كانت جلسة الأربعاء الماضى فى قضية البنك الوطني عاصفة قلبت الموازين رأساً على عقب، بعد إلغاء التحفظ على 20 مليار جنيه قيمة أموال 23 من كبار رجال الأعمال العرب والمصريين المتعاملين بالبورصة. رغم أن القرار جاء فى مصلحة المتهمين والمتحفظ، فإن الخسائر للاقتصاد تحققت، والرصاصة أصابت الاستثمار فى مقتل، قد تعيد للذاكرة فترة ستينيات القرن الماضى وهى المرحلة السوداء فى تاريخ الاستثمار الوطنى، حينما بدأت بالتمصير وانتهت بالتأميم لتبقى الصورة التاريخية السيئة عن الاستثمار والتعامل بالبورصة. «قرار النيابة التحفظ على أموال عدد من كبار رجال الأعمال العرب والمصريين أصابه العوار والقرار اتخذ دون سند قانونى، إذ إن قرار المحامى العام السابق فى القضية لم يدِن معظم رجال الأعمال الذين شملهم تقرير الرقابة المالية فى واقعة التلاعب أو التربح بصورة غير مشروعة، وبالتالى غير منطقى أن ينفى النائب العام الجديد»، هذا ما استند إليه الدكتور هانى سرى الدين، ممثل هيئة دفاع المتهمين. أدلة التربح والكسب غير المشروع غير متوافرة فى القضية، وهو ما كان فى مصلحة المتهمين، بالإضافة إلى أن المتهمين لا يعلمون شيئاً عن التعاملات، إذ إن الذى كان يقوم بالبيع والشراء إدارة المحافظ الاستثمارية غير معقول أن يضحى بالمليارات من الأموال المستثمرة من أجل بعض ملايين الجنيهات لم تؤكد الأدلة استفادة المستثمرين منها بحسب سرى الدين. كما أن بعض الأسماء التى تمتلك محافظ استثمارية تتجاوز المليارين جنيه قامت بشراء كميات محدودة لا تتجاوز قيمتها 13 مليون جنيه، وبالتالى إذ كان قرار الشراء عن معلومة أو الاستفادة من تسريب بيانات داخلية عن الصفقة، كان من الأولى الشراء بمبالغ كبيرة تتلاءم مع حجم المحفظة الاستثمارية. وقال عيسى عليش -أحد الذين شملهم القرار ورئيس مجلس إدارة شركة ماراديف- إنه لا يعلم عن الأمر شيئاً، إذ إن شركة المحافظ الاستثمارية العميل لديها هى التى تقوم بعملية البيع والشراء ولا يعلم الأسهم التى تتعامل بها. وتابع: «إن مثل هذه القرارات العشوائية تضر بالاستثمار وضد مصلحة الاقتصاد والمستثمرين واستمرار هذه السياسة العشوائية فى اتخاذ القرارات يعجل بالانهيار المبكر للاقتصاد، ومن الأفضل غلق البورصة طالما أن النظام لا يريد استثماراً أو تعاملات». القرار أصاب خبراء الاستثمار بسوق الأوراق المالية بصدمة باعتبار أنها رسالة شديدة اللهجة للمستثمرين الأجانب بعد الاستثمار فى البلاد وربما تعرض أموالهم لتأميم، على حد تحليل هشام توفيق، عضو مجلس إدارة البورصة وخبير أسواق المال، إذ إن العشوائية فى القرار بالتحفظ ثم الإلغاء سبب فى الكارثة والخسائر رغم التراجع عنه، خاصة أن المستثمر الأجنبى أو الذى يعتزم الاستثمار فى السوق المحلى سيعيد النظر أكثر من مرة فى دخول السوق نتيجة عدم الثقة فى النظام والتخوف من استثماراته من الضياع أو التأميم، كما أن ما حدث قد يدفع رجال الأعمال المتحفظ على أموالهم بتسييل محافظهم الاستثمارية والتخارج من السوق وهو ما يضر الاقتصاد ويزيد حالة الارتباك فى البورصة نتيجة عملية نقص السيولة التى يعانيها السوق. قد تكون تداعيات القرار إيجابية فى النظام القضائى الوطنى الذى ضمن بذلك للمستثمرين الحماية واستعادة المتضررين أموالهم بعد أن تم الطعن على قرار التحفظ. يقول الدكتور مدحت نافع، خبير الاقتصاد والتمويل إن «القرار منح المستثمر الأجنبى الثقة فى النظام القضائى الذى يعد أهم الأدوات التى تساعد على الاستقرار الاقتصادى وجذب الاستثمار». هذا يتطلب تعديلات على الإطار التشريعى الذى يحكم الاستثمار فى السوق، وإذ إنه بات معروفاً للجميع أن المستثمر طوال الوقت مهدد بالحظر والتحفظ على أمواله نتيجة قرار منفرد من أحد أعضاء النيابة العامة. كما يتطلب من بعض صناع القرار الذين تسيطر عليهم النزعة الانتقامية وتصفية الحسابات على نحو شخصى إعادة النظر فى القرارات الحساسة التى تضرب الاقتصاد والعمل على إعادة تقييم موقفهم من الاستثمار فى السوق خاصة مع توفر فرص وبدائل عديدة فى مختلف دول العالم - بحسب نافع. القرارات العشوائية صارت من سمات النظام الحاكم حسبما ذكر عمرو صابر خبير أسواق المال، فمنذ تولى الإخوان الحكم ولم ير الاستثمار أو الاقتصاد خيراً، وبدأ بفرض ضرائب على البورصة وإلغائها وزيادة ضريبة المبيعات على بعض السلع وتأجيلها، وكل ذلك يؤثر سلبياً على الاقتصاد والاستثمار، إذن على الإدارة السياسية والقانونية للبلاد ألا ترمى رجال الأعمال بالباطل وتكف عبثاً عن تصفية الحسابات مع رجال الأعمال على حساب الاقتصاد المترنح الذى يدفع ثمنه المواطن الفقير المعدم. «لا غنى عن إدخال تعديلات تشريعية وسياسات تضمن حماية الاستثمار ورجال الأعمال»، كما قال شريف سامى المتخصص فى مجال التمويل، إذ إن إلقاء التهم على المستثمرين بصورة عشوائية وبدون أدلة لا تخدم مصلحة الاقتصاد، وغير مقبول أن تستغرق التحقيقات أشهر وسنوات ونهاية المطاف يتم إلغاء التهم. واستشهد «سامي» فى هذا الصدد بما حدث من تأثير على العديد من الشركات المدرجة بالسوق والمتهم أصحابها فى قضايا التربح والكسب غير المشروع بسبب اتهامات ظنية». الخسائر فى تزايد يوماً بعد الآخر، والكارثة تحققت والتداعيات قد تكون الأسوأ فى تاريخ البورصة والاستثمار بسبب القرارات غير المدروسة. يذكر أن «الوفد» انفردت بكشف قضية البنك الوطنى والتلاعب فى البورصة عقب اندلاع ثورة 25 يناير.