الزفاف الدامي.. واحدة من أشهر مسرحيات الشاعر الأسباني الشهير فدريكو غارسيا لوركا.. ترجمها الدكتور عبدالرحمن بدوي ضمن أربع مسرحيات أخري، والدكتور بدوي أحد فلاسفة مصر المعاصرين وأعتقد أنه آن الأوان لإعادة تعريف الأجيال به بعد رحيله، بأحد عشر عاما ولعله وجد رؤية فلسفية في «الزفاف الدامي» أغراه لترجمتها علي أن لوركا لايزال شديد الشبابية مهما استبدت به الأيام والتطور لا تراه إلا نابضا بالحياة، وكأنه يعيش بيننا ويعايش أحلامنا وأحزاننا برغم رحيله منذ 77 عاما.. أما الجهد الذي بذله الشاعر المصري الصادق درويش الأسيوطي، فهو عمل مخلص حين حول المسرحية الفصحي الجامدة إلي فرجة مصرية شعبية بسيطة عميقة تحتل الحائط الرئيسي في جدارية عمل مسرحي ملهم، أحسبه من أهم ما يقدم هذه الأيام.. فإذا تزاوج هذا النص بأشعار ياسين الضوي الموحية وهو صاحب التجارب المسرحية الغنائية الناجحة والضاربة في عمق الأرض المصرية نجد هذا العمل المسرحي ينطق بروح مصر الأصيلة بتقاليد ورؤي إنسانية ومفردات تراثية شعبية. الدكتورة عبير منصور الأكاديمية تقدم ببراعة دور الأم وترصد شخصية مصر من خلال شخصية سيدة تضحي وترث من طين الأرض إلهامات ما تقدمه علي مدي الأجيال، أداء عبير منصور خاص بها لا تقلد أحدا.. وأتمني أن تترك بصمتها الواضحة حين تفرغ من وقتها زمنا طويلا للمسرح والدراما وهي تحتاج دائما الي عطاءات جادة، المبدع الشاب محمد حسن يقدم دور الغالي بتلقائية وبساطة تقنعنا وتصل بنا الي عمق الدور، أحمد عزت يقدر دور دياب الحائر بين امرأتين أو حبين ويرقب من خلال دوره ما يدور في أنحاء الساحة أمامه، الفنانة مصرية تؤدي دور عروس بتفهم للعقدة التي تعيشها وتقدم سحر عبدالوهاب رؤية مميزة للشخصية الصعيدية بمختلف أدائها ودورها، إيهاب عز العرب يقدم دور الأب ببراعة. كذلك أجاد الفنانون إبراهيم جمال ووفاء زكريا وزيزي عمارة وسوزي مدحت وأيمن القباني ووحيد البدري في تقديم أدوارهم. موسيقي وألحان علاء غنيم شديدة الإيحاء وعميقة وقد أكملت الرؤية الدرامية. تصميم الرقصات لسيد البنهاوي موحية ومناسبة للإيقاع الصعيدي، الفنان نور السمان أجاد في تدريب الراقصين فخرجت الاستعراضات ناضجة. ديكور الفنان ناصر عبدالحافظ مبدع وأما الفنان المخضرم مجدي ونس فقد عاد إلينا في هذا العمل مصمما للعرائس والماسكات محملا بخبرة سنوات مع المسرح الجاد.. هو أحد أهم فناني العرائس والماسكات ويرصد هنا بوعيه هذا العالم الصعيدي الأسير. أما المخرج عادل بركات وهو أيضا صاحب الدراما تدرج في إعداد النص فقد قدم لنا في هذه المسرحية فرحة شعبية واقعية مدهشة لم أر مثلها منذ سنوات هو فنان ناضج يفهم النص ويتعايش معه بدقة ليخرج لنا بكامل خبرته هذا العمل الحي الذي أتمني أن يتجول في أقاليم مصر ليتعلم منه الأجيال الكثير من القيم والتقاليد.