للصيام معنى فى اللغة ومعنى فى الشرع؛ فمعناه فى الشرع: الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطِّرات، مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وأما معناه فى اللغة فهو الإمساك أو الامتناع. فكل ما نمسك عنه أو نمتنع منه فنحن نصوم عنه. فالإمساك عن الكلام يسمى صومًا؛ جاء فى قوله تعالى: {إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}، إِنَّهُ الإِمْسَاكُ عَنِ الكَلَامِ وَالصَّمْتِ (مقاييس اللغة، لابن فارس). ويهمنا هنا أن نمضى مع الصيام فى معناه اللغوي؛ لنرى أننا بحاجة إلى الصيام عن أشياء كثيرة، بخلاف الطعام والشراب، كما هو معنى الصيام فى الشرع. نحتاج إلى أن نصوم، أى نمتنع، عن جملة من المفاهيم والسلوكيات، التى تضرنا ولا تنفعنا، وتنطلق من الأهواء لا من قاعدة مقررة فى الشرع، أو من مبدأ صحيح يستقيم مع الفطرة السليمة! فنحتاج إلى أن نصوم عن التقاعس عن اتخاذ الأسباب، بزعم التوكل.. وما هو إلا تواكل.. ولو أنصفنا لعلمنا أن الأخذ بالأسباب هو عمل الجوارح، ونحن مطالَبون به؛ ولا يغنى عنه التسليم لله والرضا بقضائه، مما هو عمل القلب.. ولا منافاة بين عمل القلب وعمل الجوارح هنا..! نحتاج إلى أن نصوم عن اتهام الناس دون دليل، والانطلاق فى التعامل معهم من سوء الظن.. وكثيرًا ما يخلط البعض بين الحيطة وسوء الظن.. ويبادر إلى الاتهام دون تثبت.. فتسوء علاقاته بالناس، وتصبح حياته شكًا وبغضًا وتوترًا..! نحتاج إلى الصيام عن الأثرة وحب الذات حبًا يجعلها تبخس الآخرين حقهم، وتكيد لهم، ولا توفيهم حقهم أو تعترف بفضلهم! إن السماء مليئة بالنجوم، ولا يضر الإنسانَ العاقل أن يرى غيره متوهجًا بجانبه، متميزًا فى مجاله.. فلمَ يحسد بعضنا بعضًا؟! ولماذا لا يرى أحدهم إلا ذاته، ويكره أن يتفوق غيره، ويسعى لإيقاع الناس فى الخطأ؟! إن للصيام معنى أوسع من مجرد الامتناع عن الطعام والشراب.. بل إن هذا المعنى الشائع هو أيسر معانى الصيام، لو يعلمون..!