هذه الأيام الصعبة في عمر الوطن وانفلات الأخلاق وجفاف الضمير تجعلنا نبحث عن أصحاب القلب الصافي والطلة المريحة نستأنس بهم من وحشة الأيام وقسوة الواقع بعيدا عن رحلة الاكتئاب التي تأخذنا الي الظلام. ورغم أنها فنانة تتميز برقي المشاعر والتفاؤل لأبعد الحدود وضحكتها «مضاد حيوي» لشيخوخة العقل والقلب لكن ربما كان اعتكافها في المنزل وشعورها باكتئاب وحالة «قرف» مفاجأة بالنسبة لي خاصة أنها زوجة فنان كوميدي كبير يحاول للآن صناعة البسمة والضحكة التي ضلت الطريق في زمن الخوف الذي نعيشه وهي نفسها تملك خفة ظل وقلبا حنونا يشعرك بأنها واحدة من أسرتك وطينتك.. هي النجمة دلال عبدالعزيز.. واحدة من نجمات جيل الوسط التي صنعت لنفسها مكانة فنية متميزة، تنوع أداؤها الفني.. حالة الركود الفني والأمني والأخلاقي والتوتر السائد في الشارع المصري جعلها كما قالت تعيش في حالة عزلة وملل وقرف وترقب من خلف ستائر شباك منزلها كل يوم تنتظر عودة أنوار الفنادق المحيطة بمنزلها.. لأنها تعتبرها مؤشرا لعودة الحياة والأمن والسياحة لمصر ومازالت تنتظر الأمل.. وفي عيد الأم خصتني دلال عبدالعزيز بهذا الحوار وتحدثت من قلبها وفضفضت عما بداخلها وهي تدعو في هذا اليوم بالصبر لأمهات شهداء الوطن. عرفناك بالمرح والضحكة والتفاؤل.. فكيف أنت الآن؟ - قرفانة ومكتئبة وأعيش لحظات حزن متتالية وتقريبا لا أنام بسبب ما أشهده وأسمعه من أحداث تجر البلد كل يوم للوراء.. انقسام وفرقة وقتل وانفلات أمني وأخلاقي غريب جدا وغياب تام لصوت العقل وللدولة والقانون والأمن، كل شيء كاد يتوقف والبلد علي شفا حفرة الخطر كل هذه الأزمات جعلتني أعتزل الشارع وأمكث في منزلي أتابع عبر الفضائيات ما وصلنا إليه، حتي الفن أصبح في مهب الريح.. الجميع يترقب بكرة بحذر شديد. وفي رأيك من الذي أوصلنا لهذا الحال؟ - الأنا.. واللعب علي المصالح الشخصية والكلام في هذه المسألة أصبح «زي قلته» وصدقني أنا أصبحت قليلة الكلام أتابع الأخبار المؤسفة وأهرب منها بقراءة القرآن والتسبيح والدعاء للوطن.. حسبنا الله ونعم الوكيل ليس لها من دون الله كاشفة حتي يفك ربنا كرب البلد لكن في هذه المناسبة «عيد الأم» قلبي ينزف ونفسي أزور أم كل شهيد وأمسح دمعتها وأواسيها، لكن للأسف الفوضي تجتاح الشارع من قتل وضرب وحرق لا أملك لهم إلا الدعاء وربنا يصبرهم خاصة أمهات شهداء رفح وشهداء الثورة. هل ترين أن الأم المصرية خاصة أم الشهداء يكفيها الدعاء فقط؟ - هذا أضعف الإيمان - لكن بالتأكيد هي بحاجة لدعم ومساندة الدولة والمجتمع والإعلام ولا يجب أن ننساهن وننسي محنتهن ويجب علي شباب مصر المخلصين أن يعلوا قيمة الأم ولا يكفي أن نتذكرها فقط في هذا اليوم. وأضافت: قرأت تفسيرا جميلا لتأكيد رسولنا الكريم لأحق الناس بالصحبة عندما قال «أمك ثم أمك ثم أمك» والبعض يري أن هذا التكرار للتأكيد فقط لكن المقصود به الأم التي وضعت ثم التي أرضعت ثم التي ربت وهذا تأكيد لحق الأم التي شاركت بشيء في تربية النشء.. لذلك علينا جميعا أن نتذكر أمهاتنا وآباءنا ونعود لهم بعد أن تفشت ظاهرة الجحود والنكران والتخلي عن هذه الأمانات التي في أعناقنا.. وفي هذه المناسبة أرسل برقية حب ودعاء لأم محمد الجندي والشافعي وچيكا وأمهات شهداء رفح الذين راحوا غدر وخيانة. في رأيك هل الفن مازال ينصف دور الأم ويعلي قيمته؟ - علي قدر الإمكان هناك محاولات معقولة تتماشي مع أحداث الساحة والواقع لكن بالتأكيد ليس كما شاهدنا أمهات السينما المصرية العظيمات مثل: أمينة رزق وفردوس محمد وغيرهن، وأضافت: أنا عن نفسي بدأت أعشق هذه الأدوار والحمد لله نجحت في تقديم دور الأم في مسلسل «الهروب» مع كريم عبدالعزيز في شهر رمضان الماضي ونجحت في توصيل رسالة وجعلت بعض الناس تبكي في بعض المشاهد. كيف مر عليك أنت شخصيا عيد الأم بين دينا وإيمي؟ - الحمد لله نعيش حياة أسرية مستقرة مع رجل طيب ومحترم وكل يوم يمر عليّ وسط بناتي بخير هو يوم عيد والفترة الأخيرة التي أجلس فيها في البيت كلنا جعلتنا نشعر أكثر بحميمية عيد الأم.. وكلما اقترب يوم زفاف دينا تزيد فرحتي ويزيد رعبي خوفا من فراقها وتركها للمنزل ومتأثرة جدا بهذا البعد، لكن الحمد لله ربما أكرمها بعريس محترم وابن ناس يعرف قيمتها ويقدرها وهي كذلك ونحن جميعا لهذا حدة «زعلي» علي فراقها تخف تدريجيا. ما أكثر المشاهد في الشارع المصري أثرت فيك؟ - ما آراه الآن في الشارع المصري شيء محزن وغير مصدقة لما يحدث كل الحاجات غريبة والأحداث تتصاعد بشكل محزن ومؤسف، كل شيء يدفعك للهجرة والهروب لكن هذا مستحيل يحدث فهذه بلدنا جميعا وعلينا أن نتحمل الظروف ولابد أن يأتي الأمل والخير لأن هذه البلد محفوظة بأمر الله. وفي رأيك كيف السبيل للعودة لبر الأمان؟ - عودة الضمير والدين والتسامح والحب.. لا حل إلا بالحب، العفو عند المقدرة والكاظمين الغيظ كما يقول ربنا سبحانه وتعالي. وأضافت: بصراحة مستغربة من حالة التناحر بين التيارات والأحزاب طوال عمري أعرف أن كلمة حزب معناها الوصول للسلطة لكن بصراحة هذه الأيام تري أحزابا غربية وكثيرة وليس لها دور إيجابي رغم أن بها عناصر مهمة لازم نتوحد ونعود للحب والدين والتسامح وننزع الأنا والتمسك بالرأي لمجرد الرأي وننبذ المصلحة الشخصية واللعب علي كل الحبال ونعمل فقط لهدف واحد هو مصر ثم مصر حتي نجتاز المحنة والخطر الذي نحن علي أبوابه. كثيرون يرون أن الثورة لم تكتمل فكيف ترينها؟ - بحكم انني خريجة زراعة أري أن الثورة كانت عبارة عن تغليب للتربة وهذا لمصلحة الأرض لكن للأسف طلع من النماذج المحترمة والجيدة نماذج سيئة وشريرة، الجيدة تاهت في زحمة المشاكل والتناحر وتحتاج لدعوة مخلصة للتوحد، أما النماذج السيئة التي روعت الشارع أمنيا وأخلاقيا فهي بصراحة بحاجة لخبراء نفسيين واجتماعيين لتحليل ظاهرة العنف وتدني الأخلاق والحرية المنفلتة وعدم الخوف علي البلد أومن القانون، وتضيف: والدي علمني حكمة مهمة «احترم أستاذك حبا فيه وليس خوفا منه» ونحن بحاجة لأن نحب مصر حبا فيها وليس خوفا من القانون والسلطة «والله تفرق كتير جدا» ولابد من الدعوة للحب لأنه أساس التسامح والعطاء، وأنا - والكلام لدلال - بادرت بعمل درامي قبل الثورة يدعو لهذا الحب من خلال قاضية تقف بجوار الناس في مشاكلهم وكان اسمه «الحب هو الحل» لكن رفضته الرقابة لمجرد تشابه اسمه مع شعار التيار الإسلامي «الإسلام هو الحل». لماذا اكتفت دلال عبدالعزيز بالدراما؟ - رغم عشقي للسينما وتقديمي مؤخرا أدوار جيدة ومؤثرة كان منها «عصافير النيل» لكن أنا دائما في انتظار دور جيد ومؤثر وأتمني للسينما الصمود في هذا الجو الكئيب والتراجع الكبير للفن. المسرح؟ - للأسف أعتقد أنني أنهيت مشواري مع المسرح العام بمسرحية «الأم شجاعة» عن رائعة «برخت» حول ال30 سنة حرب باردة في ألمانيا علي مسرح الهناجر لكن للأسف بعدها مات بالسكتة القلبية والمسرح الخاص وحشني وهموت وأعمل حاجة مع سمير غانم لكن للأسف لم يعد عندي طاقة للوقوف علي هذه الخشية العظيمة يوميا. هل أنت متفائلة بالموسم الدرامي هذا العام؟ - بالتأكيد العدد لن يصل لنصف عدد مسلسلات العام الماضي لأن البلد حالها كله واقف والفن هو مرآة المجتمع ويعكس كل ما يدور فيه وتراجع صناعة الدراما كارثة كبيرة علينا كفنانين فليس لنا مصدر دخل غيره وكل فنان متكفل بالكثير بجانب وجود مئات بل آلاف العاملين ويكفلون آلاف الأسر وهذا التراجع مؤثر جدا في نفسيتي ورغم ذلك متفائلة لأن صناعة الفن عموما في مصر ريادة وتميز وتفرد ولابد أن يستمر مهما واجهنا من عقبات. وماذا لديك من جديد هذا الموسم؟ - اعتذرت عن أعمال كثيرة وتوقفت فقط أمام مسلسل «بشر مثلكم» مع عمرو سعد لأول مرة ألتقيه ومع المخرج حسين شوكت، وهو دور لأم «داعية شاب» فلاحة من طين الأرض تقف بجوره ورأيت في هذا الدور أمي وبساطتها وبساطة الست الريفية لأنني من الزقازيق وأحفظ هذه الخريطة جيدا - لكن للأسف لم يخطرني أحد عن الشركة المنتجة بأي شيء جديد عن العمل ولا موعد تصويره.