عام بعد آخر يثبت المخرج رؤوف عبدالعزيز، انه صاحب مدرسة فنية إخراجية تضاهي مدارس هوليوود الفنية، ولا تتوقف عبقريته في ضبط الكادرات والزوايا وخلق صورة مبهرة تجعل المشاهد يتعايش مع وتيرة احداث المسلسل، وإنما في النجوم الذين يعملون معهم، حيث يجعل المشاهد يراه وكأنه لأول رغم تمتعم بجماهيرية كبيرة، وهذا هو ذكاء المخرج الذي يبحث في منطقة جديدة لم يتطرق لها احد، وهذا ما لمسناه في مسلسل " انحراف" الذي ينافس في الماراثون الرمضاني الحالي. والعمل ينتمي لنوعية السيكودراما، وهي المدرسة التي برع فيها المخرج رؤوف عبد العزيز، لابحاره في النفس البشرية وكشف صراعاتها الداخلية مع واقعها والمحيطين بها. فالعمل يقدم تنويعات وإيقاعات فنية مختلفة ومنسجمة مع بعضها، وهذا ما يبدو في رسم الشخصيات الذي جاء منسجما مع الإيقاع العام للمسلسل الذي يحمل وحدة إيقاعية ثابتة، أما الوتيرة فهي متغيرة مع تغير الاحداث والمستجدات فى تركيبة فنية مبتكرة من خلال تصورات اخراجية ممتاز، إلي جانب البناء الدرامي المحكم، والحبكة الدرامية المشوقة التي يدور حولها المسلسل من تصاعد الاحداث والتشويق والصراع. ان يكون المخرج مدير تصوير.. عادة ما يقوم المخرج بإعطاء الأوراق والتصور الكامل لمدير التصوير لتنفيذ رؤية المخرج الفنية، فما اذا كان المخرج هنا هو أيضا مدير تصوير صاحب رؤية فنية ثاقبة لاتخطئه العين، فنحن امام عمل عبقري اجتمعت فيه كل عناصر النجاح من صورة وإزاء ومتدربات واضاءة حتي الموسيقي التصويرية للعمل. من واقع أعماله السابقه التي حققت نجاحا لافتا، يتميز رؤوف بأسلوب فريد في تحريك الكاميرا وعرض المشاهد المختلفة و التفاصيل الدقيقة من حيث الكادرات المناسبة للحالة العامة للمسلسل، والحرص على إشعال حماس الجمهور من اللحظة الاولى بعدما نجح في توفير عوامل الجذب للعمل و تصميم سينوغرافيا وأداء مشاهد العمل بشكل متميز، وهذا يرجع لكونه مدير تصوير كذلك، قبل خوضه مجال الإخراج حيث عمل سنوات مع كبار المخرجين مدير تصوير. تظهر براعة رؤوف في تفسير شخصيات العمل، وأيضا من أهم الأشياء التي تميز بها المسلسل، الانسجام بين العناصر الفنية الكاميرات والموسيقى وتقنيات التحرير والمونتاج والديكورات واماكن التصوير في العديد من المشاهد بأسلوب راق، لذا فكل عناصر الجذب موجودة بشدة فى العمل من متعة واثارة وتشويق بشكل مبهر ومثير للإعجاب بشكل كبير. ومن خلال تلك الأحداث التي تدور في إطار يغلب عليه طابع الإثارة والتشويق الممزوج بالغموض والالغاز تظهر لمسات المخرج رؤوف عبد العزيز السحرية على العمل من خلال رؤيته الثاقبة التى احدثت الفارق الحقيقي في "القيمة الدرامية" للمسلسل و استطاع أن ينفذ العمل بطريقة احترافية مبهرة بشكل كبير مستخدما مؤثرات بصرية عالية الجودة في تنفيذ مشاهد صعبة. ونجح فى تقديم افكار جديدة قلبت موازين الدراما هذا العام من احداث حقيقية و خلق حالة مميزة من الإبهار البصرى والفكرى ، وحبس الأنفاس والتعامل مع مايجري كأن الجمهور بطل من ضمن الأبطال. أما بالنسبة للأداء التمثيلي، ضربت روجينا المثل فى اصعب ادوارها التي تعبر فيه عن تحدى كبير و قيمة مهمة لمهنة ممثلة ، أداء مذهل، من خلال تعمقها في الشخصية حتي وصلت لمرحلة التعايش والتوحد مع الشخصية التي استطاعت ان تعبر عن تفاصيلها الصغيرة. المخرج استطاع بشكل مذهل السيطرة على إيقاع المسلسل مسبقا، من خلال التحكم الجيد فى "ادواته الفنية"، في بناء و تكوين كل مشهد دراميا وبصريا، المتابع للمسلسل سيجد خلال التصوير انه مسيطر على وحدة رؤيته الفنية ايقاعيا. رؤوف عبد العزيز فى مسلسل انحراف استطاع التميز بتفرده واختلافه عن كل التيارات المتواجدة دراميا ليرسم طريقا ولونًا خاص به فى تقديم دراما تشويقية مفعمة باجواء الاثارة والتشويق مع الحفاظ على المتعة والتشويق والقيمة الفنية للعمل بالاضافة الى الطابع التحليل النفسي الدرامى ، حقيقى تركيبة فنية مبهرة قدمها رؤوف عبد العزيز يستحق لقب "هيتشكوك الدراما" لما يمتاز به المسلسل من جوده ودقة وحرفية اخراجية جاذبة للجمهور.