يجىء مسلسل «العائدون» ليؤكد أن الإستراتيجية الكبرى لضبط النفس تستبدل القوة بالمعرفة فى عالم المخابرات الآن، فإنها تعتمد بشكل كبير على الذكاء. إنها تساعد فى تحديد أولويات كل عملية من خلال تقييم أفضل. وإن استراتيجية ضبط النفس تستفيد من الجرأة فى المجال الرقمي. ربما يكون استخبارات الفضاء الإلكترونى أقل استفزازًا من أشكال التجسس الأخرى. يقلل من المخاطر التى تصاحب تجنيد الأصول، ويلغى الحاجة إلى الحفاظ على التفاصيل الأمنية لحمايتها. مسلسل «العائدون» أظهر الصراع المعلوماتى فى عالم المخابرات؛ مستندًا إلى حقائق واقعية تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية التى تجسّدها الشخصيات التى يقدمها المسلسل؛ ومعتمدًا على وسائل فنية مثل أماكن تصوير مفتوحة فى عدة دول؛ لتوفير عوامل الإثارة والتشويق والترقب؛ ولا مانع من وجود بعض المشاهد الرومانسية أو الاجتماعية لتضفى الجوانب الإنسانية على حياة الأبطال؛ بما فيهم رجل أجهزة المخابرات؛ فكانت شخصية نادين وأسرتها من الأم التى تموت بعد معاناة مع المرض والأب الذى يعانى من الزهايمر والأخت التى ترعاه، وشخصية عمر المنفصل عن زوجته ومعاناته لرعاية ابنته، بالإضافة إلى حكايات جانبية. وشخصية ضابط المخابرات نبيل والذى يعنى من مشكلات زوجية بسبب عدم الإنجاب. وفى ظل الثورة الرقمية، والتحولات العديدة فى أساليب أجهزة المخابرات لالتقاط وتخزين المعلومات؛ فثمة تغيرات عديدة فى اسلوب السرد الدرامى للمسلسل ستختلف بكل تأكيد عن أعمال مخابراتية سابقة؛ وهذا ما بدا واضحًا بين الحين والآخر فى استعراض المراقبة من خلال كاميرات المراقبة اللاسلكية هى نوع من كاميرات المراقبة التى تستخدم تقنية الاتصال اللاسلكى، يتم توصيلها بدون أسلاك، وتعمل بإشارة لاسلكية أو عن طريق الواى فاي؛ وهى من أحدث كاميرات المراقبة التى ظهرت فى الآونة الأخيرة مستخدمة التكنولوجيا الحديثة فى الاتصالات؛ والتدريبات التى حصلت عليها لكيفية التعامل معها بدون أن يعلم المراقبون لها معرفتها بتك الكاميرات. ومن وقت لآخر نشاهد عبر أحداث المسلسل الوسائل السرية الحديثة والتطور الإلكترونى للتنصت على العملاء؛ واكتشاف النشاط الإجرامى أو التخريبى. وقد يتساءل البعض: لماذا مازالت المخابرات فى العالم تستخدم العنصر البشرى وهذا الأسلوب الذى شاهدناه فى أعمل من قبل مثل رأفت الهجان، وفى الحقيقة أن هناك استخدامًا لوسائل التكنولوجية فى عملية التجسس منذ وقت مبكر؛ إلا أنه ثَبت أنها لا يمكن الاستغناء عن العنصر البشرى فى مجال التجسس، فإن بعض المعلومات الحيوية لا يمكن الحصول عليها إلا عبر مصادر بشرية، لذلك فإن جميع قادة الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية والمعادية لنا يعملون على تجنيد المزيد من المصادر البشرية. ويتم التعامل مع الهدف الاستخبراتى من خلال كاميرا الهاتف أو الميكروفون وتسجيل الفيديو والمحادثات الجارية. التى يمكن تشغيلها عن بُعد ومراقبة ما تقوم به. وكشف المسلسل عن أنه يمكن بزرع الأجهزة البسيط أن ينقل المعلومات عبر الإنترنت. واستخدام التدخل فى المعدات وتقنيات أخرى لجمع المعلومات الاستخباراتية لتحديد هوية المشتبه بهم وتحديد مكانهم، مما يؤدى إلى اعتقالهم قبل ارتكاب المزيد من الجرائم كما حدث فى محاولة تدمير دار القضاء العالى. لولا تدخل المعدات، لما كان من الممكن القبض على المشتبه بهم فى وقت واحد، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الأدلة. وفى المسلسل عليك قراءة الواقع حولنا فى ظل التحولات الجيوسياسية التى شهدتها المنطقة والعالم فى العقد الأخير، وبذلك أنت أمام استعراض درامى يبسط لك المستجدات والتحديات الصعبة التى تعيشها مصر؛ والتى تتطلب يقظة استخباراتية عالية؛ فنحن الآن فى صراع أستخباراتى من نوع خطير؛ قائم على الاستهدافات الامنية ضد مصر ومنطقة الشرق الأوسط أجمع للسيطرة على الموارد والثروات الطبيعية، إلى جانب النفوذ الإقليمي. نحن فى زمن جواسيس الجيل الرابع من الحروب؛والعملية الاستخبارتية التى يدور حولها المسلسل تقترب عن كثب من هذا النوع الجديد من دراما المخابرات فى ظل التحولات الجيوسياسية؛ فالتحلفات الاقتصادية هى ماتبدو فقط فوق السطح. و«العائدون» خطوة درامية جادة للأشارة إلى العمليات الاستخباراتية المصرية لمواجهة المخاطر المستجدة، السياسية والميدانية، للعمل على سلامة منظومة الأمن القومى المصرى والعربي. وبعيدًا عن المباشرة والجمل الخطابية فى الحوار استطاع مسلسل «العائدون» الاقتراب مما يحدث هناك والمتابعة الجادة من المخابرات المصرية؛ وتمكن سيناريست العمل باهر دويدار من أظهار الثقل الأستراتيجى والإقليمى والدولى الكبير جداً والمؤثر للمخابرات المصرية بملحمة وطنية واقعية من ملفات المخابرات المصرية، وبالطبع أسماء العملاء ورجال المخابرات المصرية ليست حقيقية؛ فمن الطبيعى أن تلك الأسماء تظل سرية لسنوات عديدة؛ فما بالك أنها مازالت تعمل حتى الآن. والمسلسل يؤكد حقيقة مهمة وهى تفوقنا المخابراتى وقد شاهدنا أساليب مختلفة لتوجد العناصر الاستخبارتية على الأرض فى صور عدة بعيدة عن التجسس المباشر، وأظهر المسلسل حلقة الوصل بين داعش وبين الإخوان وتركيا. أشار المسلسل إلى أن تنظيم داعش ناجح جزئيًا لأن تركيا مؤيد قوى للإخوان المسلمين. فمنذ عام 2014 العام الذى أصبح فيه تنظيم داعش تهديدًا حقيقيًا للشرق الأوسط. فى غضون عام واحد، تمكنت المجموعة من السيطرة على ثلث العراق ونصف سوريا، مع وجود 200 ألف مقاتل تحت سيطرتها. سرعان ما نجح داعش فى إنتاج النفط وبيعه كمصدر مهم للدخل. كما تمكنت من ضمان التزود المستمر بالأسلحة والذخائر والمركبات وأجهزة الاتصال المتطورة. تعود قدرة داعش على أن تصبح دولة فاعلة بهذه السرعة إلى حد كبير إلى علاقتها مع تركيا. كانت المساهمات التركية فى ازدهار داعش أكثر وضوحًا عندما استولت داعش على حقول النفط فى العراقوسوريا وأنتج كميات كبيرة من النفط الخام لبيعه، مما عزز قبضته على إمدادات النفط فى المنطقة. ويُعتقد أنهم نقلوا النفط إلى تركيا فى ناقلات، وعندها باعت تركيا النفط لدول أخرى كما لو كان من العراقوسوريا وتقاسمت بعضاً من عائداته مع داعش. وتعامل المسلسل مع التاريخ الحافل من التناقضات فى المواقف والأفكار؛ التى حملها وروج لها الموجودن فى تركيا، ومسلسل العائدون كسابقيه من أعمال المخابرات الدرامية يركز على التدريبات وكيفية اختيار العميل والحرص دوما أن تكون روحه المعنوية عالية، وأن يتحلى بالذكاء وحسن البديهة والشجاعة. والتعامل مع نقاط ضعف العميل؛ مع التركيز على خطورة الشجاعة التى قد تصل إلى حد الحماقة مع الآخرين. مع التأكيد على ضرورة أن تتوافر فى العميل القدرة على ملاحظة كل شيء، ودقة التركيز على التفاصيل، وأن يكون قادراً على كشف من يراقبه بمهارة ودقة. مسلسل «العائدون» بطولة أمير كرارة، أمينة خليل، محمود عبدالمغنى، محمد الأحمد، رشا بلال، ميدو عادل، إسلام جمال، نبيل عيسى، جيهان خليل، محمد عز، وهاجر الشرنوبى، وصبرى عبدالمنعم، وعدد كبير من ضيوف شرف، منهم محمد ممدوح، محمد فراج، تأليف باهر دويدار، وإخراج أحمد نادر. واعتمد البناء الدرامى فى مسلسل «العائدون» على التأكيد على أنه عند الانتقال إلى البلد المطلوب العمل فيه، يجب التظاهر بممارسة مهنة معينة. ومن الاشياء المميزة فى المسلسل تفسير كيفية إعداد العميل ومشاركة الجمهور بشكل غير مباشر فى فهم تقنيات هذا الإعداد بدون الوقوع فى براثن المباشرة