أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الثلاثاء 17 يونيو    ارتفاع أسعار الذهب بعد دعوة ترامب إلى إخلاء طهران فورا    الشرطة الإسرائيلية تعتقل أشخاصا أحضروا كاميرات لبث مباشر لضربات على ميناء حيفا    مقتل جندي من جولاني في خان يونس وإصابة 4 آخرين بجروح خطيرة    أراسكايتا رجل مباراة فلامنجو ضد الترجي في كأس العالم للأندية    ماريسكا: أجواء مواجهة لوس أنجلوس كانت غريبة بسبب غياب الجماهير.. ومباراة فلامنجو مختلفة    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    62 ألف طالب بالثانوية العامة في الشرقية يؤدون اليوم امتحان اللغة الأجنبية الثانية    «سكاي أبوظبي»: 240 مليار جنيه مبيعات مشروع «رأس الحكمة»    بعد أزمة الاستبعاد.. جلسة صلح بين ريبيرو ونجم الأهلي في أمريكا (تفاصيل)    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 17-6-2025 مع بداية التعاملات    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    تركي آل الشيخ يطرح بوستر جديد لفيلم «7DOGS» ل أحمد عز وكريم عبدالعزيز    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    8 أطعمة تصبح أكثر صحة عند تبريدها، والسر في النشا المقاوم    5 تعليمات من وزارة الصحة للوقاية من الجلطات    فاروق حسني يروي القصة الكاملة لميلاد المتحف المصري الكبير.. ويكشف رد فعل مبارك    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    «إرث الكرة المصرية».. وزير الرياضة يتغنى ب الأهلي والخطيب    خامنئي يغرد تزامنا مع بدء تنفيذ «الهجوم المزدوج» على إسرائيل    تفاصيل العملية الجراحية لإمام عاشور وفترة غيابه    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    سحر إمامي.. المذيعة الإيرانية التي تعرضت للقصف على الهواء    وكالة إس إن إن: إيران تعتزم مهاجمة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية حساسة    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    تفاصيل محاضرة ريبيرو للاعبي الأهلي    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    حرب إسرائيل وإيران.. البيئة والصحة في مرمى الصواريخ الفرط صوتية والنيران النووية    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    مباحث الفيوم تتمكن من فك لغز العثور على جثة شاب مقتول بطلق ناري    محاكمة تشكيل عصابي متهم بسرقة المواطنين بالإكراه ببولاق أبو العلا اليوم    العثور على جثة مسنّة متحللة داخل شقتها في الزقازيق    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    طلاب الثانوية العامة يؤدون امتحاني اللغة الأجنبية الثانية للنظام الجديد والاقتصاد والاحصاء القديم.. اليوم    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    أخبار 24 ساعة.. الوزراء: الحكومة ملتزمة بعدم رفع أسعار الوقود حتى أكتوبر    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجمهورية الجديدة.. تحديات الأمن القومى وإنجازات سياسة مصر الخارجية (4–5)
محمود على يكتب:
نشر في الوفد يوم 16 - 02 - 2022

حماية الدولة الوطنية ومكافحة الإرهاب أولوية الجمهورية الجديدة
السياسة الخارجية لمصر تقوم على استقلال القرار الوطنى وبناء الداخل
الانفتاح على الصين واليونان وقبرص لدعم مشاريع التنمية الاقتصادية
إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.. قضية مركزية لمصر
فى الحلقة الماضية من ملف الجمهورية الجديدة، تناولنا التحديات الاقتصادية والاجتماعية التى واجهتها ومدى الإنجازات التى نجحت فى تحقيقها حتى الآن فى ظل ظروف داخلية وخارجية معقدة، خاصة مع انتشار جائحة كورونا.
واليوم نعرض لأخطر التحديات التى واجهت الدولة المصرية فى أعقاب ثورة 30 يونيو وإسقاط شرعية الرئيس المعزول محمد مرسى، وتأسيس شرعية الجمهورية الجديدة بانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى تمثل فى المخاطر التى هددت الأمن القومى المصرى وكيف نجحت سياسة مصر الخارجية فى مجابهة هذه المخاطر والانتصار عليها، بل وإعادة مصر إلى مكانتها المتميزة على الصعيدين الإقليمي والدولى.
ولكن بداية نشير إلى كلا من مفهومى السياسة الخارجية والأمن القومى، ومدى الارتباط بينهما لبيان الإطار العام لمحددات السياسة الخارجية المصرية ودورها فى حماية الأمن القومى للبلاد بعد ثورة 30 يونيو فى ظل ظروف داخلية وإقليمية ودولية استثنائية وبالغة التعقيد.
وقد عرف د. كورت فالدهايم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة السياسة الخارجية بأنها «السياسة الخارجية لدولة من الدول تحدد مسلكها تجاه الدولة الأخرى، أى أنها البرنامج الذى يسعى لتحقيق أفضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية التى لا تصل إلى حد الحرب»، بينما يلخصها البعض فى أنها «مجموع نشاطات الدولة الناتجة عن اتصالاتها الرسمية مع مختلف فواعل النظام الدولى، وفقا لبرنامج محكم التخطيط ومحدد الأهداف، والتى تهدف إلى تغيير سلوكيات الدول الأخرى أو المحافظة على الوضع الراهن فى العلاقات الدولية، كما أنها تتأثر بالبيئتين الداخلية والخارجية».
بينما عرف وزير الخارجية الأمريكى السابق هنرى كيسنجر الأمن القومى بأنه «أية تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه فى البقاء»، ووصفه السياسى ووزير الدفاع الأمريكى الأسبق روبرت ماكنمارا بأنه «هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التى لا تنمو فى الواقع، لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة».
وقد ارتبط مفهوم السياسة الخارجية للدولة بمفهوم الأمن القومى، كما تشير الموسوعة السياسية باعتبار أن السياسة الخارجية لدولة تهدف لتحقيق أهداف ومصالح الدولة، وان اعتبرت أن مفهوم الأمن القومى أوسع واشمل لأنه يتناول الأمن للدولة كوحدة واحدة، باعتباره يسعى لحماية قيم الدولة وحفظ سلامتها وتحقيق مصالحها فى سواء فى مواجهة تهديدات الداخل أو الخارج، وبرزت أهمية هذا الارتباط مع ظهور عصر العولمة، والذى تعد أهم مظاهره تراجع مفهوم سيادة الدولة وتناقص استقلالية قرارها الوطنى لصالح قوى إقليمية أو دولية، سواء كانت دولا أو منظمات دولية مثل البنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية أو شركات عالمية خصوصا فى المجال الاقتصادى.
وطبقا للموسوعة السياسية يعبر استخدام مصطلح الأمن القومى عن مجموعة أدوار الدولة التى تتخذها لضمان سلامة الإقليم والحفاظ على مكتسبات الشعب فى مواجهة كل الأخطار، سواء كانت داخلية أم خارجية، وأهمها البعد السياسى المتمثل فى الحفاظ على الكيان السياسى للدولة بتماسك الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى والوحدة الوطنية داخليا، أو مواجهة أطماع أو تعارض المصالح المختلفة مع الدول الكبرى والقوى الإقليمية سواء فى أراضى الدولة ومواردها، وكذلك البعد الاقتصادى الذى يهدف لتنمية واستخدام كافة موارد الدولة لتحقيق النمو الاقتصادى والتقدم التكنولوجى وتنمية التبادل التجارى وتصدير العمالة والنقل الأفقى للتكنولوجيا وتوطينها وبخاصة التكنولوجيا العالية والحيوية، بما يحقق التنمية والرفاهية للشعب ويحقق المصالح الأمنية للدولة ويكفل لها قوة الردع الاستراتيجية.
بالإضافة إلى البعد الاجتماعى الذى يسعى لتوفير الأمن للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية وتطوير الخدمات وتعزيز الوحدة الوطنية ودعم الإرادة القومية وإجماع شعبها على مصالح وأهداف الأمن القومى والتفافه حول قيادته السياسية، ثم البعد العسكرى من خلال بناء قوة عسكرية قادرة على تلبية احتياجات التوازن الاستراتيجى العسكرى والردع الدفاعى على المستوى الإقليمى لحماية الدولة من العدوان الخارجى والدفاع عن مصالحها، والقوة العسكرية هى الأداة الرئيسية فى تأييد السياسة الخارجية للدولة وصياغة دورها القيادى وبخاصة على المستوى الإقليمى.
وأخيرا البعد الثقافى القائم على حماية الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم، وهو الذى يعزّز ويؤمّن انطلاق مصادر القوة الوطنية فى كافة الميادين فى مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية، ويوسّع قاعدة الشعور بالحرية والكرامة وبأمن الوطن والمواطن، والقدرة على تحقيق درجة رفاهية مناسبة للمواطنين وتحسين أوضاعهم المالية بصورة مستمرة
فالأمن القومى يعني «تمكين الشعب من ممارسة منظومة القيم الخاصة به على أرضه المستقلة» وأمام التعدد فى الأبعاد، يمكن القول إن الهدف الرئيسى للأمن القومى هو التركيز على قيمة الإنسان، فالقاعدة الشعبية العريضة هى ركيزة الأمن.
وفى هذا السياق، يتفق أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية على أن السياسة الخارجية لأى دولة هى انعكاس لمدى قدرة وقوة الدولة الداخلية وكل منهما امتداد للأخرى، كما يقول الدكتور على الدين هلال، ويشكلان معا تجسيدا للأمن القومى للدولة بكل أركانه فى التطبيق العملى، لذلك يشير الدكتور على عباس إلى ارتباطهما معا برابط وثيق تفاعلى ولا يمكن تصور انفصالهما أو انعدام التأثير المتبادل بينهما، وكل منهما تساند الأخرى لتطبيق قيم الدولة وتحقيق احتياجاتها وضمان مصالحها، فالسياسة الخارجية تتأثر بظروف الواقع الجغرافى والتاريخى والاقتصادى والثقافى وبالقوة الفعلية للدولة.. أى أن الدولة القوية اقتصاديا وعسكريا والمتماسكة داخليا قادرة على ممارسة سياسة خارجية مستقلة وفعالة ومؤثرة.
وبعد اندلاع ثورة 25 يناير عانت مصر من اضطرابات سياسية داخلية عنيفة وتدهور اقتصادى كارثى انعكس سلبا على مجمل السياسة الخارجية المصرية، خاصة مع وصول جماعة الإخوان للحكم، والذى هدد كما يقول الدكتور احمد يوسف «بقطيعة تامة مع تقاليد السياسة الخارجية المصرية بإعلاء مشروع الجماعة الذى يستبدل بأولوية الانتماء الوطنى والعربى أولويات التنظيم الدولى للإخوان المسلمين»، يضاف لذلك محاولة تصدير نموذجهم للأقطار العربية، ما أدى لتدهور العلاقات بين مصر وعدد كبير من الدول العربية خاصة السعودية والإمارات.
وفى أعقاب ثورة 30 يونيو وإسقاط شرعية الرئيس المعزول محمد مرسى، وتأسيس شرعية الجمهورية الجديدة بانتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، عانت الجمهورية الجديدة من الحصار والضغوط، نظرا لعدم تفهم العديد من الدوائر الإقليمية والدولية طبيعة ثورة الشعب فى 30 يونيو وإسقاطه لنظام المعزول، فقد جمد الاتحاد الإفريقى عضوية مصر به، وسعت الدوائر الغربية والأمريكية إلى فرض عقوبات على مصر، فى ذات الوقت كان الأمن القومى مهددا فى الداخل من عمليات الإرهاب التى شنتها جماعة الإخوان وحلفائهم فى محافظات مصر وخصوصا سيناء، ومهددا فى حدوده ففى
الشرق كانت قضية الإنفاق التى تستخدمها حركة حماس الموالية للإخوان فى تهريب السلاح والإرهابيين، وفى الغرب كانت جماعة الإخوان الليبية وحلفاؤهم من التنظيمات الإرهابية قد سيطروا على العديد من المدن الليبية التى أصبحت مأوى للإرهابيين والمتطرفين الهاربين من مصر واستخدمت الحدود اللبيبة الشاسعة لشن هجمات إرهابية داخل مصر.
وفى الجنوب فى السودان كان نظام عمر البشير وقيادات حزب المؤتمر الإخوانى يثيرون الأزمات مع مصر، ويستضيفون الهاربين من الإرهابيين المحسوبين على جماعة الإخوان والتيارات المتطرفة، بينما كان المتطرفون الحوثيون فى اقصى الجنوب فى اليمن يستولون على السلطة ويشعلون نيران الحرب الأهلية ويهددون الملاحة فى مضيق باب المندب.
وكما روى السفير نبيل فهمى، وزير الخارجية الأسبق، فى مذكراته التى صدرت بعنوان «في قلب الأحداث» نجحت السياسة الخارجية لمصر فى استعادة توازنها، وكانت البداية بمنع محاولات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من تدويل هذه القضية أو طرحها للنقاش فى إطار دولى أو متعدد الأطراف، مع فتح حوار مع دول الاتحاد الأوروبى خصوصا فرنسا وإسبانيا وبريطانيا واليونان وإيطاليا وألمانيا، لشرح لهم حقيقة ما جرى، كما وضعت خطة عمل عبر الزيارات المكثفة لدول شرق وغرب ووسط وشمال افريقيا، وتبنى رؤساء الجزائر وأوغندا وتنزانيا والسنغال ونيجيريا إلغاء قرار تجميد عضوية مصر والذى تم فى أعقاب انتخاب الرئيس السيسى رئيسا للبلاد.
ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الجمهورية انطلقت السياسة الخارجية المصرية وفقا لاستراتيجية تضيف لأبعادها وأهدافها التقليدية أبعادا ورؤى جديدة، والملاحظ أن الانفتاح الذى شهدته أجندة السياسة الخارجية المصرية شارك فيه وبقوة الرئيس عبد الفتاح السيسى مباشرة، وفى خطاباته حدد الملامح الرئيسية لهذه الاستراتيجية والتى تقوم على استقلالية القرار الوطنى والرفض التام للتدخل فى شأننا الداخلى، والحفاظ على الدولة الوطنية واحترام سيادتها، ومكافحة الإرهاب.
مؤكدا أن نجاح هذه الاستراتيجية لن يتأتى دون العمل والبناء فى الداخل، وان أهدافها إعادة إحياء دور مصر الرائد إقليميا والفاعل دوليا، والإسهام المباشر فى تحقيق أمن واستقرار المنطقة والأمة العربية والحفاظ على دور مصر الرائد فى مختلف دوائر السياسة الخارجية المصرية.
واحتلت أولوية الحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية أهمية كبرى فى هذه الاستراتيجية، خاصة فى ظل الانفجارات الداخلية والتدخلات الخارجية التى تعرضت لها معظم البلدان العربية، وأدت لانهيار الدولة الوطنية بها، واعتبر السيسى أن «مفهوم الدولة الوطنية القوية المتماسكة، مهدد بعوامل اضطراب متعددة، يكمن جوهرها فى الانقسام والتشرذم بأنواعه المختلفة، سواء كان طائفيا أو سياسيا أو عرقيا.... وهو ما يؤكد أنه لا غنى عن إعلاء مفهوم الدولة الوطنية، الجامع الذى لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد، ويحول دون التدخل فى الشئون العربية.»، مشيرا إلى ما حدث فى العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والصومال.
وتبنت الاستراتيجية كما عبر عنها السيسى دعم مصر بكل قواها: «كل الجهود الرامية لتسوية أزمات المنطقة، بما يحافظ على وحدة وسيادة الدول الوطنية وسلامتها الإقليمية، وحمايتها من قوى التطرف والتشرذم الطائفى، وترفض رفضا قاطعا كل محاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، أو إذكاء وتأجيج الفتن الطائفية، التى تمثل البيئة الخصبة لنمو الإرهاب وانهيار الدولة الوطنية».
وكان من الطبيعى فى ظل هذه الاستراتيجية الرامية إلى الحفاظ على الدولة الوطنية، أن تتصدر قضية محاربة التطرف والإرهاب الأجندة الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية، حيث باتت مسألة مكافحة الإرهاب هدفا أساسيا لها، واعتبر الرئيس السيسى أن انتشار مخاطر الإرهاب والتطرف، يشكل ضغوطا كبيرة على مفهوم الدولة الوطنية، ويؤدى لانهيار مؤسساتها وإهدار امن ومقدرات واستقرار الشعوب، داعيا المجتمع الدولى إلى التكاتف والعمل على اقتلاع جذور تلك الظاهرة البغيضة التى باتت المعوق الرئيسى لتحقيق التنمية، وان الإرهاب أصبح من أكبر التحديات التى تواجه الأسرة الإنسانية فى عصرنا الحالى، حيث تنتهك هذه الظاهرة الحقوق الأساسية للمواطنين وفى مقدمتها الحق فى الحياة وتعيق جهود الحكومات نحو بلوغ الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعوبها.
كما طالب بضرورة تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مشيرا إلى أن هناك دولا تغض الطرف عنهم، وأحيانا تقوم بدعمهم ماليا او بتوفير الملاذات الآمنة لهم، بهدف تحقيق أهداف سياسية ومطامع إقليمية، مشددا على أهمية محاسبة الدول التى ترعى الإرهاب، وتحتضن عناصره، وأنه «لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا من خلال مواجهة الفكر التكفيرى والمتطرف، المتسبب فى تلك الظاهرة البغيضة وذلك فى إطار مقاربة شاملة لا تقتصر فقط على المواجهة الأمنية للإرهابيين وتنظيماتهم بل تشمل أيضا أبعادا اقتصادية واجتماعية وتنموية وفكرية تجفف منابع الإرهاب.. وتعالج الظروف والعوامل التى تدفع البعض إلى هذا الطريق الإجرامى.. وهى مقاربة كما تتطلب جهدا وطنيا فإنها تستلزم تعاونا دوليا».
والحقيقة أن الأهداف الجديدة لاستراتيجية السياسة الخارجية المصرية والمتمثلة فى الحفاظ على الدولة الوطنية، ومحاربة التطرف والإرهاب، حكمت مواقف الجمهورية الجديدة تجاه القضايا العربية، حيث برزت الدائرة العربية كأحد اهم توجهات السياسة الخارجية المصرية فى الجمهورية الجديدة، من خلال السعى للحفاظ على الأمن القومى العربى، عبر التأكيد على ضرورة ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، وتعزيز التضامن والتعاون العربى، وتبنى مبدأ الاحترام المتبادل والامتناع المتبادل عن التدخل فى الشئون الداخلية. وانطلاقا من هذه المبادئ جاء موقف مصر الثابت من الأحداث والصراعات والحروب الأهلية التى تشهدها بعض البلاد العربية.
ففى سوريا ارتكز الموقف المصرى كما عبر عنه السيسى على دعم جهود المبعوث الأممى بغية التوصل لتسوية سلمية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذى يمثل المرجعية الرئيسية للتسوية السياسية بكافة مكوناتها وعناصرها، والتمسك بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى السورية وسلامتها الإقليمية، ورفض محاولات بعض الأطراف الإقليمية لفرض الأمر الواقع عبر انتهاك
السيادة السورية إدانتنا لأى تواجد عسكرى غير مشروع على الأراضى السورية، ومحاولة إجراء تغييرات ديموغرافية قسرية فى بعض مناطق البلاد، وأهمية مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية وضرورة التصدى لها، لكى يستعيد الشعب السورى الشقيق أمنه واستقراره، كما تسعى مصر لإعادة سوريا لمقعدها فى الجامعة العربية لمنحها مزيدا من الدعم والشرعية فى مواجهة التنظيمات الإرهابية.
كما قامت محاور السياسة الخارجية المصرية فى الأزمة الليبية والتى أشار اليها السيسى على ضرورة الالتزام بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لضمان قيام سلطة مستقرة تعبر عن إرادة الشعب الليبى واستعادة الاستقرار الدائم، وتحقيق السلم الاجتماعى، والحفاظ على الهوية والنسيج الوطنى من خلال إتمام المصالحة الوطنية الشاملة، والاهتمام بالتوزيع العادل للثروات، لتحقيق التنمية الشاملة فى سائر أقاليم ليبيا، وضمان الاستفادة المثلى من موارد ليبيا، واستعادة ليبيا لسيادتها، ووحدتها بانسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد، بدون استثناء أو تفرقة او مماطلة، وتوحيد مؤسسات الدولة وبناء قدراتها، التزام الأطراف الفاعلة بالتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع، باستخدام القوة العسكرية أو المادية، وعدم توفير ملاذات آمنة، أو أى شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دولة إلى أخرى.
وفى ذات السياق، دعمت مصر خيارات الشعب السودانى وإرادته الحرة فى صياغة مستقبل بلاده، وعبر السيسى عن رؤية مصر لدعم المرحلة الانتقالية من خلال الدعوة إلى ضرورة قيادة الأطراف السودانية نفسها لكافة جهود إحلال السلام والاستقرار على أراضيها، طبقا لتوافق وطنى شامل يستند إلى الأولويات الوطنية للشعب السودان، وبناء الجيش الوطنى الموحد، باعتباره الركيزة الأساسية لضمان السلام والاستقرار بها، ومساندة جهود نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة دمجهم، وإعلاء مبدأ المواطنة بناءً على توافق وطنى يشمل أبناء السودان كافة، للحفاظ على النسيج الواحد للشعب السودانى والتصدى لمحاولات بثّ الفرقة والانقسام، وتحقيق الاستقرار الاقتصادى والتخلص من ديونه المتراكمة وتخفيف أعبائه التمويلية، ودعم حق السودان فى بسط سيادته على كامل أراضيه.
احتلت القضية الفلسطينية مكانتها كقضية مركزية بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية، وتبلورت مواقف مصر كما شدد عليها السيسى فى التأكيد على ضرورة الوصول لحل عادل مستند إلى قرارات الشرعية الدولية، يفضى لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن المبادرة العربية للسلام تصلح أساسا للتفاوض وبدء مرحلة جديدة فى الشرق الأوسط، مع التزام مصر بعدم قبول إلا ما يقبله الفلسطينيون أنفسهم، والتحذير من خطورة تداعيات محاولات تغيير الوضع الديموغرافى لمدينة القدس، ودعوة المجتمع الدولى للتصدى للإجراءات الاستيطانية التى تقوض أسس التسوية وحل الدولتين التى تبنتها القرارات الدولى، والعمل على إنهاء الانقسام الفلسطينى الداخلى بين فتح وحماس، وفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين ولإيصال المساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطينى، العمل على تثبيت وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلى، وتخصيص مبلغ 500 مليون دولار لعملية إعادة الأعمار فى قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلى الأخير، ودعم القطاع الطبى فى مواجهة جائحة كورنا، ودعوة المجتمع الدولى لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطينى وإيصال المساعدات الإنسانية إليه.
وانطلاقا من مفهوم الأمن القومى المصرى شهدت السياسة الخارجية لمصر فى أفريقيا زخما كبيرا فى عهد الجمهورية الجديدة، أعاد لمصر دورها الريادى المتميز على الساحة الأفريقية، فلأول مرة تتولى مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى عام 2019، وشارك الرئيس السيسى فى عدد من القمم الإفريقية، وزار العديد من دول القارة، وتولت مصر رئاسة لجنة الرؤساء الأفارقة للتغير المناخى المعنية بصياغة موقف إفريقى موحد إزاء مسألة تغير المناخ، كما قامت بتأسيس الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية لدفع علاقات الشراكة والتعاون مع الدول الإفريقية.
كما دفعت بقوة لإنشاء اتفاقية التجارة الحرة القارية بهدف رفع معدل التجارة البينية الأفريقية، وتحقيق التكامل الإنتاجى والصناعى، وتحرير التجارة فى السلع والخدمات، وتوفير الضمانات التجارية اللازمة، وخلق البيئة الاستثمارية المواتية.
وسعت مصر لتذليل المعوقات التى تواجه تعميق العمل الأفريقى المشترك، كما أشار السيسى، من خلال التركيز على تعزيز جهود تحقيق التكامل الإقليمى فى أفريقيا من خلال تطوير البنية التحتية الأفريقية، وتعظيم المشروعات العابرة للحدود، وتشجيع الاستثمارات فى هذا المجال، لا سيما فى إطار المشروعات المدرجة ضمن أولويات الاتحاد الأفريقى كمشروع ربط القاهرة بريا بكيب تاون، ومشروع الربط الكهربائى بين الشمال والجنوب، وربط البحر المتوسط ببحيرة فكتوريا، ودفع الاندماج القارى عبر تسريع وتيرة إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، لخفض أسعار الكثير من السلع، وزيادة تنافسية القارة الأفريقية على المستوى العالمى، واستكمال المنظومة التجارية والاستثمارية والاقتصادية الأفريقية، والسعى لتوفير المزيد من فرص العمل للشباب، من خلال حشد الاستثمارات الوطنية والدولية وجذب رؤوس الأموال وتوطين التكنولوجيا.
وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة تمسكت السياسة الخارجية المصرية كما عبر السيسى بالحوار والتفاوض سواء المباشرة او التى تمت برعاية شركاء دوليين مثل الولايات المتحدة والبنك الدولى، وأمام التعنت الإثيوبى لجأت مصر لمجلس الأمن للاضطلاع بمسئولياته فى هذا الملف، كما سعت لدعم وتعزيز جهود الوساطة الإفريقية.. عن طريق دور فاعل للمراقبين من الأمم المتحدة والدول الصديقة، وتهدف مصر للوصول سريعا «لاتفاق شامل متوازن، وملزم قانونا، حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى، اتساقًا مع البيان الرئاسى الذى أصدره مجلس الأمن فى سبتمبر 2021، بما من شأنه تحقيق أهداف إثيوبيا التنموية»، مع الحد من الأضرار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لهذا السد على مصر والسودان فى اطار احترام قواعد القانون الدولى.
وفى سياق الانفتاح على الأقطاب المتعددة التى انتهجتها السياسة الخارجية المصرية فى ظل الجمهورية الجديدة، عززت مصر عبر زيارات السيسى علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع اهم الدول الآسيوية وخصوصا الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة.
وشهدت العلاقات الثنائية بين مصر والصين على وجه التحديد ما وصفه السيسى بالارتقاء إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، ودعم مصر لمبادرة الرئيس الصينى «الحزام والطريق» لإعادة إحياء طريق «الحرير»، ودعا السيسى الصين لاعتبار مصر قاعدة للاستثمار والتصنيع والتجارة للوصول إلى أسواق قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا، من خلال اتفاقيات التجارة الحرة التى تجمع مصر مع دول الاتحاد الأوروبى والكوميسا والدول العربية، والاستفادة من موقعها الاستراتيجى لبناء صناعات مشتركة ومتطورة للوصول لأسواق مختلفة بطاقة استهلاكية تماثل حجم السوق الصينى، مع الاستثمار المباشر للانتفاع بالمزايا التى تقدمها منطقة قناة السويس والمناطق الصناعية الجديدة فى المحافظات المختلفة ودعا الشركات الصينية للمشاركة فى المشروعات القارية الكبرى، ومنها مشروع بناء الطريق القاهرة كيب تاون، ومشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وأننا نؤكد ترحيبنا بمساهمة الصين فى هذه المشروعات. وفى المقابل قيام الصين باتخاذ المزيد من الخطوات لتشجيع الصادرات المصرية إلى الصين وتسهيل إجراءات نفاذها إلى السوق المحلى الصينى، بما يساهم فى تقليل عجز الميزان التجارى، وتشجيع السياحة الصينية إلى مصر فى ظل ما تمتلكه من مقاصد سياحية متنوعة.
وكان من اهم الدوائر الجديدة التى انفتحت عليها السياسة الخارجية المصرية حماية لمفهوم الأمن القومى، دائرة منطقة شرق البحر المتوسط، والتى بدأت بإنشاء منظمة دول غاز شرق المتوسط، وتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، وتدشين آلية للتعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، وهو ما وصفه السيسى «بتنسيق جهود الدول الثلاث لمواجهة التحديات الكبيرة التى يشهدها جوارنا الإقليمى المباشر أو الساحة الدولية ككل.، والارتقاء بها على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، وتنسيق المواقف حيال القضايا ذات الأولوية إقليميا ودوليا، سعيا لتعظيم المصالح المتبادلة بيننا وتعزيز الاستفادة من الفرص المتاحة، وبما يسهم فى التصدى للتحديات الراهنة التى تواجه أمننا القومي».
وهكذا عبرت السياسة الخارجية لمصر فى ظل الجمهورية الجديدة عن مفاهيم جديدة ارتبطت بأبعاد مختلفة كانت غائبة ولفترة طويلة عن دوائر هامة شكلت تهديدا للأمن القومى المصرى ولوجود الدولة المصرية، ونجحت فى خلال فترة قصيرة فى إعادة الاعتبار لمكانة مصر فى دوائر مجالها الحيوى، وكان من الواضح أن ذلك التأثير الفعال قد ارتبط ارتباطا وثيقا بعملية إعادة بناء مصر داخليا اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، وباتت لاعبا لا غنى عنه فى هذه القضايا الهامة ذات التأثير المباشر على امنها القومى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.