شارك الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في أولى جلسات الصالون الثقافي لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بعنوان : (حوار التراث والحداثة في الأدب في ضوء كتاب : "مسيرة النقد الأدبي وقضاياه"). اقرأ أيضًا.. وزير الأوقاف: هذا الجيل من أساتذة اللغة العربية بالكلية جيل عظيم ومشرف وقدم جمعة الشكر لجموع الحاضرين معبرًا عن اعتزازه وامتنانه بهذه الدعوة كونه بين كوكبة من القامات العلمية واللغوية ، موجهًا التحية لعميد الكلية على هذا الصالون ، متمنيًا له الاستمرار وأن يتسع للمدرسين المساعدين والمعيدين فهم الفئة الأكثر حاجة لحضور هذه اللقاءات ، مثمنًا دور هذه الصالونات فهي ليست عملية شكلية وليست إضاعة للوقت أبدًا ، بل هي في صلب العملية التثقيفية ، لأن الطالب النابه يستفيد من هذه الصالونات استفادة بالغة ، ودعا إلى أن تتسع هذه الصالونات لأوائل الدفعات من الحاصلين على تقدير امتياز وجيد جدًا ، مؤكدًا أن الأصل في الأستاذ الجامعي أن يكون أستاذًا متمكنًا من مادته العلمية مهما ارتقى في مناصب إدارية أو تنفيذية ، وأن الأصل في قيادات الأوقاف أن يكون عالمًا وخطيبًا مفوهًا متميزًا ، مشيرًا إلى أنه لا توجد الآن بوزارة الأوقاف أي ترقيات إدارية أو علمية إلا بامتحانات حتى درجة وكيل الوزارة وحتى درجة رئيس قطاع ، وذلك لتحقيق التوازن بين الجانب الإداري والجانب العلمي. كما أشاد باختيار موضوع الصالون "حوار التراث والحداثة" ، فنحن نرسخ المناهج الفكرية ، ونحن كأزهريين جميعًا علينا أن نهتم بالمنهج الوسطي في جميع قضايانا حتى في حياتنا الشخصية لتصير أمرًا لازمًا لنا ، وقد قال الإمام الأوزاعي (رحمه الله): "ما أمر الله (عز وجل) في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبالي أيهما أصح ، من جهة الإفراط ، أو التفريط ، من جهة الغلو ، أو التقصير" ، والحقيقة أن من آخر المقالات التي نشرتها : "التطرف الحاد والمضاد" ومن خلاله أكدت على أننا لن نستطيع أن نقضي على التشدد ونقتلعه من جذوره ما لم نواجه التسيب والانحراف القيمي والإلحاد الموجه والممول ، وموجات التجريف الأخلاقي بنفس القوة والحماس ، فالتطرف إلى أقصى اليسار كالتطرف إلى أقصى اليمين كلاهما مذموم سواءً بسواءٍ ، كما أن التيارات اليسارية الأكثر تطرفًا في نفس خطورة التيارات اليمينية الأكثر تطرفًا ، ونحن في تعاملاتنا مع الناس نحتاج إلى التوازن في المعاملة ، فبعض الناس يذهب إلى أقصى الطرف إفراطًا والبعض الآخر يذهب إلى أقصى الطرف تفريطًا وكلاهما غير محمود على أية حال ، وهذا يعني أن ما نستفيده من المؤتمرات والندوات المنعقدة هو الالتزام بالوسطية وأن نجعلها منهج حياة ، وهذا يتطلب أن نعمل وبقوة على إحلال مناهج الفهم والتحليل محل مناهج الحفظ والتلقين. وعن قضية الثقافة أكد وزير الأوقاف أن قضية الثقافة قضية تراكمية أشبه ما تكون بحال الإنسان والنبات ، فكلّ منهما ينمو نموًّا قد لا يُرى ولا يُلحظ بالعين المجردة ، لكنه يظلّ مستمرًّا ومطَّردًا حتى يستوي الطفل رجلًا ، وينتج النبات ثمرًا يانعًا. وكما لا يستطيع الإنسان أن ينكر مراحل طفولته ، وأنها أحد أهم مراحل حياته التي ينعكس أثرها على كل ما يليها من مراحل الحياة ، فإن أحدًا لا يستطيع أن يُنكر أثر الجذور والمنطلقات المؤسِّسة لكل علمٍ ، ولا سيما في مجال العلوم والفنون والآداب. والعلاقة بين التراث والمعاصرة في الفكر النقدي - شأن كثير من المتقابلات - ليست علاقة عداء أو قطيعة ، ولن تكون ، ولا ينبغي أن تكون، وإن الوسطية التي نحملها منهجًا ثابتًا في كل مناحي حياتنا، ونجعل منها ميزانًا دقيقًا نزن بها أمورنا كلها، إنما هي منهج ثابت ننطلق منه في كل جوانب حياتنا العلمية والفكرية والفلسفية والتطبيقية، لا نحيد عن هذا المنهج قيد أنملة، فقد قالوا: لكل شيء طرفان ووسط، فإن أنت أمسكت بأحد الطرفين مَالَ الآخر واختل توازنه، وإن أنت أمسكت بالوسط استقام لك الطرفان ، ونحن مستمسكون بهذا الوسط وتلك الوسطية، لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير. فنحن لا نتعصب للقديم لمجرد قدمه ، ولا نسلم زمام عقلنا للتقليد الأعمى دون أن نمعن النظر فيما ينقل إلينا أو يلقى علينا ، فقد ميز الله (عز وجل) الإنسان عن سائر الخلق بالعقل والفكر والتأمل والتدبر والتمييز ، ونعى على من أهملوا هذه النعم ولم يوفوها حقها، فقال (سبحانه) : "أَفَلَا يَعْقِلُونَ"، وقال تعالى : "أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" ، ويقول (سبحانه) : "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى"، ويقول (عز وجل) : "وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"، ولما نزل قوله تعالى : "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها". ولا يمكن أيضًا أن ننسلخ من هذا التراث العريق أو نقف منه موقف القطيعة، ونعمل في الهواء الطلق، فمن لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل، بل علينا أن نأخذ من الماضي العريق النافع والمفيد الذي ننطلق به في الحاضر ونؤسس به للمستقبل. مؤكدًا أن في تراثنا النقدي من الفكر والثراء والتنوع ما يحتم علينا إعادة قراءة هذا التراث قراءة جديدة عصرية يمكن أن تشكل أساسًا قويًّا ومتينًا لبناء نظرية عربية في النقد الأدبي ، لا تنفصل عن تاريخها ولا عن هويتها ولا عن واقعها ، بل يمكن أن تكون حال نضجها أحد أهم ملامح هويتنا الواقية وخصوصيتنا الثقافية في زمن العولمة والتيارات النقدية والفكرية والثقافية الجارفة. وكما أننا لا يمكن أن نرفض القديم لقدمه , لا يمكن أيضًا أن نرفض الحديث لحداثته , أو لكونه ثقافة الآخر أو المختلفِ , أو كونه ثقافة وافدة على ثقافتنا, أو أن ندعو إلى الانكفاء على الذات والتمحور أو التقوقع حولها, فهذا عين الجمود والتحجر الذي نواجهه بكل قوة وحسم , فثقافة أخرى تعني عقلًا آخر, وإضافةً جديدةً, ومادة جديرة بالاعتبار والتأمل والنظر, بل إنني لأدعو إلى إعمال الفكر وإمعان النظر في كل ما هو عصري أو حديث أو جديد, فنأخذ منه النافع والمثمر والمفيد, وما يشكل إضافةً حقيقيةً لثقافتنا, ويتناسب مع قيمنا وأخلاقنا وحضارتنا, ونتجاوز ما لا يتسق مع هويتنا الثقافية وقيمنا الراسخة. كما يجب أيضًا ألا نتخلف عن الركب , فنتشبث بآراء ونظريات ثبت عدم جدواها عند الغربيين أنفسهم , فدعا نقادهم إلى ضرورة مراجعتها , أو تخلوا هم عنها وبحثوا عن نظريات أو رؤى أخرى جديدة رأوها أكثر دقةً وملاءمةً ونفعًا , أو وجدوا فيها خيط نجاة جديد يخلصهم من تعقيدات وفلسفات بعض النظريات التي خرجت بالنقد الأدبي عن لبابه إلى معالجات انحرفت بالنص الأدبي عن مساره الطبيعي إلى مسارات أخرى ربما كان من الأجدى تطبيقها على علوم وفنون أخرى غير النص الأدبي ، إذ تبقى عظمة وخصوصية النص الأدبي والنقدي في كون كل منهما نصًّا ينطق أدبًا ويفيض أدبًا ويشع أدبًا قبل أي شيء آخر. كما أكد أن العقلية العربية لم تكن أبدًا عقلية جامدة ، بل كانت عقلية واعية وفطنة ناضجة، فهم أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان ، وإن اقتضت طبيعة حياتهم الأولى أن يكون نقدهم فطريًّا ذاتيًّا ، وأن الجذور التراثية لنقدنا الأدبي العربي قد شكلت منطلقًا ومرتكزًا قويًّا لنظريات النقد الأدبي العربي في عصوره المختلفة وصولاً إلى العصر الحاضر. وبين وزير الأوقاف، أن هذه الطريقة إذا تضمنت رمزًا أو قناعًا أو خلق موقف أو سلسلة من المواقف تعادل العواطف والمشاعر والأفكار – فإننا يمكن أن نطلق عليها مصطلح "المعادل الموضوعي" فتكون العلاقة بينه وبين "المعادل التعبيري" علاقة عموم وخصوص مطلق، فكل معادل موضوعي هو معادل تعبيري ولا عكس.