يا صابر الصبر الجميل الله معك... ما أروعك يا شعبنا وما أشجعك جرحك فلسطين يوْجَعك تزداد وجود... وتحول الأحزان بارود فى مصنعك راجعين بقوة السلاح... راجعين فى بحر من الدما... راجعين كما رجع الصباح من بعد ليله معتمة... راجعين سيول.. من الصحارى للسهول زى الرسول يا شعب نازل بنفعك.. الله معك.. الله معك.. الله معك.. «صلاح جاهين». أشرق الصباح على غزة ولكنه ليس ككل صباح سرت الهدنة فى أوصالها المحترقة بنار الفقد على عشرات الأحباب الشهداء والمصابين من الأمهات والأبناء وفرش الحزن أجنحته فى المآقى والتحفت الأرواح بالنحيب وشخصت الأبصار غارقة فى ركام الأحلام التى هوى بها طيران المحتل الإسرائيلى الغاصب تحت الركام. اكتست شوارع قطاع غزة بمواكب الجنازات وفتحت ما تبقى من البيوت أبوابها للعزاء، ما أقسى الحياة وما أشد الموت يتصارعان يفتكان بالقلوب..ألعاب الأطفال المضرجة بالدم وثيابهم الملطخة ووجوههم الحمراء وشعرهم المشعث.. هلعهم وصراخهم فزعاً ورعباً.. يتقافزون بين الأنقاض ينبشونها ليخرجوا أحلامهم ولكن هيهات فلقد دمرها الاحتلال. إنها الحرب تطاردك رغماً عنك حتى وأنت هنا تسربلها، فآثار العدوان تطعنك رغم المسافات. خليل يما يا رتنى أنا يما انتزاع الروح بلا رحمة..هذا حال السيدة «نجوى» أم لشاب وحيد هو خليل حمادة، وهى تودعه الوداع الأخير بعد أن عانت «الأمرين» من أجل إنجابه بعمليات زراعة متكررة، عاش معها 19 عاماً تخطط لحياته ومستقبله كما لو كانت ستموت قبله، لكن طائرة محتلة غادرة انطلقت لتمزق روحها «إلى هنا ويكفى إلى هنا تنتهى آمال أمك». حقاً لا يقص الناجون من الموت حكايتهم بالكلمات، إنهم يبكون فقط. فقط البكاء وما أشده حينما يكون سيلاً هادراً يشق الجوارح ويغرس فيها ندوبه بلا هوادة فقط نحضتن رائحة الأحباب فى أغراضهم. عبير حرب النصيب والقسمة من المسمى والحياة على ركام منزل حبيبها تجلس «عبير» تحدق فى الركام وتلال الرمال لتلملم حكايا خطيبها الحبيب من ذاكرة الفؤاد يحتضنها والدها الدكتور عمر محمد حرب مواسياً فى محاولة يائسة لمنع شلال أحزانه من الانفجار كأنه قدر أن يكون الاسم هو مواجهة الحرب ومحاولة الحياة. تهرع لهاتفها تفتح تحتضن بروحها صورة الحبيب الشهيد «إسماعيل الدويك» حبيبان كانا ينتظران الزفاف. فهما مخطوبان منذ شهر ونصف الشهر. كانت عبير وأبوها على موعد على الغداء بمنزل العريس لكنه القدر لم تذهب عبير ووالدها ليزف «الدويك» شهيداً بقصف الاحتلال الإسرائيلى لمنزله فى مخيم الشعوت برفح جنوبغزة وبقيت عبير وحيدة فريسة للذكريات والأحزان. دنيانا العمور فراشتنا الحلوة تلون الجنة كانت عائلة عدنان العمور قد انتهت للتو من تناول الغداء وشرعت بتناول الشاى ومع أذان العصر انسحبت «دنيانا» من الجلسة العائلية لتدلف لغرفتها لتصلى فرضها.. جرى خلفها بعض إخوتها فنهرتهم ليخرجوا وهى التى لم تفعل ذلك طيلة عمرها القصير، فالجميع يحب ونستها وكيف لا وهى طالبة كلية الفنون بجامعة الأقصى الفراشة الفنانة الملهمة الحالمة بعالم يلونه الحب والسلام. وتترجم كل هذا عبر لوحاتها وكتاباتها. ارتدت «دنيانا» «إسدال الصلاة»، وفردت «المصلية» التى تُحب ورفعت يديها تُكبّر. دقائق مرّت كالحلم قبل أن تخترق جدران الغرفة قذيفة، ثم يتبعها وابل من رصاص الغدر لترتقى لرحاب السماوات فراشة تلون الجنة بالضحكات وسط ذهول وصدمة أهلها وأحبابها. ناعمة وحنين أبوقايدة زفاف الجدة والحفيدة للجنة كانت الفرحة تعم الجميع لزفاف أحد أفراد العائلة ومع تصاعد الأحداث تم الاتفاق على إتمام الزواج بلا فرح لكنه القدر يسجل فى مرمى القلوب خناجره ارتقت الجدة «ناعمة أبوقايدة» منذ بدء العدوان وأصيبت حفيدتها الطفلة «حنين» إصابة بالغة لترتقى وتزف شهيدة للجنة فى اليوم الرابع من الحرب ومكياج العُرس على وجهها. فلقد رافقت الصغيرة جدتها الشهيدة أم وليد «ناعمة أبوقايدة» لمنزل عروس عمها وها هى ترافقها لتحتضنها فى الجنة، فقد أسقط الاحتلال الإسرائيلى صاروخاً عليهم، ليغتال فرحة الجميع.