غنوة حب عشناها تعيش العمر تسعدنا حالة فنية خالدة تحولت لأسطورة دغدغ مشاعر الملايين بالغناء العاطفى والوطنى فى العاشرة مساء الأربعاء 30 مارس 1977، رحل عنا العندليب الخالد عبدالحليم حافظ بمستشفى «كينجر كولدج» بلندن، 45 عامًا مرت على رحيله ومازال يمتعنا حيًا وميتًا، إنه المطرب الأشهر الذى تحول لأسطورة، العندليب رمز الرومانسية والعذوبة الذى دغدغ مشاعر الملايين سواء بالغناء العاطفى أو الوطنى أو الدينى. «حليم» حكاية حب لا تموت مهما مرت السنوات نستعرض فى هذا التقرير كيف تحول «حليم» بعد وفاته لغنوة حب تسعد الملايين فى كل زمان ومكان. كما يعلم الجميع عبدالحليم بدأ مشواره الفن ىمع مطلع الخمسينيات فى وقت كانت الساحة الغنائية تعج بالأصوات الفذة من الرجال مثل محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومحمد فوزى وكارم محمود وعبدالعزيز محمود وغيرهم، وسط كل هؤلاء ظهر المطرب الشاب النحيل بلون جديد تمامًا لم يقلد أحدًا، كانت له شخصية متفردة تمامًا لدرجة أن لجنة الاستماع رفضته فى البداية لم يستوعبوا المدرسة الجديدة فى الغناء وعقب ثورة 1952، تكونت لجنة استماع جديدة من أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب واعتمدوا «حليم» مطربًا فى الإذاعة المصرية. لسنا بصدد عرض المشوار الفنى للعندليب الذى يعلمه الجميع تقريبًا ولكننا نؤكد فكرة أن «حليم» استطاع إسعاد الملايين «غنوة حب عشناها نعيش العمر تسعدنا» منذ أوائل أغانيه «لقاء» و«صافينى مرة» و«على قد الشوق». «صافينى مرة» التى غناها منذ ما يقرب من 70 عامًا، مازالت تمتعنا وتسعدنا حتى الآن بالمعانى الراقية، «اسأل نجوم الليل تسأل على حالى يوم ما تغيب»، مازلنا نسمعها ونستمتع بها حتى الآن، «على قد الشوق اللى فى عيونى يا جميل سلم»، معان ومفردات لم تكن معتادة فى هذا العصر، هاتان الأغنيتان جعلت «حليم» فى مكانة منفردة وتهافت عليه المخرجون وعمالقة التأليف والتلحين، صعد «حليم» ولم يهبط. أفلامه السينمائية أسهمت فى زيادة شعبيته الجارفة: «لحن الوفاء، أيامنا الحلوة» وغيرها مرورًا ب«فتى أحلامى، أيام وليالى، موعد غرام، الوسادة الخالية، شارع الحب، حكاية حب». أبدع فى حقبة الخمسينيات العديد من الأغنيات شديدة الروعة مازلنا نستمتع بها وتدخلنا لعالم الرومانسية منها على سبيل المثال: «أهواك، ظلموه، أبوعيون جريئة، الليالى، نعم يا حبيبى، حلك نار، بتلومونى ليه، فى يوم فى شهر فى سنة...»، مهما قلنا لا نتصور مدى تأثير هذه الأغنيات على الحالة الرومانسية لملايين المصريين وحالة الجمال والعواطف الجياشة، ولا ننسى أغنياته الوطنية فى تلك الحقبة، «ثورتنا المصرية، يا حبايب بالسلامة، الله يا بلادنا..» وغيرها. حقبة الستينيات شهدت تألقًا غير عادى لعندليب سواء على مستوى الغناء أو السينما، أغنيات أثرت كثيرًا فى الشعب المصرى منها على سبيل المثال: «قوللى حاجة، ضىّ القناديل، الويل، أعز الناس، الحلوة، حبيبها، بلاش عتاب» والشعبيات «جانا الهوا، على حسب وداد، التوبة»، فضلًا عن أغنيات «جبار، فوق الشوك، يا خلىّ القلب، أحضان الحبايب، الهوا هوايا، كامل الأوصاف، أنت قلبى». أفلامه السينمائية فى تلك الحقبة «يوم من عمرى، الخطايا، معبودة الجماهير» وأخيرًا «أبى فوق الشجرة» الذى حقق نجاحًا أسطوريًا. شهدت حقبة الستينيات أغانى وطنية رائعة للعندليب أحيت المشاعر الوطنية والقومية فى عصور الانتصار والانكسار منها: «صورة، بالأحضان، ذكريات، المسئولية، أهلا بالمعارك، مطالب شعب، على رأس بستان الاشتراكية». ولكن عقب نكسة 1967، وانكسار الشعب المصرى وقيادته كان للعندليب رأى آخر، أبدع كما لم يبدع من قبل يزرع الأمل فى نفوس الملايين، بداية برائعة «عدى النهار» ألحان العبقرى بليغ حمدى تأليف الخال عبدالرحمن الأبنودى، أغنية تحفة بمعنى الكلمة، ولم يكتف بذلك بل أبدع فى أغنية: «البندقية اتكلمت» ما أروعها حينما غنى «يا شعب يا واقف على باب النهار، قريت بوجوده طريق الانتصار، زرعت من تانى الأمل فى كل دار»، ورائعة «فدائى.. أموت أعيش مايهمنيش»، ولا ننسى الأغنية الحماسية القصيرة «أحلف بسماها». لا يتصور أحد مدى تأثير تلك الأغنيات فى نفوس الشعب المصرى فى زمن كان يحتاج الشعب كله لشحن معنوى ونفسى حتى تزول الضمة وتتحرر الأرض. مع عام 1970، وصل عبدالحليم لمرحلة النضج الفنى وقرر تعديل مساره الغنائى بأغنيات كلاسيكية طويلة بإبداع الموسيقار الفذ بليغ حمدى وألحان محمد حمزة، كانت البداية رائعة «زى الهوا» وحققت نجاحًا كبيرًا وكانت بداية الأغنيات الطويلة. مع مطلع عام 1971، تعرض العندليب لأزمة صحية شديدة وتدهورت حالته الصحية وقرر وهو فى محنة المرض أن يبدع بشكل لم يسبق له مثيل بأغنيته الخالدة «موعود» مساء الأحد 18 أبريل، كان الألم يعتصره على المسرح ولكنه مبدع بدرجة هائلة، خاصة فى الكوبليه الخالد «شوف بقينا فين يا قلبى وهى راحت فين.. شوف خدتنا لفين وشوف سابتنا فين، فى سكة زمان راجعين فى نفس المكان ضايعين لاجراحنا بتهدى يا قلبى ولا ننسى اللى كان يا قلبى»، حققت الأغنية نجاحًا أسطوريًا جعل الملايين فى حالة جمال وحب غير مسبوقة. وفى نفس العام فى 19 نوفمبر 1971 أبدع «حليم» فى غناء «مداح القمر» تأليف محمد حمزة وألحان بليغ مدى، كانت حالة حب وإبداع لا يشعر بها إلا من عاش هذا الزمن حتى لو كان طفلًا لأن «حليم» كان معشوق الكبار والصغار. وفى عام 1972 توقف «حليم» عن الغناء لظروفه الصحية ولكن عام 1973 عام النشاط الفنى المكثف لعبدالحليم، فى ليلة مساء الأحد 28 أبريل 1973 ليلة شم النسيم على مسرح جامعة القاهرة أبدع عبدالحليم ثلاث أغنيات جديدة شهدت عودته لصديق عمره محمد الموجى، حيث غنى من ألحانه رائعة «رسالة من تحت الماء» و«يا مالكًا قلبى»، فضلًا عن رائعة محمد حمزة وبليغ حمدى «حاول تفتكرنى»، ليلة غنائية خالدة ولا ننسى فى هذه الليلة أن «حليم» أمتع الملايين وسقط مغشيًا عليه بين الوصلات. طبعًا لا نسأل عن الحالة فى مصر أثناء إبداع «حليم» لهذه الأغنيات وتأثيرها الشديد، لم يكتف «حليم» بذلك فى هذا العام، رغم تردى حالته الصحية بل قام ببطولة المسلسل الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة» مع نجلاء فتحى وعادل إمام وعماد حمدى وماجدة الخطيب أذيع فى شهر رمضان عام 1973، ولكن كان الموعد مع النصر العظيم فى أكتوبر 1973 ليغنى «حليم» أروع أغنيات النصر، «عاش اللى قال، الفجر لاح، لفى البلاد يا صبية» ومع مطلع عام 1974 أبدع فى غناء «صباح الخير يا سينا»، أغنيات مازالت تعيش فى وجداننا عندما نستمع إليها تشعر بنشوة المصر والفرحة والأمل الجديد. فى عام 1974، رغم تعرض «حليم» لمتاعب صحية هائلة لكنه أصر على إبداع أغنيات طويلة خاصة عندما عاد لألحان أستاذه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وفى ليلة خالدة مساء الخميس 30 يونيو عام 1974 على مسرح جامعة القاهرة غنى رائعتى «فاتت جنبنا» لحسين السيد ومحمد عبدالوهاب، و«أى دمعة حزن لا» لمحمد حمزة وبليغ حمدى، ومازالا حتى الآن موضع إعجاب الملايين فى كافة الأجيال، فعلًا عصر «حليم» هو عصر الطرب الجميل. فى عام 1975، اكتفى «حليم» برائعة محمد عبدالوهاب ومحمد حمزة «نبتدى منين الحكاية» وطبعًا كانت أغنية تحفة بمعنى الكلمة وفى شهر يونيو 1975 غنى بمناسبة عودة الملاحة لقناة السويس «حيوا اللى قال» و«المركب عدت». وفى عام 1976 كانت بداية النهاية فى حياة «حليم» اشتد المرض ولكن الإبداع أبدًا لا يتوقف، ووضع عصارة تاريخية فى غناء قصيدة «قارئة الفنجان» يوم الأحد 25 أبريل 1976، كانت أطول الحفلات فى حياة «حليم». عن «قارئة الفنجان» على مدى ثلاث ساعات ونصف الساعة، إبداع لم يسبق له مثيل ونجاح أسطورى رغم بعض المشكلات التى حدثت أثناء الحفل وغنى فى الوصلة الثانية «أهواك، توبة، أبوعيون جريئة، فى يوم من الأيام» وانتهى هذا الحفل التاريخى الساعة 6٫15 صباحًا. طبعًا تأثير ما غنى «حليم» كان طالبًا للغاية فى تلك الفترة ومازال هذا الحفل فى وجدان الملايين حتى لمن لم يعش فى تلك الحقبة، وفى 13 يناير 1977 بدأ حليم رحلة الموت فى عاصمة الضباب لندن، تدهورت حالته الصحية تمامًا وفشلت عملية الحقن السنوى ومات العندليب وسافر من غير وداع، وعمره لم يتجاوز 48 عامًا، بعد 45 عامًا من الرحيل مازال «حليم» يمتعنا ويمتع أجيالًا متعاقبة، ولم يستطع أى مطرب الاقتراب من قمة «حليم» أكثر المطربين تأثيرًا فى وجدان الملايين فى مصر والعالم العربى. ولا ننسى فى شهر أبريل 1981 بعد رحيل «حليم» ب4 سنوات كان موعد عشاقه مع قصيدة «حبيبتى من تكون» كانت بحق أغنية من العالم الآخر أسعدت الملايين من عشاق «حليم». أرقام فى حياة العندليب 1929 مولده فى قرية الحلوات بمحافظة الشرقية 1954 أول أفلامه «لحن الوفاء» 1955 قام ببطولة ثلاثة أفلام «أيامنا الحلوة، ليالى الحب، أيام وليالى» 1958 قام ببطولة فيلم «شارع الحب» 1959 قام ببطولة فيلم «حكاية حب» 1960 أغنيته الخالدة «حكاية شعب» 1962 قام ببطولة فيلم «الخطايا» 1965 اتجه للون الشعبى فى أغنيات «على حسب وداد، التوبة» 1967 عرض له فيلم «معبودة الجماهير» وأبدع فى أغنية «عدى النهار» 1969 آخر أفلامه «أبى فوق الشجرة» 1970 أول أغانيه الطويلة «زى الهوا» 1971 غنى «موعود» و«مداح القمر» 1973 عاد لألحان الموجى ب«رسالة من تحت الماء» و«يا مالكا قلبى» 1974 غنى «أى دمعة حزن لا» و«فاتت جنبنا» 1976 غنى قصيدته الخالد «قارئة الفنجان»1977 رحيله بمستشفى «كينجر كولدج»