مصر ليست فتاة ليل تخلع ثيابها قطعة قطعة وتبيع شرفها لكل عابر سبيل نظير حفنة من الدولارات أو كوم من الذهب ، وليست سجادة لأصحاب الفخامة من الملوك والأمراء تدوسها أقدامهم تشريفا وتعظيما لهم، وليست حائطاً مهجوراً فى أرض خربة يُلقى عليه المارة الأوساخ والقمامة. مصر مرفوعة الرأس ولو أراد لها حكامها انحناءً، أبية ولو رضى لها رئيسها ذلا، لها كرامتها وكبرياؤها ولو شاء أصحاب السلطة لها أن تسجد لغير الله. عندما هبطت طائرة الرئيس محمد مرسى فى مطار الدوحة الاسبوع الماضى لم تكن تحمل مجرد عضو فى جماعة عرفها الناس طوال تاريخها غير شرعية، لكنها كانت تحمل حاكم مصر ورئيسها وزعيمها ورمز الدولة العظيمة بتاريخها وحضارتها وأمجادها. لذا فإن تعمد إهانته وتجاهل استقباله استقبالا يماثل ما تم مع باقى الرؤساء يعد إهانة فى حق مصر. لقد استقبل الأمير خليفة بن حمد آل ثانى أمير قطر المنصف المرزوقى الرئيس التونسى، كما استقبل عمر البشير رئيس السودان، ومحمود عباس الرئيس الفلسطينى، وميشيل سليمان الرئيس اللبنانى، وحتى اسماعيل جيلة رئيس دولة جيبوتى، لكنه أرسل وزير خارجيته لاستقبال الرئيس مرسى ومع ذلك واصل رمز مصر زيارته وزحف برجاله إلى حاكم قطر دون أى رد فعل. لا يعرف الرئيس مرسى مكانة مصر، ولا عظمتها، ولا تاريخها، ولا فضلها على العالم. لا يعلم الرجل - الساقط على قمة مصر من الغيب - قيمة الدولة التى يمثلها، ولا يعى حجمها، ولا يُقدّر ما ينبغى كى يحفظ لها ضياءها. حتى لو كانت قطر صنبور خير. حتى لو قدمت مساعدات مالية لمصر فى وقت ضيق، حتى لو ساندت الثورة المصرية ضد نظام مبارك ، وحتى لو منحت العمالة المصرية أولوية فى فرص عمل. كل ذلك لا يمنحها حق الاهانة، وكل ذلك لا يسمح لرئيسها أن يصمت على تلك الاهانة وأن يبتلع الفعل كمن يبتلع ريقه دون غضب أو انفعال أو رد فعل. فى بيانها التبريرى قالت الخارجية المصرية إن أمير قطر لم يستقبل الرئيس مرسى لوصوله فى وقت متأخر وهو كلام ساذج لا يمكن قبوله ضمن حديث عن زيارة رئيس دولة يتم الإعداد لها سلفا، ويتحدد موعدها بالساعة والدقيقة مسبقا. كان الرئيس عبد الناصر عندما يطل عبر شاشات التلفاز تخلو الشوارع العربية من المارة انتظارا لكلماته. وكان الرئيس السادات لا يمكنه أن ينام وهناك من أساء إلى مصر أو نالها بنصف كلمة. كانت مصر وقتها شلال تحضر، وطاقة نور، وخيمة كبرياء. كانت وستبقى حتى لو أراد لها رئيسها غير ذلك. إن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها، ومصر لا تخضع، ولا ترضخ، ولا تسجد لناثرى الذهب، أو موزعى الصداقة الامريكية مهما كان حالها وحال أبنائها . يقول إيمرسون: «إذا جعلت من نفسك دودة تمشى على الأرض فلا تلم من يدوسك بقدميه». والله أعلم.