القانون هو ميزان الحق والعدل والانصاف في أي مجتمع بشري، فإذا ما غاب أو اهتزت صورته مال الميزان إلي ما لا يقبله عقل أو يرتضيه ضمير مستنير. وميزان العدالة هو مقياس سعادة الأمم ورقيها وعلوها، فإذا ما اهتز اهتزت معه كل القيم، لأنه هو في كل زمان ومكان النور المبين الذي ينير أمام الدول طريق الحق المستقيم، فإذا جاءت قواعد القانون وأحكامه ومراميه مخالفة هذه المبادئ العليا التي هي- أصلاً- هدية السماء إلي سكان الأرض ممثلة فيما يطلق عليه.. فقهاء القانون: القانون الطبيعي، ذلك القانون الذي يشمل البشرية قاطبة هو كما في اليوم يكون في الغد ولا يختلف من دولة إلي دولة أخري لأنه نتاج «العقل الكلي» كما يقول الفلاسفة وكما يعبر آخرون.. قانون أبدي سرمدي لأنه يتفق مع طاعة وأسرار الكون في بعث الطمأنينة والأمن والأمان في سعادة الأمم ورقيها. أمام هذه المعاني قاطبة فإذا ما وجهنا وجهنا صوب ما يدور في فلك الممارسة الحياتية في- أيامنا هذه- مع أسلوب حكم وليد نري آفاق القانون الصحيح. والمعاني القائمة علي اتفاق جماعي قد غابت عن «موكب الحياة السيارة» ونري ان كل أمر أصبح عصيا ولا اتفاق جماعيا عليه، يقول قائل ويأتي آخر ينسخ ما قاله صاحبه والفلك دوار ولكن الطريق قد أصبح مسدوداً أمام الوصول إلي الغاية المنشودة التي تأملها عقول وقلوب وعواطف بل مقابل وأماني أبناء مصر المحروسة. ويظل التساؤل حائراً ما سر هذا التناقض وهذا الضوء الخافت في خلق ظلمات فوق ظلمات في عالمنا القانوني والذي هو إن صلح فإنه باليقين ستنصلح معه وفي ظله أشياء كثيرة.. ولا يغيب عنا ذلك الصراع الفكري الذي رأيناه عند «مولد الدستور المصري» وتشعبوا شيعاً وأحزاباً أصحاب الرأي ولم يستقر لهم معه مقام... (لماذا إذن)؟. والصراع الدائم بالنسبة لقانون الانتخابات ما بين الفردي والقائمة المطلقة أو النسبية.. وما ترتب عليه كان- بحق- فاجعة حين تم حل أول مجلس وليد للثورة، مجلس الشعب الذي بعد مولده وقيامه بعمله- في تقديري- علي أحسن وجه وبدأت اللجان وبدأت المناقشات الهادئة المستمرة وتمثيل قضايا الأمة علي خير وجه، إذا به يلقي في ضوء تفسير النصوص طريقه إلي غلق أبوابه- في سابقة- لعمري غير مسبوقة في عالم التشريع والحياة النيابية!. ولم تهدأ الأمور الآن- بل ازدادت شراسة خاصة مع الدماء التي بدأت تلطخ وجه الثورة البيضاء فاحمر وجهها بدم هؤلاء الذين يتساقطون في عموم البلاد من قلب القاهرة إلي ضفاف البحر الأبيض في الإسكندرية وعلي ضفاف القنال حيث المدن الثلاث رمز الصمود والكفاح بورسعيد الثائرة، السويس المناضلة، الإسماعيلية الشجاعة وخرج وراء جنازات الشهداء الآلاف يلقون علي المواكب الحزينة نظرة الوداع، وهكذا عاشت مصر الأيام الماضيات في حداد دائم. ما كان لبشر يتصور انه مع الثورة سوف يعالج المصريون قضاياهم بالأسي والحزن والدموع وبدلاً من نصب سرادق الأفراح كان السرادق للموتي وهكذا كان لابد من قرع جرس الأخطار وعلي الحاكم أن يمسح الدموع بالحكمة والعمل الجماعي المستمر حتي نقول حقاً وصدقاً لقد أتت الثورة ثمارها من أجل تحقيق السعادة المفقودة.. وعليه أن يبرم عقداً اجتماعياً وسياسياً جديداً مع كل طوائف الشعب وليس هذا أمراً صعباً تحقيقه اذا ما حسنت النيات وصارت مصر قبلة العشاق وفي حبها فليتنافس المتنافسون.