أنتقدت مجلة "اتلانتيك" الأمريكية فى تقرير لها حمل عنوان " مكة : "تحالف غريب بين رجال الأعمال ورجال الدين فى السعودية" قيام السلطات السعودية بهدم مواقع تاريخية فى المدينة المقدسة بحجة توسعة منطقة الحرم المكى الشريف. تساءلت المجلة " كيف لهؤلاء القادة الوهابيين فى السعودية أن يسمحوا بهدم تلك المواقع المهمة والمقدسة. أشارت المجلة إلى أن صحيفة "اندبندانت" البريطانية نشرت تقريرا هذا الأسبوع ، تضمن صورا لحطام بعض أجزاء المسجد الحرام في مكةالمكرمة، وقالت المجلة إن المسجد هو أهم المواقع الدينية الإسلامية، وهو قبلة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها. و أضافت أن بعض المقاطع التى تم هدمها تعود إلى الفترة العثمانية والعباسية وهي آخر ما تبقى من أجزاء المجمع الذى يعود عمره لمئات السنين. ومن ضمن تلك المواقع التى تم هدمها ، العمود الذى يعتقد المسلمون أن النبى "محمد" (صلى الله عليه وسلم ) بدأ رحلته السماوية على "البراق" من عنده، والتي اقتادته إلى القدس والسماء في ليلة واحدة،( رحلة الاسراء والمعراج). حجة استيعاب الحجاج
وعلى الرغم من أن الحكومة السعودية تقول إن الهدم جزء من خطة لتوسيع مجمع المسجد الحرام لاستيعاب العدد المتزايد من الحجاج إلى الموقع، فإنه يبدو غريبا أن الحكومة الثيوقراطية التي يسيطر عليها رجال الدين الوهابيون المتطرفون ( حسب وصف المجلة)، تقوم بتدمير متعمد لتلك المواقع الاسلامية المقدسة. وقال كاتب التقرير بالمجلة " زفكا كرايجر" :" إنها لمفارقة وجدتها عندما زرت مكة قبل سنوات قليلة لإعداد تقرير لمجلة " نيو ريبابليك" عن التسويق التجارى المتزايد لأقدس مدينة في العالم الإسلامى" . 130 ناطحة سحاب
وألمحت المجلة الى أن هناك تقريرا صادرا عن البنك السعودي البريطاني (ساب)، وهو واحد من أكبر البنوك في المملكة، يقول إنه وفقا للتقديرات سيتم استثمار 30 مليار دولار في مشروعات البنية التحتية في مكةالمكرمة على مدى السنوات الأربعة القادمة من الشركات المحلية والأجنبية. ومن المتوقع بناء130 ناطحة سحاب جديدة، بما في ذلك مشروع البرج السابع من مشروع "أبراج البيت" العملاق الذى تصل تكلفته الى 6 مليارات دولار، وبمجرد استكماله سيكون واحدا من أكبر المباني في العالم ، حيث يضم 60 طابقا وألفى غرفة فندقية؛ ومركز للمؤتمرات يتسع ل 1500 شخص؛ ومهبطين لطائرات هليكوبتر ؛ ومركز تجارى من أربعة طوابق يضم 600 محل تجاري، وستتواجد به أكبر العلامات التجارية فى عالم الملابس والمطاعم والاكسسوارات. التحالف بين رجال الدين والمال
أكدت المجلة أنه ليس من المستغرب أن تطفو المصالح التجارية فى المدينة المقدسة ، فقد زارها حوالي 2,4 مليون حاج في عام 2008، ويقدر البعض أن العدد قد يرتفع إلى 20 مليون في غضون السنوات القليلة المقبلة. وقالت المجلة إن رجال الأعمال وتجار التجزئة وجدوا حليفا غير متوقع في رجال الدين الوهابيين الذين يعتبرون التبجيل من المواقع التاريخية شكلا من أشكال الوثنية، وسعداء لرؤية تلك المواقع تهدم. أعلن الشيخ "عبد العزيز بن باز" مفتى السعودية السابق فى فتوى عام 1994 أنه لا يجوز تمجيد المباني والمواقع التاريخية،" و أضاف: "هذا العمل يؤدي إلى الشرك لذلك من الضروري رفض هذه الأعمال وتحذير الآخرين للابتعاد عنها." فتاوى هدم القبة الخضراء ووفقا لما قاله "عرفان العلوى" المدير التنفيذى لمؤسسة "بحوث التراث الاسلامى" ، ومقرها لندن ، فأن هناك كتيبا تم نشره العام الماضى بمعرفة وزارة الشئون الاسلامية وأيده "عبد العزيز آل الشيخ" ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ووزع في المسجد النبوي، جاء فيه " يجب هدم القبة الخضراء و وتسوية المقابر الثلاثة لكل من النبى "محمد" ( صلى اله عليه وسلم) و"ابوبكر" (رضى الله عنه ) و"عمر بن الخطاب" (رضى الله عنه). وتوافق هذا الشعور الصادم مع ما جاء فى إحدى خطب الشيخ الراحل "محمد بن عثيمين" ، أحد أبرز رجال الدين الوهابيين في المملكة العربية السعودية ، الذي ألقى خطبه في المسجد الحرام في مكة لأكثر من 35 عاما ، حيث قال: " نأمل في يوم من الأيام أن نكون قادرين على هدم القبة الخضراء للنبي "محمد " ( صلى الله عليه وسلم )، وفقا للتسجيل الموجود لدى مؤسسة " بحوث التراث الاسلامى ". قالت المجلة إن التحالف غير المقدس يعني أن عددا قليلا من علماء الآثار والمهتمين بالحفاظ على البيئة، وكذلك المنظمات غير الحكومية الأجنبية، هي الأصوات الوحيدة فقط التى تحاول منع تدمير هذه المواقع. و أضافت أن عمليات الهدم الأخيرة في المسجد الحرام ليست سوى أحدث ضحايا تقاطع المصالح. التجارية والدينية: هدم 300 موقع ويقدر "سامي عنقاوي"، المؤسس والمدير السابق لمركز بحوث الحج فى مكة، والمناهض الأكثر صخبا لهدم المواقع التاريخية في مكة، عدد المواقع القديمة التى تم هدمها فى مكةوالمدينة بأكثر من 300 موقع حتى عام 2008، مثل بيت الخليفة الأول، أبو بكر، الذى سوي بالأرض لإفساح المجال أمام فندق هيلتون مكةالمكرمة. وقال "ايفور ماكبرني"، المتحدث باسم "هيلتون" : " لقد رأينا فرصا هائلة للاستفادة من شريحة السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية". احتجاجات غربية واحتج العديد من الجماعات المناهضة لتدمير المواقع الأثرية مثل المجلس الأعلى الإسلامي في أمريكا والمؤتمر الإسلامى الكندى، على قيام السلطات السعودية بتدمير مئات الآثار، مثل القلعة التاريخية العثمانية المهمة التى تعود للقرن الثامن عشر في مكةالمكرمة، والتى تم هدمها لإفساح الطريق أمام مشروع " أبراج البيت " الفندقى ، وقد أدان وزير الخارجية التركي هدم القلعة العثمانية و وصف ما حدث بأنه "إبادة ثقافية". وتم مؤخرا هدم منزل قديم يعود للنبى "محمد" ( صلى الله عليه وسلم ) لإفساح المجال أمام مشروع مرفق المراحيض العامة. كما تم هدم مسجد قديم يعود لأبي بكر واستبداله بجهاز صراف آلى " ATM". وحتى مواقع المعارك التاريخية التى خاضها النبى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في أحد وبدر، مهدت لتكون موقف للسيارات. وختمت المجلة بالقول إن المواقع الدينية والتاريخية المتبقية في مكةالمكرمة أصبحت تعد على الأيدى الواحدة تقريبا" . ونقلت عن "عنقاوي" قوله : "إنه أمر لا يصدق كيف لا يتم احترام بيت الله الحرام." التسوق وقضاء العطلة ووفقا لمعهد الخليج ومقره واشنطن، تم هدم ما يقرب من 95 % من المباني التى تجاوز عمرها ألف عام فى مكة في العقدين الماضيين فقط. وعندما تم سؤال حبيب زين العابدين، نائب وزير الشؤون البلدية والقروية بالسعودية ورئيس جميع مشاريع البناء ذات الصلة بالحج في المملكة، عن هدم المواقع التاريخية في مكةالمكرمة، بدى غير مبال عن أهميتها الدينية، وكان الأكثر أهمية بالنسبة له أن الحج " فرصة جيدة لزيارة مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، والقيام ببعض التسوق، وقضاء العطلة ".