وأنت تتابع يوميا مسلسل «هجمة مرتدة» عليك قراءة الواقع حولنا فى ظل التحولات الجيوسياسية التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، وبذلك أنت أمام استعراض درامى يبسط لك المستجدات والتحديات الصعبة التى تعيشها مصر؛ والتى تتطلب يقظة استخباراتية عالية، فنحن الآن فى صراع استخباراتى من نوع خطير؛ قائم على الاستهدافات الامنية ضد مصر ومنطقة الشرق الاوسط أجمع للسيطرة على الموارد والثروات الطبيعية، إلى جانب النفوذ الإقليمى. وربما تحالف «الشام الجديد»، وهو المشروع الجامع بين مصر والعراق والاردن يفسر التواجد الاستخباراتى المصرى فى العراق فى الحلقات الاولى فى المسلسل، وأن هذا التحالف حلقة فى سلسلة طويلة من التعاون؛ وتفعيل النفوذ الإقليمى على كافة المستويات؛ فنحن فى زمن جواسيس الجيل الرابع من الحروب،والعملية الاستخباراتية التى يدور حولها المسلسل تقترب عن كثب من هذا النوع الجديد من دراما المخابرات فى ظل التحولات الجيوسياسية؛ فالتحلفات الاقتصادية هى ما تبدو فقط فوق السطح. و«هجمة مرتدة» خطوة درامية جادة للإشارة إلى العمليات الاستخباراتية المصرية لمواجهة المخاطر المستجدة، السياسية والميدانية، للعمل على سلامة منظومة الأمن القومى المصرى والعربى. وبعيدا عن المباشرة والجمل الخطابية فى الحوار استطاع مسلسل «هجمة مرتدة» الاقتراب مما يحدث هناك والمتابعة الجادة من المخابرات المصرية منذ عام 2003، وما تلى هذا التاريخ من تداعيات سلبية بسبب الفراغ السياسى، فى العراق، وتمكن سيناريست العمل باهر دويدار من إظهار الثقل الاستراتيجى والإقليمى والدولى الكبير جداً والمؤثر للمخابرات المصرية هناك فى تلك الفترة الزمنية الخطيرة، وهذا ما يقدمه مسلسل«هجمة مرتدة» من خلال السباق الرمضانى 2021، من ملحمة وطنية واقعية من ملفات المخابرات المصرية، محملا شخصية سيف العربى،ودينا وأعضاء جهاز المخابرات العامة المصرية، مسئولية فضح عددًا من المؤامرات الخارجية التى تُحاك ضد مصر ومنطقة الشرق الاوسط، وبالطبع أسماء العملاء ورجال المخابرات المصرية ليست حقيقية؛ فمن الطبيعى أن تلك الاسماء تظل سرية لسنوات عديدة، فما بالك أنها مازالت تعمل حتى الآن، وربما يفسر هذا عدم تعليق الجهات المختصة على تصريحات داليا زيادة أنها هى الشخصية الحقيقية التى تقوم بتأديتها هند صبرى، بينما يبدو أنه كان مقصودا فضح العملاء الخائنين أمثال سعد الدين إبراهيم وايمن نور. مسلسل «هجمة مرتدة»الذى يقوم ببطولته كل من أحمد عز، هند صبرى، نضال الشافعى، إنجى المقدم، صلاح عبدالله، ماجدة زكى، هشام سليم، ومن تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد علاء، يحسب له إيضاح العديد من العمليات الاستخباراتية بسلاسة وخاصة المراقبة من قبل المسؤول للحرص على العملية؛ وهو سبب فى نجاحها. وفى ظل الثورة الرقمية، والتحولات العديدة فى أساليب أجهزةالمخابرات لالتقاط وتخزين المعلومات؛ فثمة تغيرات عديدة فى اسلوب السرد الدرامى للمسلسل ستختلف بكل تأكيد عن أعمال مخابراتية سابقة مثل رأفت الهجان، وهذا ما بدا واضحا بين الحين والاخر فى استعراض المراقبة التى تتعرض لها هند صبرى من خلال كاميرات المراقبة اللاسلكية هى نوع من كاميرات المراقبة التى تستخدم تقنية الاتصال اللاسلكى، يتم توصيلها بدون أسلاك، وتعمل بإشارة لاسلكية أو عن طريق الواى فاى. وهى من أحدث كاميرات المراقبة التى ظهرت فى الآونة الأخيرة مستخدمة التكنولوجيا الحديثة فى الاتصالات؛ والتدريبات التى حصلت عليها لكيفية التعامل معها بدون أن يعلم المراقبون لها معرفتها بتك الكاميرات. ومن وقت لآخر نشاهد عبر أحاث المسلسل الوسائل السرية الحديثة والتطور الإلكترونى للتنصت على العملاء، واكتشاف النشاط الإجرامى أو التخريبى. والمسلسل كسابقيه من أعمال المخابرات الدرامية يركز على التدريبات وكيفية اختيار العميل والحرص دوما أن تكون روحه المعنوية عالية، وان يتحلى بالذكاء وحسن البديهة والشجاعة؛ وهذا ما يؤكده هشام سليم عن سر اختياره وتمسكه بالعميل سيف والذى أظهر السيناريو فى مشاهد متلاحقة بالعراق وفى التدريبات والاختبارت التى وضعها فيه «أحمد فؤاد سليم» أن «سيف» يتصف باللباقة وحسن التصرف، وقادرا على ا لقيام بالأعمال التى تتطلب الجرأة، وحب المغامرة، ويعرف كيف يعامل الناس، وكيف يناقش الآراء، مع توافر القدرة العملية له فى المسائل التى تحتاج إلى المهارة المهنية؛ وظهر هذا واضحا عند تعامله مع محاولة تصوير المسئول المهم المتاجر بالآثار. ورغم أن التعامل مع نقاط ضعف العميل تم الاشارة اليها فى مسلسل «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة»، ولكن فى هجمة مرتدة ظهرت بوضوح أكبر، مع التركيز على خطورة الشجاعة التى قد تصل إلى حد الحماقة مع الآخرين، وأظهر المسلسل كيفية تخلص العميل نفسه من نقاط الضعف والحماقة؛ لذلك تم إخبار سيف أنه تم الاستغناء عنه بعد عودته من العراق. أما أن تتوافر فى العميل القدرة على ملاحظة كل شىء، ودقة التركيز على التفاصيل، وأن يكون قادرًا على كشف من يراقبه بمهارة ودقة، فظهرت بسلاسة ووضوح فى تدريب العميل مينا. ورسمت الشخصية التى تؤديها «هند صبرى» ببراعة بدت فى قدراتها على التعامل مع الآخرين تحت ظروف شاقة وخاصة مع شخصية «جبران»، وتمكنها من التعبير عن الأفكار بوضوح واختصار وبطريقة مشوقة، عندما كانت تطرح مشاريعها للوكالة التى تعمل على تجنيدها. إلى جانب ظهور وعيها السياسى والإدراك لما يحدث فى العالم؛ بل إن السيناريست بين الحين والآخر يقدم مشاهد يظهر فيها قدرتها على الموازنة بين الجرأة وإجراءات الأمن، وهو شيء كان يتجاوزه سيف فى البداية. ولأن العميل يجب أن يكون ملمًا بلغة أجنبية، خاصة لغة المنطقة التى يعمل بها لذلك جاءت بعد المشاهد التى كانت تستخدم فيها هند صبرى الانجليزية. واعتمد البناء الدرامى فى مسلسل «هجمة مرتدة» على التأكيد على أنه عند الانتقال إلى البلد المطلوب العمل فيه، يجب التظاهر بممارسة مهنة معينة يحتاج إليها أبناء ذلك البلد مثل شركات السياحة بالنسبة لرأفت الهجان أو جمعة الشوان والعمل فى مقهى بالنسبة لسيف؛ أو جمعيات المجتمع المدنى بالنسبة لداليا. ورسم بتمكن كيفية خلق نظام الخلايا السرية بشكل فعّال فى محاولة الاختراق للاماكن الهامة كالسجون فى العراق؛ معتمدا على أيديولوجية المجموعة ومنطقة عملها وتقنيات الاتصالات المتوفرة وطبيعة المهمة. ومن الاشياء المميزة فى مسلسل «هجمة مرتدة» هو تفسير كيفية إعداد العميل ومشاركة الجمهور بشكل غير مباشر فى فهم تقنيات هذا الاعداد بدون الوقوع فى براثن المباشرة، مثل التشبث بالهدف الذى يصبح بمثابة فخ آخر له، يفقده رؤيته للصورة الكبيرة فيصطدم بالهدف، وهو ميلٌ أساسى فى الإنسان بشكل أكثر مما يدركه الكثيرون؛ وهو ما فعله سيف عندما أصر على عدم العودة من العراق وإكمال المهمة. ومن مميزات مسلسل «هجمة مرتدة» إظهار الصراع المعلوماتي، مستندا إلى حقائق واقعية تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية التى تجسّدها الشخصيات التى يقدمها المسلسل، معتمدا على وسائل فنية مثل أماكن تصوير مفتوحة فى عدة دول؛ لتوفير عوامل الإثارة والتشويق والترقب، ولا مانع من وجود بعض المشاهد الرومانسية أو الاجتماعية لتضفى الجوانب الإنسانية على حياة الأبطال، بمن فيهم رجل أجهزة المخابرات، فكانت شخصية ابنة هشام سليم المصابة بالسرطان، وقصة الحب بين أحمد عز وهند صبرى.