غاز الفوسفين محظور دولياً والحبة القاتلة تطلقه لتبخير الحبوب خبراء: معظم الدول منعت تداولها.. ومطالب ببيعها فى الجمعيات الزراعية «حبة الغلة» قنبلة سامة يستيقظ مجتمعنا من وقت لآخر على دوى انفجارها مخلفة وراءها أحد الشباب الذين يستخدمونها للتخلص من حياتهم، فبسببها راح العديد من الشباب، وآخرهم فتاة المنصورة رنا ذات الاثنين والعشرين عاماً، التى تخلصت من حياتها باستخدام تلك الحبة السامة قبل تخرجها بيومين فقط بسبب خلافات أسرية، وخلال الأشهر القليلة الماضية تعددت حوادث الانتحار باستخدام حبة الغلة التى تستخدم لتخزين الحبوب وحمايتها من التلف فى معظم محافظات مصر، ولذلك طالب الخبراء بضرورة وضع ضوابط لتداول هذه الحبة القاتلة فى الأسواق حتى لا تتسبب فى مقتل المزيد من شبابنا. هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، بل سبقه العديد من حالات الانتحار التى كانت حبة الغلة السامة هى بطلتها أيضاً وأشهرها واقعة انتحار الطالبة «بسنت» التى فارقت الحياة بسبب الابتزاز الإلكترونى، وبعدها فجعت مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة على انتحار شاب على الهواء مباشرة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» نتيجة خلافات عائلية أيضاً. وبعد تكرار حوادث الانتحار بسبب هذه الحبة السامة تعالت الأصوات مطالبة بضرورة وضع قيود على تداولها ومنع انتشارها حتى لا تكون فى متناول يد أى شاب يستخدمها فى لحظة يأس. يذكر أن هذه الحبة مسجلة لدى وزارة الزراعة كمبيد حشرى، وتدخل مصر بشكل رسمى، ولا توجد أى محاذير على تداولها، ويكتب عليها عبارة «خطر شديدة السمية» وتباع بشكل طبيعى فى الأوساط الزراعية.. وفى هذا السياق أكد الدكتور خليل المالكى، أستاذ النباتات ومكافحة الآفات بمركز البحوث الزراعية، أن حبة الغلة القاتلة تستخدم منذ سنوات طويلة فى مكافحة آفات الحبوب التى يتم تخزينها داخل الصوامع والمخازن أو المنازل الريفية بالقرى خاصة سوسة القمح أو سوسة النخيل الحمراء، واسمها العلمى (فوسفيد الألومنيوم ) وتحمل العديد من الأسماء التجارية. وأضاف « المالكى» أن المزارعين يستخدمون عملية «التبخير» عبر أقراص الغلة أثناء تخزين القمح والحبوب عامة عقب موسم الحصاد لمواجهة الحشرات والآفات الضارة، وحماية المحصول من التسوس، مشيراً إلى أن قرص الغلة ينتمى إلى نوع «المبيدات الغازية» التى يخرج منها غاز نتيجة تفاعلها مع عوامل الجو ويتخلل هذا الغاز الشون للقضاء على الآفات الحشرية، ولهذا فهى تستخدم فى الصوامع ومخازن صغار الفلاحين، أما الصوامع والمخازن الكبرى فتستخدم طرقاً أخرى أكثر حداثة ولكنها مكلفة. وأوضح الأستاذ بمركز البحوث الزراعية، أنها أرخص الأنواع انتشاراً لدى معظم الفلاحين وتنتشر فى مناطق الدلتا بكثرة، ومتوافرة لدى بعض العطارين ومتداولة بشكل كبير، لذلك فهى متاحة للجميع، وأصبحت من أسهل وسائل الانتحار لدى بعض الشباب والبنات، وتكررت مثل هذه الحوادث فى الفترة الأخيرة، ولذلك يطالب الدكتور المالكى بضرورة بيع هذه الحبوب بفاتورة بيع باسم المزارع أو ببطاقة بيانات أرضه الزراعية. ضوابط صارمة وأكد محمد قنديل، أستاذ المبيدات بجامعة القاهرة، أن حبة الغلة تعد من الكيماويات شديدة السمية وهى أشد أنواع السموم انتشاراً وخطورة، ولذلك وضعتها منظمة الصحة العالمية فى المنطقة الحمراء كأكثر الحبوب السامة تداولاً، لأنه بمجرد ابتلاع الحبة أو القرص سرعان ما يحدث التسمم السريع لأن مجرد ملامسة فوسفيد الألومنيوم للمعدة والرطوبة الزائدة ينبعث منه غاز شديد السمية، هو غاز الفوسفين القاتل الذى يصيب الجهاز الهضمى، ولذلك تداولها وانتشارها يجب أن يخضع لضوابط صارمة، ولابد أن يتم بيعها من خلال الجمعيات الزراعية وتشكيلات وزارة الزراعة للإشراف على تداولها لأنها تباع بشكل عشوائى، وخاصة فى المناطق الريفية، ومن الممكن أن يتداولها الأطفال وهم لا يعلمون أنها حبة سامة وهو ما حدث قبل ذلك مراراً. وأضاف أستاذ المبيدات أن هناك طرقاً وحلولاً لتقليل خطر استخدام حبة الغلة القاتلة فى غير أغراض تخزين الحبوب، أولها ألا يتم بيعها إلا بعد تدوين اسم المشترى ورقمه القومى، واستخدامها يكون تحت عهدة المزارع أو الفلاح ولا تصرف إلا للمزارعيين فقط ويمنع تداولها فى الأسواق، مع فرض رقابة مشددة من وزارة الزراعة على المحلات التجارية التى تبيع مثل هذا النوع من الأقراص، بالإضافة إلى التوعية بخطورتها وخطورة استخدامها فى غير الأغراض المخصصة لها وإبعادها عن الأطفال والمراهقين. إسعافات أولية ويوضح الدكتور نبيل عبدالمقصود، أستاذ علاج السموم بكلية طب القصر العينى، أن الإسعافات الأولية للمساعدة فى إنقاذ حالات التسمم بحبة الغلة القاتلة غير مجدية، موضحاً أنه فى الدقائق الأولى لحدوث التسمم لابد من نقل المريض إلى المستشفى، ومنعه من تناول الماء بشكل نهائى، لأن الماء يساعد على انتشار غاز الفوسفين فى الجسم، مشيراً إلى أن البعض يعتقد أن تقديم الماء بالملح للمنتحر سينقذ حياته إلا أنه خطر فى هذه الحالة ويزيد من فرص عدم الإنقاذ، وأكد الدكتور عبدالمقصود ضرورة نقل المصاب فوراً إلى أقرب مستشفى وطمأنته حتى لا تتأثر حالته بسبب الخوف والهلع أما عن الإسعافات التى يمكن إجراؤها للمصاب بتناول الحبة السامة، فقال أستاذ علاج السموم إنه يجب تناول زيت البرافين أو زيت جوز الهند أو أى زيت نباتى (طهي) لتقليل انتشار الغاز بالجسم وحماية المعدة لحين التوجه إلى المستشفى، موضحاً أن الزيت يغلف الحبة ويثبط أو يمنع تحرر غاز الفوسفين السام بالحفاظ على الرابطة بين الألومنيوم والفوسفيد فيقلل من مضاعفات تلك الحبوب. وفى هذا الصدد، حذر النائب عاطف مغاورى، عضو مجلس النواب، من انتشار ظاهرة الانتحار باستخدام حبة الغلة السامة نتيجة لسهولة الحصول عليها، موضحاً أن من يتناولها يكون مصيره الموت المحتم، مشيراً إلى أن استخدامها منتشراً بين الفئات العمرية للشباب ما يهدد حياة أبنائنا. وشدد النائب البرلمانى فى بيان له على ضرورة وضع ضوابط وقواعد لتنظيم تداول المواد الحافظة للغلال أو حبة الغلة، موضحاً أنه يصعب اتخاذ أى إجراء طبى لإنقاذ متعاطى هذه الحبوب، ويكون مصير من يتناولها الموت، وطالب بوضع ضوابط تحدد آليات تداول تلك الحبة، مضيفاً أن هناك دولاً حظرت تداولها تماماً، خاصة أن هذه الحبة تطلق غاز الفوسفين شديد السمية، وهو غاز لا يوجد علاج مضاد له، و500 مجم منه كفيلة بقتل إنسان.