبة والتي استعرضتها في كتاب‮ (‬اللاهوت العربي وأصول العنف الديني‮) أثناء بحث الصلة الجدلية بين الدين والعنف والسياسة‮.‬
‮بمناسبة الحديث عن كتابك‮ (‬اللاهوت العربي‮) فلقد تضمن الكتاب نبوءات كثيرة لما سيحدث من موجات عنف قادمة وهو ما حدث بالفعل؟‮!.‬
‮ الاحداث المؤسفة والمحزنة لم تتوقف لان أسبابها مازالت موجودة وبالتالي هذه الحالة موجودة وبالتالي الافعال المترتبة عليها موجودة خاصة ان المحرك الرئيسي لما نسميه بالعنف الطائفي هو الظلم الاجتماعي العام‮.. وهذا الظلم الاجتماعي العام لا يعبر بعض الناس عنه بشكل رصين أو قويم أو رشيد وانما تحول الامر الي الزاوية العقائدية ونظن ان هذا الانسان يتعرض للاضطهاد لان مذهبه الديني كذا في حين ان هذا الظلم الاجتماعي عام علي كل الناس وقد تجد مثلاً‮ عدة مواقع علي الانترنت وكثيرة الصخب تسمي نفسها‮ (‬جماعة أقباط المهجر‮) مع اننا نعلم أن مسلمي المهجر المصريين أكثر بكثير جداً‮ وهم أيضاً‮ خرجوا من البلاد هاربين من الظلم الاجتماعي وقد تناولت هذه المسألة في مقال نشر لي في جريدة الوفد بعنوان‮ (‬هجرة‮) وقلت فيه ان المشكلة الاكبر ليست في الذين هاجروا ولكن في الذين لايزالون علي هذه الارض ويعيشون علي حلم الهجرة فهؤلاء مهاجرون وهم في الاوطان والمأساة بالنسبة اليهم أفدح من هذا الذي استطاع الفرار‮. وفي النهاية فان الذين فروا والذين يحلمون بالفرار هم في نهاية الامر مسلمون ومسيحيون من كافة المذاهب وبالتالي لا نستطيع أن نقصر الحالة العامة ونجعلها مستنداً‮ لشكاوي تتخذ الطابع الديني‮.‬
الفتنة‮.. قبح متجسد
‮كيف تقرأ الاحداث وانت مثقف واعٍ‮ وقارئ نهم للتراث وقادر علي فك شفرة هذه الفتنة الطائفية؟‮.‬
‮ ما أراه حلقة أخري من القبح متجسداً‮ فقد تجسد القبح كثيراً‮ مرة باسم الاسلام ومرة باسم الارثوذكسية ومرة باسم العقيدة القويمة ومرة باسم اعلاء المذهب الفقهي الفلاني الي آخره وفي كل مرة يطل القبح علينا وقد اتخذ هيئة دينية كاذبة لان الله لا يأمر بالقتل في المعني الاعلي للدين‮.. أي دين نجد دعوة للحياة والحب حتي في الصيغ‮ التوراتية التي هي أكثر الكتب‮ »‬السماوية‮« احتفاء بالعنف والإبادة نجد دائماً‮ دعوة للخير ومن بعد التوراة نجد في التلمود دعوات كثيرة الي الاحس ان للغير والمسيحية مشهورة انها ديانة محبة وأول تجل لها بحسب ما اتفقت عليه الكنائس كان موعظة الجيل التي بدأ بها السيد المسيح بشارته وكان موضوعها المحبة‮. وفي الاسلام أيضاً‮ سواء في القرآن الكريم أو الاحاديث النبوية هناك عدد لا حصر له من الآيات والعبارات الدالة والدافعة للاحسان بمعني أن نعفو عن الشخص الذي أساء الينا كما يحثنا الاسلام علي الحب وانه مرتبط بالايمان ولا يكمل ايمان أحدكم حتي يحب لاخيه ما يحب لنفسه،‮ وغيرها من النصوص‮. ولكن للاسف العبرة هنا ليست بالنصوص المكتوبة ولكن كما قال الإمام علي رضي الله عنه عندما رفع عليه أعداؤه المصاحف خلال مشكلة التحكيم‮: هذا الكتاب لا ينطق وانما ينطق به الرجال‮. وبالتالي لا يحتج ولا يستبدل بنصوص مكتوبة يتم إعلاؤها دائماً‮ بشكل رمزي أو أشخاص محددين كلما حدث أمر نأتي بشيخ الازهر وبطاركة الكنيسة وهذا لا يجدي‮.‬
‮والحل من وجهة نظرك؟
‮ الذي يجدي هو الفهم،‮ أي أن يفهم هذا الشعب بالمعني السياسي أن هذا البلد هو موطنه وانه لا فائدة من المنازعة حول من هو الاكثر مصرية من الآخر هذا خلاف وهمي‮.‬
‮من ضمن الأوهام التي ذكرتها أيضاً‮ في كتابك‮ »‬اللاهوت العربي وأصول العنف الديني‮« ما يردده بعض المثقفين من ضرورة فصل الدين عن الدولة واعتبرته الوهم الاكبر؟
‮ بعض المثقفين والذين يسمون أنفسهم بالعلمانيين يتبنون الموقف العلماني القائل بفصل الدين عن الدولة،‮ وأنا لا أفهم هذا الكلام لأنني لم أجد في التاريخ كله دولة وكياناً‮ سياسياً‮ كان بعيداً‮ عن الدين،‮ وبعيد هنا بمعني أن الكيان السياسي لابد أن يتخذ موقفاً‮ ما من الدين سواء بالقبول أو الاستخدام أو الترويج أو التوجيه أو الرفض والمعاندة مثلما حدث وقام البلاشفة أو الشيوعيون في روسيا فكانوا ينشطون الأعمال الثقافية والمتاحف والبلشوي والفنون ليعوضوا الناس عن الديانتين المكبيرتين اللتين يؤمن بهما الروس والشعوب الناطقة علي امتداد الاتحاد السوفيتي وهذا موقف من الدين أيضا لا نستطيع هنا أن نقول ان الدين والدولة انفصلا بل العكس فالدولة هنا تتعقب الدين ثم عادوا بعد ذلك وصارت مع بداية التسعينيات من القرن الماضي الجمهوريات المستقلة ثم لقيت بالجمهوريات الإسلامية وراحت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تنتعش من جديد لأن الحكومة التي اعقبت الزمن السوفيتي تعاملت مع الدين تعاملاً‮ تعاونياً‮ وليس مطارداً‮ كما كان السابقون عليهم يفعلون ولكن في الحالتين هناك صلة وتفاعل سلباً‮ أو ايجاباً‮ مع الدين‮.‬
ولا يمكن لأي دين من الأديان ان يتم بمعزل عن الجماعة وكل جماعة طالما أطلق عليها هذا الاسم سواء كانت كبيرة أم صغيرة لابد لها من سياسة تدير شئونها ولا يستطيع الدين أن يستقر إلا في جماعة ذات قوات وهذا معناه أن هذه الجماعة ذات سياسة ما‮.. فالدين ليس فعلاً‮ فردياً‮ في المجتمع صحيح أن جوهر الدين هو العلاقة المباشرة بين العبد وربه ولكن الدين يتحول في النهاية إلي مؤسسة لها مساجد وكنائس وأوقاف وبيع وكهنوت وفقه وكلها أنشطة اجتماعية صحيح انها تقترب أو تبتعد عن جوهر الدين بالمعني العام له أي العلاقة بين العبد وربه إلي التدين بمعني الصورة الاجتماعية لهذا الدين أو ذاك،‮ وهنا لابد من التماس التفاعل مع السياسة ولم أر في التاريخ ولا أتصور ذهنياً‮ أن الدين يتطور وينتشر وينمو بعيداً‮ عن الواقع السياسي ولا النظام السياسي يظل يعمل متجاهلاً‮ الدين ولا يتخذ منه موقفا نخرج من هذا كله بالقول إن فصل الدين عن السياسة هو في أحسن تقدير هو قول نظري‮.‬
‮ضرورة الوعي بالتاريخ‮
‮هل نحن شعوب لا تقرأ تاريخها‮.. ولماذا نحن بعيدون عن نبش هذا التاريخ وتفسيره لصالح واقعنا والتنبؤ بما سيحدث في مستقبلنا؟
‮ المسألة لا تتعلق بقراءة التاريخ وإنما الوعي به وكيفية القراءة لهذا التاريخ لأنه حدث‮ غفلة من العقل العام في بلدنا أدت إلي تقديس للتاريخ وظن الناس مع هذا التغيب ان التاريخ في حد ذاته مقدس فاذا تحدثت عن أحد البطاركة السابقين فأنك تتحدثين عن السيد‮ »‬المسيح‮« عليه السلام واذا تحدثت عن احد من الصحابة أو التابعين فإنك بذلك تتحدثين عن النبي‮ »‬محمد صلي الله عليه وسلم‮« وهذا الكلام لا يمكن اجازته لان كل انسان يخطئ ويصيب والتاريخ ليس حالماً‮ لما نتصوره أو كما يتصوره عوام الناس،‮ وبالتالي تم اجهاض قوة الوعي بالتاريخ عن مجموع الناس فكانت النتيجة أن أي رأي يخالف ما يتم الترويج له يصبح رأياً‮ مرفوضاً‮ وبالتالي ينخفض معدل أو نسبة أو حالة الوعي بالتاريخ إلي أدني مستوياتها‮.‬
ومن المعروف أنه لا توجد جماعة مثل المجتمع المصري الا وتاريخها الماضي يؤثر في واقعها لأننا ببساطة شديدة لم نصح من النوم فوجدنا أنفسنا علي هذا الحال‮.. بالطبع لا ولكن هذا الحال تمت صياغته وتطوره من خلال تاريخ طويل واذا لم نفهم ونعي ونضع رؤي وتصورات لهذا التاريخ لن نفهم ما يحدث وبالتالي التاريخ ليس ترفاً‮ ذهنياً‮ أو مجالاً‮ بحثياً‮ أو تخصصاً‮ ما،‮ بل مقدمة أساسية لوعي الإنسان العادي بذاته ولا أظن أن التاريخ لا يجب أن يكون له منظور واحد‮.. بالعكس علينا أن نطرح رؤي متعددة وبقدر ما تتعدد هذه الرؤي وتتفاعل بقدر ما يتعمق وعينا بالحاضر والواقع المعاش‮.‬
‮قبل أن أنهي الحديث لقد كنت ضيفاً‮ كريماً‮ علي صفحات الثقافة بجريدة‮ »‬الوفد‮« لعدة سنوات،‮ من خلال مقالك الشهير يوم الاحد‮ »‬كلمات‮«.. فما الذي أغضبك من الجريدة إلي درجة رفع دعوي قضائية عليها؟
كنت أعتقد دائما أنني‮ »‬صديق‮« لجريدة الوفد،‮ نظراً‮ لأن علاقة طيبة كانت تربط بيني وبين أصدقاء كثيرين يعملون بجريدتكم،‮ ابتداء من الاستاذ جمال بدوي رحمه الله،‮ ومروراً‮ بالأساتذة حازم هاشم وعماد الغزالي وعلاء عريبي‮.. وآخرين،‮ ولذلك لم أتأخر في الكتابة للصفحة الثقافية حين تولاها عماد الغزالي كنوع من المؤازرة له،‮ في وقت كنا نشكو من ان الأحزاب والجرائد الحزبية ليست لها اهتمامات ثقافية‮.. ومن هنا ظللت أكتب مقال‮ »‬كلمات‮« لفترة طويلة،‮ من دون مقابل مادي،‮ تقديراً‮ مني للجريدة وللأصدقاء الذين يعملون بها‮.‬
ثم فوجئت الشهر الماضي بأحد الصحفيين يشن هجوماً‮ كاسحاً‮ علي مكتبة الاسكندرية،‮ مستهدفاً‮ د‮. إسماعيل سراج الدين ومطالبا بإقالته‮! فإذا به يسوق اتهامات مجانية،‮ منها أن د‮. إسماعيل سراج الدين قام بتعييني في المكتبة مع أنني‮ غير مؤهل لوظيفة مدير المخطوطات،‮ وكأن هناك فساداً‮ في الأمر وحين رأيت هذا الكلام منشوراً‮ في الجريدة الورقية،‮ وموقعها الالكتروني،‮ بادرت من فوري بكتابة تعليق موجز علي الصفحة الإلكترونية،‮ تلافياً‮ لتضليل القراء بما نشرته الجريدة وأوضحت أنني اعمل في مكتبة الإسكندرية منذ العام‮ 1994‮ أي قبل مجيء إسماعيل سراج الدين بثماني سنوات،‮ وقد قامت بتعييني في المكتبة لجنة دولية لم يكن د‮. إسماعيل سراج الدين عضواً‮ فيها‮.. ولم أشأ مسايرة حالة الغضب،‮ فأزيد في التعليق أنه إذا لم أكن مؤهلاً‮ لوظيفتي في مكتبة الاسكندرية التي افنيت شبابي في إنشائها وإضفاء الرونق التراثي عليها،‮ فلا يوجد في العالم شخص مؤهل لذلك‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.