في حين أن الذين طالبوا باستقلال الجامعات وضرورة التخلص من سيطرة مباحث أمن الدولة علي شئون الجامعات بمسمي «الحرس الجامعي» قد أخذوا مطلبهم بجدية بالغة في عز سطوة مباحث أمن الدولة في الجامعات قبل الثورة التي اندلعت في 25 يناير 2011، فإن المطلب الذي تحقق بعد الثورة باختفاء مباحث أمن الدولة من الجامعات ورحيل أفرادها عنها، وكان هذا الخروج لمباحث أمن الدولة بمقتضي أحكام قضائية نهائية قضت بهذا الخروج، وعندما أشير إلي الجدية البالغة التي شهدت نضالاً واستبسالاً من جانب أساتذة جامعيين أخذوا علي عاتقهم إقامة الدعاوي القضائية المطالبة بذلك، وقادت جماعة «استقلال الجامعات» بزعامة أستاذ الطب الشهير محمد أبو الغار الإلحاح علي المطلب بالندوات والمؤتمرات الجامعية، والكتابة في الصحف والأحاديث التليفزيونية، وكان من المدهش أن «تستأنف» وزارتا التعليم العالي والداخلية كل حكم يصدر لصالح المطالبين بخروج مباحث أمن الدولة من الجامعات!، وإطالة أمد التفاوض كلما أمكن للأجهزة القانونية بالوزارتين!، كما أشهر رؤساء الجامعات الذين كانوا يعينون في مناصبهم بناء علي انتقاء أجهزة الأمن لهم سلاح الحرص علي الجامعات ومبانيها وتجهيزاتها التي لا يمكن حمايتها بغير «الحرس الجامعي» الذي هو في حقيقته «مباحث أمن الدولة»!، كذلك كانت هذه تعلة عمداء الكليات الذين كان يتم اختيارهم لتعيينهم في مناصبهم بذات الطريقة!، ولكن دعاة تيار استقلال الجامعات وتخليصها من تحكم مباحث أمن الدولة في كافة شئونها ركزوا علي فساد العملية التعليمية في الجامعات نتيجة تحكم المباحث!، التي لم تكن تتولي «إجازة» الوجوه والأسماء التي تراها «متعاونة» في تسهيل أعمال مباحث أمن الدولة!، ولم تكن تدخلات المباحث في هذا الشأن فقط!، بل كان تدخلها في صلب عملية ترشيحات وانتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات!، فقد كان جواز المرور للترشح والوصول إلي مراكز قيادة الاتحادات يرتبط بإجازة الأمن أولاً للمتقدمين للترشح واستبعاد الطلاب الذين عرفوا بانتماءات سياسية للاحزاب والقوي السياسية وخاصة التيار الاسلامي، فلما تحقق خروج الحرس الجامعي ومباحثه من الجامعات بعد ثورة يناير، وأصبحت مناصب القيادات الجامعية بالانتخاب، كان علي الجامعات أن تضع في اعتبارها أن مسئولية أمن الجامعات بأبنيتها وتجهيزاتها وسير العملية التعليمية فيها قد أصبحت مسئولية خالصة لها، فما الذي حدث بعد ذلك! لقد أشرت في بداية المقال إلي الجدية البالغة التي أخذ بها دعاة استقلال الجامعات وضرورة خروج الحرس منها مطلبهم ورعايته من مختلف المحاكم ودرجات التقاضي، والآن أجد لزاما علي وبعد عامين من تحقق المطلب أن أقرر بذمة خالصة لوجه الله أن الجامعات لم تأخذ مسئوليتها عن أمنها بالجدية الواجبة!، بل اقتصرت علي وجود نفر من موظفي الأمن لا يتسني لهم كفالة الحماية المحترفة للأبنية والقيادات والطلاب!، وكنت أتصور لأمن الجامعات أن يكون هناك «تعاون» بين الجامعات ووزارة الداخلية في تدريب موظفي الأمن بالجامعات تدريبا أمنياً يقتصر علي هذا «الشق الفني» لعملية الأمن، ويبتعد تماماً عن تدخل أجهزة الداخلية في الشئون التعليمية وقيادات الجامعات وغير ذلك مما كان علي عهد مباحث أمن الدولة في الجامعات سابقاً، ومع أن هذا التعاون بين الداخلية والجامعات لم يتحقق منه شيء حتي الآن، فإنني كنت أتصور أن تلجأ الجامعات إلي شركات الحماية والحراسة الخاصة التي شاع وجودها وانتشرت في البلاد بعد كارثة الانفلات الامني، ولكن شيئاً من هذا أو ذاك لم يحدث حتي الآن!، والنتائج نراها مؤسفة تتطور إلي حد أن تصبح جامعة عين شمس رهينة في أيدي البلطجية حتي علقت الجامعة الدراسة لأجل غير مسمي!، وكذا ما يجري في جامعات أخري من المنصورة إلي جامعات خاصة!، مما يأسف له أي غيور علي جامعاتنا القيادات قبل الطلاب!.