أرض الكنانة ملاذ للغرباء والمضطهدين على مدار التاريخ المصريون قادرون على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء أرض الكنانة تساند جيرانها فى أزمنة المجاعات «خير أجناد الأرض».. حائط صد منيع ضد أعداء الإسلام والمسلمين لقد خصّ الله تعالى مصر بخاصية مهمة.. هى اتصافها بالأمن والأمان، مصداقا لقوله تعالى (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، ولا غرابة فى ذلك بالنظر لما لهذا البلد من دور خاص فى الدفاع عن الإسلام وتبليغ رسالته، لذلك جاءت هذه الآية لتحمل حكما وإعلانا من المولى عز وجل بأنه جلت قدرته قد كفل لمصر وأهلها الأمن والأمان على الدوام والاستمرار، ومن ثم فإن مصر كانت وما زالت وستظل بعون من الله وفضله بلد الأمن والأمان.. ما دام لهذا الوجود من وجود، لأن قول المولى عز وجل مطلق ولا يحده زمان ولا مكان، ولا يقتصر على فترة دون سواها. وليس ذلك الأمن والأمان قاصراً فقط على أهل مصر، بل إن مصر كانت أيضاً وستظل حصن الأمن والأمان وملاذا للحماية، وواحة للاستقرار، لكل من يفتقد ذلك خارجها، ويطلب أن يلوذ بحماها عندما تعصف رياح الإرهاب والفزع والترويع والحروب والتقلبات والمجاعات والأوبئة بالبلاد التى حولها، مصداقا لقوله تعالى على ألسنة إخوة سيدنا يوسف: «يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضر، وجئنا ببضاعة مزجاة فأوفِ لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين»، وهو ما يؤكد أن مصر كانت تتصدق بما لديها من خيرات على كل من كان يلجأ إليها من جيرانها عندما كانت تلم بهم الملمات. وكما حدث فى الماضى ويحدث اليوم وسيحدث فى المستقبل، فمازالت الناس من حول مصر يلجأون إليها فرادى وجماعات كلما ضاقت بهم الدنيا، وافتقدوا الأمن والأمان فى بلادهم، وكانوا أهلاً له، فيجدون مصر تفتح لهم أذرعها، تؤويهم وتنشر عليهم رداء الأمن والأمان الذى يفتقدونه خارجها وينشدونه داخلها، وهى لا تبغى من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. وما ذلك إلا لأن الحفظ الإلهى لمصر كان ومازال فى حكم القدر الإلهى المقدور، حيث يدفع المولى عز وجل عن مصر إرادة السوء التى تراد بها من أعدائها أيا ما كان مكانها وحجمها وخطر القائمين بها. ولقد روى لنا التاريخ -كما يروى لنا الحاضر- كيف انتشرت الحروب الأهلية والنزاعات والصراعات الدموية التى تزهق فيها أرواح الملايين، وتسال فيها الدماء أنهارا فى العديد من بلدان العالم من حول مصر، ليس ذلك فقط، بل إن المجاعات والجفاف والفيضانات والأعاصير.. إلى غير ذلك من الكوارث غير الطبيعية، والتى تعكس صورا من النقم الإلهية، تعصف بالكثير من بلدان العالم، بينما النادر منها -مثل زلزال عام 1992- يمر بمصر مشمولا بلطف الله ورحمته بهذا البلد الآمن وأهله، ويكون ذلك لحكمة إلهية عظمى يدركها أهلها بعد حين، وكواقع ملموس فى حياة مصر عبر تاريخها الطويل. مستودع كنوز الأرض: ولأن مصر هى المنسوبة لذات الله تعالى، وهى مبعث حضرات رسل الله ومهد الرسالات بدين الله الإسلام، لذلك فقد خصها المولى عز وجل بخاصية عظيمة أخرى، وهى أن جعلها مستودعا لخزائن الأرض جميعا من خيرات وثروات مادية ومعنوية.. يوضح تلك الحقيقة آية قوله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام «اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم». ولما كانت الخزائن لا تحوى إلا كل ما هو نفيس وغالٍ، فإننا يمكن أن ندرك المعنى المراد من استخدام هذا التعبير القرآنى فى هذه الآية، والتى تعنى أن مصر تحوى كنوز الأرض كلها، بل أفضل وأغلى وأثمن هذه الكنوز.. نجدها فى أرضها وفى مائها وسمائها وفى جوها وفى أبنائها، بل وفى تاريخها العريق وحاضرها القائم ومستقبلها المشرق بإذن الله، وفى كل ما يمت لمصر بصلة. هذه حقيقة قرآنية يجب أن نؤمن بها إيمانا كاملا، لا سبيل للشك أو الريبة فيها. وإذا تدبّرنا هذه الآية الكريمة التى جاءت على لسان سيدنا يوسف عليه السلام عندما كان فى مصر، فسوف نجد أنه عند طلب ذلك من ملك مصر، لم يقل اجعلنى على خزائن مصر، بل جاء التعبير القرآنى (خزائن الأرض)، وهو ما يعنى ويدل على أن خزائن الأرض كلها وعلى إطلاقها متواجدة فى مصر. وليس معنى عدم ظهور هذه الثروات والخيرات فى أى وقت أنها غير موجودة، بل العكس تماما، فمن واقع هذه الآية يتضح لنا أن هذه الثروات والخيرات والكنوز موجودة، ولكن سبب عدم ظهورها يرجع إلى افتقاد الأخذ بأسباب ظهورها واستخراجها والانتفاع بها، فإذا ما توافرت هذه الأسباب، وكان فى مقدمتها أن يكون القائمون على شئون مصر حفظاء عليها، عالمين بأسرارها وبقيمتها، وأمناء عليها -وهو ما يعنيه الحق تبارك وتعالى بقوله (إنى حفيظ عليم)- فلابد أن تظهر كل هذه الكنوز وما تحويه من خيرات وثروات كامنة فى أرض مصر لتكون فى متناول كل من يستحقها من أبنائها الخيِّرين. وهو ما يؤكده قوله تعالى: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض». يؤكد هذه الحقيقة العديد من الآيات القرآنية.. منها قوله تعالى حكاية عن فرعون «ونادى فرعون فى قومه قال يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى أفلا تبصرون» فإذا حصرنا المعنى بكلمة (نهرًا) فى أنه يعنى نهر مياه، فسيتضح لنا أن الآية تتحدث عن أنهار عديدة وليس نهر النيل فقط، وهو ما أثبتته صور الأقمار الصناعية التى أُخذت لصحارى مصر الغربية والشرقية، حيث أوضحت أن هناك عددا من الأنهار تجرى فى باطن هذه الصحارى بطول أرض مصر، وربما كان نهر النيل أصغرها. كذلك ما نشاهده من تفجر عيون الماء العذب فى أماكن كثيرة من الصحارى المصرية، وما تدل عليه آثار مخازن الغلال الضخمة المتواجدة فى منطقة الوادى الجديد.. من أن مصر كانت تمد الإمبراطورية الرومانية قديما ودول الشرق والغرب باحتياجاتهم من الغلال، واستمر هذا الأمر حتى بداية الخمسينات حين كانت مصر تتمتع بالاكتفاء الذاتى من الحبوب. هذا فى حين أن لفظ (الأنهار) عندما يأتى فى القرآن فإنه يعنى ما هو أشمل من المياه، حيث فيوض الأفضال الإلهية كلها سواء فيها المادية أو المعنوية. ولقد شهد سيدنا عمرو بن العاص حين فتح مصر بهذا الفضل الإلهى لمصر، وذلك فى رسالة يصف فيها مصر بعث بها إلى الخليفة سيدنا عمر بن الخطاب، قال فيها «مصر تربة غبراء وشجرة خضراء، يكتنفها جبل أغبر ورمل أعفر، يخط وسطها نيل مبارك الغدوات ميمون الروحات، يجرى بالزيادة والنقصان كجرى الشمس والقمر، له أوان يدر حلابه، ويكثر فيه ذبابه، تمده عيون الأرض وينابيعها، حتى إذا اصلخم عجاجه وتعظمت أمواجه فاض على جانبيه، فلم يمكن التخلص من القرى بعضها إلى بعض إلا فى صغار المركب وخفاف القوارب، وزوارق النهر كأنهن فى المخايل ورق الأصائل، فإذا تكامل فى زيادته نكص على عقبيه كأول ما بدأ فى جريته، وطما فى درته، فعند ذلك.. يحرثون بطون الأرض ويبذرون فيها الحب، يرجون بذلك النماء من الرب.. فإذا أحدق الرزق وأشرق، سقاه الندى وغذاه من تحته الثرى، فبينما مصر يا أمير المؤمنين درة بيضاء إذا هى زبرجدة خضراء، ثم إذا هى ديباجة رقشاء، ثم إذا هى عنبرة سوداء فتبارك الله الفعال لما يشاء». وإذا انتقلنا إلى قوله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السلام «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ» فسوف نجد خاصية أخرى خصَّ الله تعالى بها مصر، حيث جعلها المولى عز وجل ملجأ وملاذًا لكل من له سؤال فى أى أمر مادى أو لا مادى فسيجد إجابة سؤاله ومطلبه فى مصر، ففى قوله تعالى: «ما سألتم» أى ما سألتم على إطلاقه فى أى وقت ستجدونه فى مصر. فإذا كان سؤاله عن أى مطلب مادى، فلا غرابة أن يجده فى مصر، حيث مستودع خزائن الأرض، وإذا كان سؤاله عن مطلب غير مادى، وهل يوجد مطلب فى هذا المجال -بل فى الوجود كله- أعظم وأغلى من طلب الهداية؟ فلا شك أنه سيجد إجابة مطلبه أيضاً فى مصر، أرض ومهد الرسالات بدين الله الحق الإسلام على امتداد تاريخ البشرية. وإذا كان ينشد الأمن والأمان.. فسيجد مطلبه أيضاً فى مصر التى خصها الله بهذا الفضل. لذلك قضت إرادة الله أن يحفظ مصر، وأن تظل بمأمن من كل سوء، إذ كرمت على الله حين تأذن بعقاب فرعون وملئه، فلم ينزل عقابه بغير الكافرين والمكذبين برسوله، ولم يأخذ أهلها إلا بما يكون بلاءً للمؤمنين «بشىء من الخوف الجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات»، وخص فرعون وقومه بما صنعوا «ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون». ولنعتبر ولا نأمن مكر الله بين ما نزل بمصر، وما حاق بأقوام عاد وثمود وما وقع لسبأ وقوم تُبَّع وأصحاب لوط.. من نقم إلهية لم تبق ولم تذر. كذلك كانت مصر ومازالت وستظل إن شاء الله حتى يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون. ولو مشينا فى مناكبها وبحثنا وعملنا لوجدنا فيها غزيرا من نعماه، وخرج علينا من أرضها كل يوم جديد وفريد، لأنه حكم ربانى وقضاء إلهى يبقى بقاء الزمان، وليس له فى الأحقاب والدهور حدود. ففيها من العيون ما يجرى به النيل وغيره من أنهار لم تتكشف بعد، وفيها ما يتفجر تحت أقدامنا من حين لآخر فى صحارى مصر، وفيها من الكنوز ما يعلم الله وما يفوق الذهب والنفط والحديد.. ولقد أشارت صور الأقمار الصناعية التى أُخذت لصحارى مصر أن بها من المعادن النفيسة ما لا يوجد إلا على سطح القمر. ومع ذلك فما كانت الأرض لتدر علينا من رزق الله بغير بذل الكادحين وعمل العاملين، وقبل ذلك وبعده، بإيمان المؤمنين. بذلك، وبذلك فقط، مقبلين على أرض مصر غير معرضين يكون لنا فيها المقام الكريم ونعمة نكون فيها فاكهين. فكيف بعد ذلك يخرج علينا المدَّعون بأن مصر لا تستطيع أن تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتى فى الغذاء وخلافه؟ وأنها لابد أن تعتمد على المعونات التى تُقدّم لها من الخارج بزعم أنها تفتقر إلى الثروات والخيرات وأهمها نضوب الماء؟! إن هذه المزاعم والادعاءات الباطلة إنما هى تكذيب وتشكيك وتطاول على ما ورد ذكره فى كتاب الله الكريم، ومغالطة مكشوفة لما أثبتته أحداث التاريخ، بل وواقع اليوم عندما بدأ الفلاحون فى مصر تحت ضغط الحاجة أن يزرعوا أراضيهم بالقمح، واتجهت بعض الهيئات إلى زراعة الصحارى أيضاً بالقمح، فأمكن لمصر أن تحقق اكتفاء ذاتيا فيه بنسبة 60% بعد أن كان لا يزيد على 20 بالمائة فى السبعينات والثمانينات، هذا رغم الاعتماد على الموارد المائية المتاحة فقط، ودون استغلال ما يحويه باطن أرض مصر من مياه غزيرة متجددة، فما بالنا إذا نجحنا فى استغلال ذلك الاحتياطى الضخم من المياه الجوفية المخزون فى باطن أرض مصر، أو حتى جزء منه؟ ما من شك فى أن الخير العميم سيكفى حاجة المصريين، بل ويفيض بما يمكن أن يُصدَّر لخارجها، كما تشير آيات القرآن بذلك عندما كانت مصر تتصدق على جيرانها بكل ما يفيض عن حاجتها، عندما تلم بهم المحن والخطوب من مجاعات وقحط وجفاف، كما جاء على لسان إخوة سيدنا يوسف عليه السلام عندما قدموا من فلسطين «مسَّنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوفِ لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزى المتصدقين». وأمام هذه الحقائق القرآنية عن مصر، التى تؤكد أنها أرض مقدسة، وأنها مستودع لخزائن الأرض، وأنها الملجأ والملاذ لكل صاحب سؤال، وطالما هى مصدر الأمن والأمان.. فماذا يمكن أن يطلب إنسان عاقل لحياته أفضل من التواجد فى أرض مصر؟ وهل يجوز أمام كل هذه الأفضال والنعم الإلهية لأبناء مصر أن يهاجروا إلى بلاد أخرى أمام أى عرض طارئ أو عابر سعيا وراء مال أو أمان كاذب؟ ويهجروها لمن؟ إلى أين؟ إن كل مصرى مدرك واعٍ وعاقل، لابد -أمام هذه الحقائق القرآنية- أن يفيق لنفسه ولمعتقداته ولسلوكه تجاه بلده مصر التى شرّفه الله بالانتساب لها، حتى لا يحرم نفسه من هذه الأفضال الإلهية التى خص الله بها مصر وأهلها. وأن يُوجِّه طاقاته وجهده للأخذ بأسباب استخراج واستغلال كل تلك الكنوز التى حوتها أرض مصر.. عاملا بقوله تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، وأن يكون أمينا وحفيظا على ثروات بلده، متأسيا بقول سيدنا رسول الله يوسف عليه السلام «إنى حفيظ عليم». معقل الدفاع عن الإسلام: من مقتضيات الإيمان الصحيح أن المسلم مطالب بأن يدافع عن دينه ومقدساته وأرضه وحرماته ضد المعتدين، وأن موته دون ذلك يُعد استشهادا فى سبيل الله.. مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم «من مات دون أرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عِرضه فهو شهيد». وإذا رجعنا إلى أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التى يصف فيها مصر بأنها «كنانة الله فى أرضه» وأن بها «خير أجناد الأرض» وأنهم «فى رباط إلى يوم القيامة».. يتضح لنا حقيقة المهمة المنوط بها أهل مصر فى الوقوف على الدوام والاستمرار دفاعا عن دين الله فى الأرض، ويتبين لنا أيضاً حتمية وشرف الدور الذى يضطلع به أبناؤها فى السهر والدفاع عن الإسلام عبر القرون، ففى أى وقت تتعرض فيه بلاد الإسلام ومقدساته لإرادة السوء من قبل أعداء الله، فلابد أنه يظهر بمصر خير أجناد الأرض المدافعين عن دين الله الحق، المرابطين فى سبيل الله إلى يوم القيامة. قلوبهم جميعا فى وجهة واحدة إلى الحق تبارك وتعالى، يربطهم رباط واحد هو حبل الله المتين، وهو العروة الوثقى التى يتمسكون بها ويعتصمون بها.. فتكون لهم درعا وحماية تدرأ عنهم أى فرقة أو ضعف. ومن مظاهر الاختصاص الإلهى لمصر ولأهلها أن هيأ لها المولى عز وجل من الأسباب والظروف ما يعينها على النهوض بهذه المهمة، وأن تكون فعلا كنانة الله فى أرضه، وذلك بما توفر لها من أموال وبنين، وما حباها به من جنات وعيون وكنوز وزروع ومقام كريم، فطوَّع لها الإمداد من الجند الكثيف. وقبل كل شىء وبعد كل شىء، فقد جعل المولى عز وجل هذا البلد وأهله محل نظر وحب منه جلت قدرته ومن رسله، مصداقا لقوله تعالى (يحبهم ويحبونه)، وبهذا النظر وبذلك الحب، أصبح الحب الفطرى والارتباط برسل الله تعالى وتبعيتهم.. أمرًا متأصِّلا فى قلوب المصريين منذ القدم، وبالتالى أصبحت قلوبهم دائما صالحة لتقبل دين الله ودعوة الرسل للإسلام، وهو ما يعتبر فضلا ومنَّة إلهية عظمى منَّ الله بها على شعب مصر. وكما انعكس ذلك الفضل الإلهى على إيمان المصريين.. حيث لا تجد الإيمان الصحيح فى الغالب إلا فى قلوبهم، والإسلام هو خلقهم، والفطرة السليمة هى الغالبة على صفات نفوسهم.. فقد انعكس ذلك أيضاً فى حبهم للجهاد فى سبيل الله، والاستنفار دفاعا عن دينه كلما تعرضت البلاد الإسلامية للمخاطر، وبذل أرواحهم رخيصة فى سبيل الذود عن مقدسات المسلمين وحرماتهم.. تلك كانت ولا تزال وستظل سمة أبناء مصر الذين وصفهم سيدنا رسول الله بأنهم خير أجناد الأرض، وهذا حالهم مهما تقلبت بهم الأحوال واشتدت بهم الخطوب.. حيث نجدهم فى أوقات الشدائد والمحن يأخذون بكل الأسباب المتاحة قدر استطاعتهم، ويتركون ما دون ذلك لمسبب الأسباب، ثم يتجهون بالتضرع إلى الله ورسله وأوليائه الكرام، بأن يرفع عنهم وما يصيبهم من غمة، وأن يأخذ بأيديهم إلى النصر على أعدائهم، وهم على يقين من نصر الله تعالى الذى كفل لعباده المؤمنين النصر المبين مصداقا لقوله تعالى «وكان حقا علينا نصر المؤمنين». لقد صدق رسول الله فيما قدَّر لأهل مصر من مصير.. كفاح لم ينقطع ولن ينقطع مادامت قوى الشر والضلال تضرب فى الأرض بغرائزها ونزعاتها، تضمر العدواة للإسلام والمسلمين، لذلك كان قدر مصر وأهلها كما قال فيهم حضرته «فى رباط إلى يوم القيامة». ولا غرو يكونون لذلك خير أجناد الأرض، وهم مع ما جبلوا عليه من القوة والصبر والدأب، قد امتازوا كذلك بقوة تهون معها قوة العضل وبأس الحديد.. ألا وهى قوة الإيمان. فإيمان المصرى بربه منذ القدم، هوَّن عليه الموت، فما رآه إلا مجازا إلى حياة الخلود، إيمان أقام فى نفسه معتقدا بأنه صائر إلى حياة أبدية وجنات عدن تجرى من تحتها الأنهار.. ثم إيمان بوطنه الذى تخيل فردوس الآخرة على صورته، وإيمان بأن بلاده (أم الدنيا). لذلك فهو يلاقى مصيره فى القتال دفاعا عن معتقده ووطنه مقبلا غير مدبر، ولذلك أيضاً فهو وآله من قبل فى رباط. وصدق رسول الله فى قوله «ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم» فما تنزل من محنة يتعرض لها المسلمون إلا كانت مصر صاحبة النصيب الأعظم فيما تحتمله من تلك المحنة، ثم صاحبة السهم الأكبر فيما تبذل لإبلاغهم النجاة والخلاص والنصر. وعندما وصف سيدنا رسول الله أبناء مصر لأصحابه «فإنهم قوة وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله»، فسنجد حضرته قد اختار هذا الوصف بأنهم هم القوة، لأن القوة جوهر فى ذاتها تتمثل فيهم، وليست صفة عارضة تنسب إليهم يوما وتنفى عنهم فى غيره من الأيام، ولقد كان المصريون قوة تفجرت عنها وانطلقت فيها ما تسامعت به أجيال بعد أجيال. على أن المتأمل لا يحتاج إلى النظر وإمعان الفكر فى قوة القوى إذا قضى وأعمل إرادته وقدرته. وإنما تمتحن القوة إذا اعترتها المحن المدلهمة والمصائب الشداد، ولقد عرفت فى المصريين القوة بما ركب فى طبعهم ورسخ فى أعماقهم من قدرة على المقاومة والصمود، وهو قوة بما جلبوا عليه من المصابرة والعناد فى الحق.. فلا مبدل لإرادتهم بغير إرادتهم حتى وإن وقع الإكراه من أهل التجبر والطغيان. لذلك فقد كُتب على المصريين بحكم المهمة المناطة بهم من المولى عز وجل ورسوله أن يكونوا كما قال حضرته «فى رباط إلى يوم القيامة»، أو كما نقول نحن فى حالة تأهب واستعداد قصوى دائمة. وقد علمتهم أحداث التاريخ وما ينبغى أن ينسوا أنهم منتصرون ما أقاموا فى رباط متأهبين، ممسكين أسلحتهم، وقلوبهم فى دوام ذكر لرب العالمين، متمسكين بأخلاق الإسلام ساهرين، أما إن أعرضوا وغرَّتهم الحياة الدنيا ولهتهم عن ذكر ربهم، وتركوا السلاح وأهملوا النضال والكفاح، فإنهم أقلة صاغرون وما ينبغى أن يكونوا. وإذا استعرضنا تاريخ مصر منذ القدم وحتى اليوم.. فسوف نجد واقعًا ملموسًا لأحاديث سيدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مصر ودورها فى الدفاع عن الإسلام عبر التاريخ والقرون، وكيف أنها كانت مستهدفة دائمًا من أعداء الله، وكيف أن المولى عزوجل هو الذى تكفل بالدفاع عن مصر وحمايتها ودفع السوء عنها، والبطش بأعدائها. ولو تتبعنا تاريخ المعارك التى خاضتها مصر دفاعًا عن الإسلام، فسيتبين لنا أن المصريين خاضوها عندما فُرض القتال عليهم فرضًا.. فرغم أن طبيعة المصريين تؤثر السلام، إلا أنهم يرفضون الاستسلام ورغم أن المصرى معنى فى الأساس بصنع الحضارة والبناء والتقدم.. لا نشر الخراب والدمار، فإنه يلجأ إلى حمل السلاح والخروج إلى القتال إذا ما كان ذلك دفاعًا عن دينه ومقدساته وأرضه واستقراره ووحدته، وكان القتال هو الخيار الذى لا بديل عنه، عند ذلك يخوضه المصرى بشجاعه وفدائية لا نظير لها. فقد فرضت عليه الأرض مع سخائها الدأب والمثابرة والكد والكفاح، حيث نشأ المصرى عاملًا بطبعه، منشئًا بفطرته على مدى تاريخه القديم والحديث، من الهرم الأكبر إلى السد العالى، ومن كفاح تحت قيادة أحمس الأول ضد الهكسوس (أواريس) و(شاروهين)، إلى معارك تحتمس فى مجدو وترقميش، ومعارك ابنه أمنحتب الثانى فى شمش آدوم والأوردنت والنهرين، ثم معارك رمسيس الثانى فى قادش ودابور وتونب وحلب، ثم كفاح ضد الصليبيين فى حطين والمنصورة ودمياط، وضد التتار فى عين جالوت، ثم الأتراك والفرنسيين والإنجليز، ومن بعدهم الصهيونيين فى أعوام 1948، 1956، 1967، ثم الانتصار العظيم فى أكتوبر1973، وما زال الكفاح والنضال مستمرًا، كفاح للرزق فى الأرض، وكفاح العدو من أجل المقدسات والأرض والعرض. تختلف على المصرى الأيام بحلوها ومرها، ولكنه فى هذا كله جلد ودؤوب، قوى صبور، فما تغشاه محنة إلا تغلب عليها واجتازها وفرض نفسه عليها. ولقد أقبل على مصر البطالمة فحكموها وحرموا أهلها الجندية.. فلما اضطر قائدهم (فيلو باتور) بعد ذلك إلى تجنيد المصريين، حيث اشتدت عليه وتأزمت الأمور، إذا بهم برغم طول عزلهم عن الجندية يخوضون عام 217ق.م معركة هائلة فى رفح انتزعوا فيها من السليوكيين النصر المبين، وأثبت المصريون ما فى أعماقهم من قوة كامنة لتطلق ما أتيح له التفجر والانطلاق. ولقد كان ولا زال وسيظل حجم العداوة والتآمر على مصر بما يتناسب وضراوة العداوة للإسلام، فلقد أثبتت أحداث التاريخ والواقع المعاصر أن كل من أراد أو يريد النيل من الإسلام، ويحاول ويعمل للقضاء عليه، كان عليه بداهة أن ينال أولًا من مصدر القوة التى تدافع عنه وتحميه، وأن يقوض قلعته وحصنه الحصين، وأن يوجه ضربته إلى عرينه فى مصر.. فإذا ما سقطت لا قدر الله تلك القلعة وتهاوى ذلك الحصن ونجح العدو فى اختراق العرين، أصبح النيل من الإسلام ذاته أمرًا سهلًا، وهو ما يأباه الله ورسوله لدينه ولكنانته فى أرضه. وما محاولات الولاياتالمتحدة اليوم للسيطرة على العالم العربى والإسلامى من خلال تقسيمه عرقيًا وطائفيًا ومذهبيًا فى إطار ما أطلق عليه الرئيس الأمريكى جورج بوش عام 2003 «الشرق الأوسط الجديد»، لتتحول دول المنطقة إلى عدة دويلات ضعيفة نتيجة أعمال الفوضى والعنف والإرهاب التى خططت لها المخابرات الأمريكية بموجب أسلوب «الفوضى الخلاقة» الذى ابتدعته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس فى عام 2006، ووسيلتهم فى ذلك جماعة الإخوان وحلفائها. وهو ما نجحت فى تحقيقه فى سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال.. وكانت أمريكا تنتظر نجاحه فى مصر على أيدى الإخوان بعد أن ساعدتهم على القفز للسلطة والحكم عام 2012، حيث اعتبرت أمريكا أن مصر ستكون فى هذه الحالة «الجائزة الكبرى» حيث ستتهاوى بعدها سائر الدول العربية والإسلامية. إلا أن الله تعالى الحافظ لكنانته أبى أن ينجح هذا المخطط اللئيم فى مصر، فأسقطته فى ثورة 30 يونيو بطرد جماعة الإخوان من الحكم وإنهاء دولتهم إلى غير رجعة إن شاء الله، ولقد كان من نتيجة ذلك أن سقطت جماعة الإخوان فى دول الخليج ودول المغرب العربى، وكانت بداية النهاية إن شاء الله لجماعة الإخوان وحلفائها فى المنطقة كلها. مصر ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين أهل مصر حصن الأمن والأمان عصف رياح الإرهاب Share 1 Tweet 1 0 الرابط المختصر