"أنا ضعيف أمام النساء وأحب النظر إليهن .. ماذا أفعل ؟ " , " النساء فى كل مكان من حولى ولا أستطيع غض بصري .. هل يجوز لى ذلك لعموم البلوى؟"، " معظم النساء كاسيات عاريات، ومعظم الرجال ينظرون فلماذا أغض أنا ؟!" , " مشكلتى هى حب النظر للنساء رغم أنى متزوج وقد نصحنى البعض بكثرة الصوم ولكننى أنظر وأنا صائم أيضاً ! ماذا أفعل ؟!" " زوجى ملتزم، ومتدين ولكنه لا يغض بصره عن مفاتن النساء فى الشارع، أو أماكن العمل حتى أنه جرحنى يوماً أثناء علاقتنا الخاصة وقال لى إنه يتشوق للقائي ليلاً نظرا لما يتعرض له من كثرة النظر طوال اليوم للنساء .. ومن يومها وأنا لا أحب علاقتى معه ولا أصدق كلامه عن حبه لى .. ماذا أفعل؟" "زوجى يحكى لى عن مفاتن النساء وملابسهن وأشكال ماكياجهن وسحر عطورهن فأغضب منه لأنه لا يغض بصره عنهن ولكنه يعاتبنى وينهرنى قائلا : اتق الله أنا رجل متدين .. ولا أفعل شيئاً، ولكن هل التدين مجرد "كلام" يناقض الفعل هكذا ؟!"، " زينة زوجتى لا تعجبنى فهى لا تتزين لى مثل النساء اللاتى أراهن فى العمل والشارع ولا أستطيع غض بصري عنهن .. ماذا أفعل ؟". هذه كلها وغيرها أسئلة نطالعها جميعاً فى أبواب الفتوى والاستشارات بالمواقع الإسلامية وفى برامج الفتاوى بالفضائيات .. ترد إلى المفتين والمستشارين من النساء، والرجال، والشباب حول فتنة النساء .. وعدم القدرة على غض البصر. ويتفضل السادة العلماء والشيوخ بالرد عليهم جميعاً بسرد الآيات والأحاديث التى تحث على غض البصر، واجتناب المحرمات , ويزيدون فى الجرعة الإيمانية للسائل بتذكيره أن الأمر ليس سهلا فالنظر بريد الزنا والعين تزنى وزناها النظر .. إلخ ما نعرفه جميعا من خلال قراءاتنا لتلك الردود وبالطبع هناك رد على " ماذا أفعل " بسلسلة من النصائح التى منها الصوم أو التعجيل بالزواج إن لم يكن متزوجاً وتقوى الله إن كان متزوجاً. فهل ارتدع محبو النظر عن النظر ؟! الإجابة هى أن أغلبهم هم هم كما هم، بل وربما يتفاقم الأمر ويتوسعون فى استباحة النظر, خاصة مع عرى الصيف مثلاً، وليس مرد الأمر فى عدم الإقلاع هو أن المفتين والمستشارين قد قصروا فى إجاباتهم ولكن ربما لأن هناك أبعاداً أخرى كثيرة غائبة فى الموضوع برمته, ويظهر الأمر وكأنه لغز محير.." كيف إننى متدين ولا أغض البصر ولا أستطيع أن أمتنع أو أتوقف"؟! وفى الحقيقة أن كلمة " لا أستطيع هذه " مغلوطة وهى بيت القصيد لأن الأمرإرادى .. غض البصر بإرادتك وعدم غضه بإرادتك أيضا! وما يحدث هو أن من لا يستطيع هذا قد برمج نفسه على الأمر فأصبح عادة, السر كله إذاً فى البرمجة .. نعم . وكل من يقوم ببرمجة نفسه على شئ بشكل سلبي أو ايجابى يمر باختصار بالخطوات التالية : - تكرار لسلوك أو اعتقاد أو قيمة . - تصدر بشكل تلقائي . - يقوى باستمرار كلما تكرر. - يحرص على هذا البرنامج ويخلق فى نفسه هوى ورغبة فى الاستمرار فيه . وتتركز هذه البرامج فى العقل الباطن – يحوى 150 مليار خلية برمجة - بعد أن يمليها عليه العقل الواعى ولاحظ هنا .." العقل " إذا من يحب النظر "عاقل" غير مسلوب العقل فضلا عن الإرادة أى انه لا عذر له بحال ! ولكن كيف تتم البرمجة بالنسبة لمن لا يغض بصره ؟ تتم برمجة " العين " على الفعل وتكراره, إلى أن يصبح الأمر عادة تتم بشكل عفوى وتلقائي بمجرد توافر المثير الحسي، ويتكرر الفعل " النظر " حتى يقوى فى نفس الفاعل، ويتعلق به قلبه، ثم يسعى إليه، وإلى تكراره، وبمجرد دخول " الهوى " فأنت بذلك تكون قد ضمنت استمرارية البرمجة وبنجاح، وتفضل بقبول خالص التهانى من الشيطان بالطبع، فقد فزت بالنظر وحرمت ال" البصيرة "، وهذا ما يحدث على المستوى الإيمانى. الطريقة ذاتها ولكن بشكل عكسي تتم مع من " أراد" - وضع تحت أراد هذه عشرة خطوط - أن يبرمج نفسه على غض البصر , وهكذا الأمر مع كل شئ فى الحياة " إرادة ". وصدق الحبيب الصادق " إنما العلم بالتعلم, والحلم بالتحلم" .، فكل شئ يمكنك برمجته إذاً, كل سلوك، وكل خلق يمكنك الإقلاع عن السيئ منه، والتحلى بالإيجابي منه أيضاً. والإنسان فى ذلك مخير بين أن يبرمج عقله ب " برامج السعادة " أو " برامج التعاسة "، أما برامج السعادة فهى تلك التى تحمل قيمة أو سلوكاً أو فكراً واعتقاداً إيجابياً، وهى بعكس برامج التعاسة التى تحوى قيمة أو سلوكاً أو فكراً واعتقاداً سلبياً . وإذا ما تأملنا سلوك " حب النظر للنساء " أو بعبارة أخرى " عدم غض البصر " لتبين لنا أنها برمجة سلبية تؤدى إلى تعاسة صاحبها فى الحقيقة برغم ما يبدو له ظاهراً من تحصيل متعة ما أو لذة ما من النظر, فزائغ العينين يتقلب بين المناظر لا يبرحها، ولا يشبع منها كمن يشرب من الماء المالح، لا يزيده الشرب إلا عطشاً، ثم حسرة لفوات عمره ، ووقته، وذهاب عقله، هذا فضلا عن تراجع البصيرة عن قلبه وبعده عن ربه وثوابه وجنته ورضاه، وفى النهاية يعود صفر اليدين، والقلب، والعقل بسبب نظرة لم يستطع أن يطول بعدها شيئاً مما رآه واشتهاه , أو نظرة أفلحت فى توريطه بعمق فى الحرام فخسر دينه ودنياه، إذاً عدم غض البصر برنامج ناجح ومؤكد للتعاسة، دنيا ودين .