لم يكن من عادتي في الماضي تكييل المديح للرؤساء والثناء عليهم، لأنهم لم يقدموا ما يستحقون عليه من مديح، ولكن عندما بدأت بارقة أمل في هذا العهد الجديد وأصبح المسئول بشراً ولم يعد فرعونا فإني أكتب هذه الكلمات أريد بها وجه الله ومصلحة الوطن أولاً وأخيراً. فالملاحظ أن مصر بعد ثورتها المبشرة بالخير، لم يعد الكثير من أهلها يفرق بين الفوضي والثورة فكثرت التظاهرات الفئوية وغير الفئوية سواء عن حق أو بدون، وشهد رصيف مجلس الوزراء وشارعه وغيره من الميادين في مصر هذه التظاهرات والاعتصامات التي لم تشاهد في كثرة عددها طوال الثلاثين عاما الماضية، وكأن القابعين في مجلس الوزراء هذه الأيام هم السبب في مشاكل مصر المزمنة والمتراكمة، ويبدو أن هواء الحرية الذي هب علي شعب مصر بعد أن فتحت كل النوافذ المغلقة منذ ثلاثين عاما قد أصابت المصريين بنوع من الدوخة، وإذا أردنا عمل مسح اجتماعي لهذه التظاهرات والاعتصامات نجد أن معظمها يحتاج الي الدعم المادي، وأظن أن هذا الدعم المادي لابد له من وضع سياسة مالية حكيمة حتي يمكن تدبيره في الميزانية المصرية التي خربها حكم الفرد وأعوانه الخونة، وأظن أن هؤلاء المتظاهرين والمعتصمين ينطبق عليهم المثل القائل: »يضرب الأرض تخرج لنا بطيخ« إن هذا الموضوع يحتاج الي الصبر والتروي، حتي لا نتسرع في حل مشكلة، فنجد مأساة أكبر منها، والقول المأثور يقول: »في العجلة الندامة وفي التأني السلامة« والذي زاد الطين بلة، أن الذي يريد تغيير مدير أو رئيس قسم أورئيس جامعة أو عميد كلية.. إلخ طلب أن تتحقق رغبتهم في التو والحال ويجهل ارتباط هذا المطلب بكثير من الأمور الإدارية التي قد تسبب خللاً كبيراً في تسيير أمور هذه الإدارة أو الجامعة أو الكلية، المطلوب من كل المصريين الآن أن يكونوا علي قدر المسئولية، وينسوا مطالبهم الشخصية لبعض الوقت، من أجل رفعة مصر والحفاظ علي أمنها وسلامتها، ويدركوا أن رئيس الوزراء يقوم بمهمة وطنية تحمله جهداً فوق طاقته، فلا يوجد شأن في مصر لم يصبه العطب والفساد. كما أن هناك بعض الكتاب وأصحاب الرأي تعودوا علي الوقوف في الجانب المعارض سواء بالحق أو بالباطل يلهبون بكرابيجهم ظهر الحكومة، وهنا يحضرني المثل القائل »اللي إيده في المية ليس مثل الذي يده في النار«، وقد تكون هذه الفئة من اللاعبين بالنار، سبباً في إحراق الوطن كله، مصر تحتاج لرأي العقلاء الفاهمين للأوضاع التي تمر بها مصر. نداء أخير أوجهه لكل المصريين سواء من قاموا بالثورة الشعبية أو يشعلون الثورة المضادة، ألستم ترجون الخير لمصر!، اصبروا قليلاً فقد صبرتم كثيراً، واتركوا المسئول يعمل في هدوء وتروٍ، حتي لا يذمكم التاريخ فيما بعد، لأنكم كنت سبباً في فشل هذه الثورة المجيدة، كما أننا لا نريد أن نصبح لبنان آخر يظل شهوراً يبحث عن رئيس وزراء فلا يجد من ترضي عنه الأغلبية، وتمر الشهور بدون رئيس وزراء، وكل ذلك علي حساب استقرار الوطن واقتصاده. ونظرة إلي الماضي نجد أن الحزب الوطني كان مثل الأخطبوط تعلق بأرجله كل من يرغب في المصلحة الشخصية، واندرج تحته أهل الثقة وليس أهل الخبرة، وعزف عن الاندماج في هذا الحزب كل إنسان شريف، كما أن النظام الفاسد لم يعمل علي خلق كوادر سياسية حقيقية، أو صف ثان في إدارة الدولة، وكان قصير النظر رغم طول بقائه في الحكم. وكلمة أخيرة أقولها لحكومة شرف استعرتها من الفيلسوف الإنجليزي »جون استيوارت مل« إن الحكومة الصالحة تكون بمقدار ما يتمتع به أفرادها من فضائل الخلق والسلوك والتقدم العلمي العام، أو بعبارة أخري بمقدار ما تصطنعه به أفرادها من فضائل الخلق والسلوك والتقدم العملي العام، أو بعبارة أخري بمقدار ما تصطنعه مع مواطنيها وما تصنعه بهم، ولا يتأتي ذلك ما لم تفسح لكل فرد أوسع مدي لتنمية مواهبه وإذكاء ملكاته، فإن حرية الفكر وحرية العمل هما أثمن ما تقدمه الحكومة لرعاياها. »وفق الله الجميع للعمل من أجل مصرنا الحبيبة«. عضو اتحاد المؤرخين العرب