كالعادة إسرائيل كما هى دائماً.. تُجِيد المراوغة والمماطلة، وتُدْمِن التلاعب والتنصل.. غير أن اثنين استطاعا أن يوقفا قادتها وكبار المراوغين فيها عند حدودهم.. الأول كان الرئيس الراحل أنور السادات.. نجا من كل محاولات الإيقاع به، ووقَّع معهم ونفَّذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، ومعاهدة السلام عام 1979.. والثانى كان الرئيس السابق حسنى مبارك.. نجا هو الآخر من محاولات الايقاع به وجره إلى دائرة مفرغة من المراوغة، واسترد طابا بالتحكيم بعيداً عن المساومات.. أدرك الرئيس مبارك بعد أن تولى مسئولية إدارة البلاد بعد مقتل الرئيس السادات أن اسرائيل تماطل فى تنفيذ انسحابها من سيناء وتحاول تأجيله، وافتعلت قضية «طابا»، وفطن لهذه المحاولات، وجرَّهُم هو إلى حيث أراد، وتحقق الانسحاب فى 25 ابريل عام 1982، غير أن منطقة «طابا» بقيت مشكلة عرض الاسرائيليون لحلها تعويضنا عنها بمساحة أكبر فى صحراء النقب المحتلة، لكن مبارك رفض وقال لهم إن «طابا» وإن كانت مساحتها سنتيمتراً واحداً، لن أستطيع التنازل عنها أو مقايضتها، فلست قيماً على الشعب، ولا مفوضاً عنه فى التصرف فى أرضه.. وعندما طلب شيمون بيريز زيارة مصر وقتها، طالبه مبارك بأن يُعْلِن موافقة اسرائيل على قبول التحكيم قبل أن يلقاه فى الاسكندرية.. وبدأ صراع تحديد السؤال الذى سيتم طرحه على المحكمة الدولية.. كانت اسرائيل تريد بحث الحدود «عموما»، ومصر تُصِر على أن يكون السؤال المطروح على المحكمة يخص علامات الحدود المتنازع على مواقعها.. وتم توقيع اتفاق قبول التحكيم، لتبدأ مصر معركة أخرى مع اسرائيل انتهت لصالحنا بحكم هيئة التحكيم الدولية فى 29 سبتمبر عام 1988، ورغم الحكم ظلت إسرائيل كعادتها تماطل في تنفيذه لمدة ستة أشهر، واستغرقت المفاوضات اللاحقة على هذا الحكم هذه الشهور الطويلة لنقل ملكية المنشآت الفندقية المقامة على أرض طابا لمصر، حتى تم فى 26 فبراير 1989 توقيع الاتفاق النهائي لخروج إسرائيل نهائياً من آخر نقطة مصرية، وتأخر حفل توقيع هذا الاتفاق 25 دقيقة للاعتراض على مساحة 4 أمتار و62 سنتيمتراً يمر فيها خط الحدود بسبب «كُشك» حراسة خرساني بناه الاسرائيليون، وتم في النهاية تقسيمه بين الطرفين، لينتهى الانسحاب فى 15 مارس 1989. وبعدها بأربعة أيام فى 19 مارس، رفع رئيس مصر العلم المصرى على آخر جزء فى سيناء دنسته اسرائيل لمدة 12 عاماً.. وبعد 24 عاماً من تطهير أراضينا، فإننى وغيرى مدينون بتحية للسادات، وتحية أخرى لمبارك فى ذكرى إعادة «طابا» .. فقد شاركا وقادا معارك الحرب والسلام لإعادة كامل أراضينا.. ويشهد لهما التاريخ بأنهما تركا مصر محررة وحُرَّة ومستقلَّة بعد احتلالها سنين طويلة..