تمضي الشهور علي مصر في ظل سلطة سياسية تبوأها التيار الإسلامي بزعامة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي «الحرية والعدالة» ورئاسة الجمهورية التي آلت إلي قطب الإخوان د.محمد مرسي فتشهد مصر أزمات من صنع هذا النظام الحالي أشبه بعروض «المسرح التجريبي» الذي ظل ينعقد في مصر لعدة سنوات قبل وقوع ثورة يناير 2011!، و«المسرح التجريبي» كما يعرفه العالم كله عبارة عن إبداع تجريبي لا يلتزم في تأليفه وإخراجه وتمثيله بالقواعد التي يلتزم بها المسرح الكلاسيكي ومن إبداعات المسرح التجريبي كما نعرف نشوء ما سمي بمسرح العبث وأعمال مبدعيه الأوروبيين مثل صمويل بكيت وغيره وتأتي في هذا المسرح العبثي غرائب مما يجافي أي منطق عقلي كانتظار اثنين لشخص لا يأتي فلا يملان الانتظار إلي نهاية المسرحية! وما إلي ذلك مما يندرج في الأحداث والحوار تحت التصنيف العبثي وتتعدد- كما في المسرح التجريبي- أزمات النظام الحالي التي لا يتضح أي هدف منها سوي إطلاق «بالونة اختبار» مفاجئة قد تمر أضرارها علي الناس وقد لا تمر! أو تأخذ وقتاً ليس بالطويل لكي تحاط الناس علماً بالأضرار التي تنشأ عن التطبيق العملي لمحتوي «بالونة الاختبار» ولست أجد في هذا الشق الذي أصبح النظام السياسي يدمنه في اختلاق الأزمات ضمن «عروضه التجريبية» المستمرة أصدق من العرض المسرحي التجريبي الذي بدأه النظام تحت عنوان «تطهير القضاء»! فقد بدأ النظام السياسي عرضه هذا بإطلاق شعار «تطهير القضاء»!، ثم بادرت بحافل جماهير جماعة الإخوان المسلمين ومن معها بالانطلاق إلي الشوارع في مظاهرات لم تكن سلمية كما ادعت الجماعة! بل تحولت إلي تراشق بالسلاح والحجارة وزجاجات المولوتوف والاعتداء علي الخصوم السياسيين ومحاصرة دار القضاء العالي بالشعارات الساخرة من القضاء والداعية إلي تطهيره! وكان من الطبيعي أن ينقض القضاة بالرفض العارم للإهانة التي انطوي عليها «تطهير القضاء»! وكذا الرفض القاطع لما أعلنت الحكومة العزم عليه بالتقدم إلي مجلس الشوري الذي يشرع القوانين مؤقتا قبل انتخابات مجلس النواب- بتعديلات في قانون السلطة القضائية لا تؤدي في حالة إقرارها لغير «العبث» بالقضاء والقضاة! وراحت الأزمة تشتعل بين النظام «التجريبي المسرحي» والقضاة لا تخمد لها نار!. هنا.. أدرك النظام السياسي انه لن يأكل وجبة الأزمة باردة كما تصور «خياله التجريبي»! فبادر- كما أعلن مؤخراً- رئيس الجمهورية إلي عقد لقاء عاجل مع مجلس القضاء الأعلي في محاولة لتلافي صدام مروع بين السلطتين: التنفيذية والتشريعية من جانب والقضاء والقضاة من جانب آخر! وخرج بعد الاجتماع تصريح للمستشار أحمد سليمان مساعد وزير العدل- الذي قدم استقالته- للشئون القضائية ورئيس نادي قضاة المنيا الذي أفاد في تصريحه بأن مشروع قانون السلطة القضائية المعروض حالياً علي مجلس الشوري قد تم سحبه! وأضاف مساعد وزير العدل ان قانون السلطة القضائية لن يصدر إلا بعد اطلاع القضاة ومجلس القضاء الأعلي عليه ويأتي هذا وسط اشتعال نوادي القضاة العامة وفي الأقاليم والتي هدد القضاة فيها باتخاذ اجراءات تصعيدية لمواجهة القانون الموصوف بالمذبحة في استعادة لذكري كريهة لا يمحوها التقادم التاريخي علي مذبحة القضاء عام 1968! وكل الشواهد تشير إلي أن نظام التجريب السياسي العبثي قد انتهي إلي المخرج الوحيد من أزمته مع القضاء والقضاة بأن يختار الهزيمة راغماً ووقف عرضه التجريبي!.