انتظر فيلماً جديداً للمخرج الواعى محمد أمين الذى بدأ حياته الفنية غارقاً فى هموم الوطن وطالعاً من جرأة مقتحمة لا يقبل معها المهادنة أو التنازلات. وإذ به حين يناقش قضايانا الخاصة نجد أنفسنا فى عمق أزمة الوطن المطحون المنهوب والذى عانى شبابه ما لم يعان مثله فى أنحاء العالم.. محمد أمين يكتب أفلامه لكى يكون أكثر مصداقية ومنذ قدم فيلمه الأول «فيلم ثقافى» عام 2000 عرفنا ماذا يريد الرجل، فهو يدين مجتمعاً تداعت قواه وانهد حيله ولم يبق فيه تواجد إلا للصوص والسماسرة والقادرين على التلون والفهلوة، أما فيلمه الثانى عام 2005 فكان «ليلة سقوط بغداد»، وكان يحلل فيه ما وصلت إليه أمتنا العربية من وهن وذبول يقترب إلى حد القبر.. وكيف أن الهيمنة الأمريكية الصهيونية تحاول التغلغل فى كل خلايا الوطن وفى علمائه وفى شبابه.. أما عام 2010 فكان فيلمه المبدع «بنتين من مصر» وكان سباقاً فيه لأن يستخرج من أحشاء مصر هذه الأورام الحميدة والخبيثة التى تسعى لالتهام آخر أمل فى شبابنا للعمل والاجتهاد فلا يجد هؤلاء سوى الهروب خفية بليل أو العمل بالتحايل مهما كانت العواقب فى البلاد العربية أو ما يشبه الانتحار.. أما فيلمه الرابع فهو «فبراير الأسود» 2013 يقوم فيه محمد أمين برسم قلب مصر قبل وبعد ثورة 25 يناير، خالد صالح «الدكتور حسن» أستاذ الاجتماع الشهير والكاتب القومى الوطنى وشقيقه هو الآخر «طارق عبدالعزيز» الدكتور الكيميائى. صلاح.. نموذجان لشابين مجتهدين إلى قمة المراحل العلمية ولكن المجتمع لا يعترف بهما فيشعران بعدم الأمن والأمان ولكن لا يتعاظم هذا الإحساس المميت إلا بعد قيام خالد صالح برحلة إلى الواحات مع عائلته بسيارته، ويتعرض لعاصفة رملية قوية تبدأ فى إغراق السيارة بمن فيها فى الرمال المتحركة. وبرغم اتصالاته فإنه لا يجد الحكومة تسعى لإنقاذه، بينما تنقذ فى الحال مجموعة من السيارات المقربين للدولة سواء رجال الأمن الكبار أو رجال الأعمال المتعاملين مع الحكومات المصرية المتعاقبة.. ويفاجأ بأنه كان فى غفلة لمدة أكثر من ثلاثين عاماً قضاها شبه مغيب عن الحقيقة المؤسفة.. كان فيها العلم مسيطراً على فكره والوطنية تغطيه، فيوم حصول أحمد زويل على جائزة نوبل.. يجرى سريعاً لرفع علم مصر على أعلى مسكنه.. لكن الحادث الأخير بالواحات والذى لم ينقذه فيه سوى القدر.. أعاد له الكثير من المفاهيم التى كانت غائبة عنه.. حتى إنه بدأ يفقد انتماءه لوطنه ويسعى للهجرة إلى الخارج.. وما بين هذا الحادث حتى فبراير 2011 يرى أن هناك أملاً يمكن أن يزرع فى الوطن وأن هناك رؤية جديدة يمكن أن تتعاظم أمامه. وجد نفسه مع هتافات الشعب يريد إسقاط النظام.. ويرى الحل فى الخروج من السلبية والوصول إلى نقطة الانطلاق.. خالد صالح فى هذا الفيلم يواصل نجاحاته وأدواره المدهشة المتنوعة، هو يتعامل مع النص بمفهوم طبيب نفسى يتمكن من تشريح أدق التفاصيل والوصول إلى دقة الأداء.. طارق عبدالعزيز فى أقوى أدواره وهو فنان لم يستثمر المخرجون طاقاته بعد.. الدور الجديد ساعده على التنوع ولايزال محمد أمين مخرج الأزمات المصرية بامتياز يستخرج من باطن الأرض ومن ثمارها ما يصنع فناً باقياً خاصاً به بعد أن نحت شخصية مميزة لأعماله ولاسمه.