واقعة غريبة من نوعها وقعت أحداثها فى أروقة محكمة الاسرة بزنانيرى وتأتى غرابة القضية وتفردها عن القضايا التى تشهدها محاكم الاسرة كالخلع والطلاق والنفقة وخلافه. حدوتة اليوم متفردة عن كل ذلك فبطل القضية أب تجرد من معانى الإنسانية منذ زمن طويل تزوج من فتاة تندرج من اسرة كريمة وتعهد امام والدها بصون الامانة. وبعد عام من زواجه منه انجبت طفلا ومع هذا الحدث الذى يسعد به كل الأب.. اختفى الزوج من حياة زوجته وطفله الوليد. أصيبت الزوجة الشابة بحالة نفسية سيئة وغابت عن الوعى مع غياب زوجها غير المسبب وتخلت عن رعاية طفلها وبحث شقيقها عن زوجها. ربما اصابه مكروه واستطاع الوصول اليه وفوجئ بأنه اختفى من حياة زوجته وطفله متعمدا لانه تعرف على سيدة سيئة السمعة منعته من العودة الى زوجته وطفله. رفض الأب مراعاة ابنه لمدة وزوجته سنوات طويلة بعد طلاق والدته، دون مراعاة لطفله وتفرغ لزوجته الثانية التى انجب منها ثلاثة اطفال. وساءت حالته المادية بعد طرده من عمله ولم يجد من ينفق على زوجته واولاده. ونسى تماما انه انجب طفلا من زوجته الاولى وتخلى عنه وتركه وأمه فى مهب الريح. لم تجد الزوجة الاولى مفرا من العودة بطفلها الى منزل اسرتها كى تجد من ينفق عليها. كانت اسرتها ميسورة الحال وانفق عليها اشقاؤها ولم يبخلوا عليها بمال او منزل تقيم فيه او نفقات دراسة ابنها حتى تخرج فى الجامعة وقد ورثت امه مبلغا ماليا ضخما من والدها وامها بعد وفاتهما. تفرغ الابن لاستثمار أموال والدته التى اصبح هو المسئول الوحيد عنها.. وتضخمت الثروة وتحولت الى املاك وعقارات وسيارات. لم ينس الابن مطلقا ما فعله فيه والده وجعله دوما يشعر بالنقص امام اقرانه واقاربه لإصراره على انكار ابوته له ورفضه قبوله فى حياته رغم محاولات والدته تقريبه من والده واخوته. ولكن الاب العاق كان دائما يقابل ذاك بالرفض والنكران. كلما مر الزمن رغم الثروة التى يمتلكها الابن والحياة الرغدة التى ينعم بها الا انه هناك شىء يؤلم روحه ويعكر عليه صفوه ويجعله يشعر انه غير مرغوب فيه لأن والده رفض وجوده فى الحياة. مرت الايام هكذا يحاول الابن تقبلها ونسيان ما حدث له وكان كل همه العمل والثروة وميراث والدته. ولكن فى يوم حدث ما لم يكن متوقعا او منتظرا ومن المستحيل ان يفكر فى حدوثه احد. دخلت عليه مديرة مكتبه وابلغته انه فى الخارج محضر من محكمة الاسرة يرغب فى مقابلته. ماذا تقولين.. محكمة الأسرة وما لى ومحكمة الاسرة.. فلست متزوجا ولا لدى مشاكل اسرية مع احد. ردت مديرة مكتبه. هكذا قال سيدى. دعيه يدخل لنرى دخل المحضر وسلمه محضر دعوى من محكمة الاسرة. تفحص الاعلان نعم هو وباسمه ومن محكمة الاسرة. شكر الموظف وودعه كى يتفرغ للمفأجاة التى بين يديه. وبدأ يقرأ الإعلان. والمفاجأة الاكبر ان الدعوى نفقة مرفوعة من والده ضده للانفاق على اخوته من زوجة ابيه. وكشفت الدعوى أن الاب الذى رفض ابنه لسنوات وسنوات عقب ترك عمله، ظل يبحث عن مصدر للرزق إلا أنه فشل، ولم يجد أمامه سوى طريق واحد هو اللجوء إلى ابنه من زوجته الأولى الذى أصبح ثريا نتيجة حصوله على ميراث ضخم من أسرة والدته، وطلب منه الإنفاق عليه وعلى أشقائه إلا أنه رفض. كيف يطلب منه ذلك وهو من رفضه ورفض وجوده وعرضه للقيل والقال من الجميع.. لماذا يرفض وجوده؟! فاعاد الابن رسول الاب الذى ارسله يطلب منه الإنفاق عليه وابنائه من زوجته الثانية رافضا اعطاءه اى اموال وانه يرفض ابوته او معرفته.. وتصور الابن ان الامر انتهى. مرت الأيام حسب ما قاله الابن المدعى عليه أمام المحكمة الاسرة واصبح شابا مسئولا عن والدته وميراثها، واستثمر تلك الأموال فى مجال التجارة التى ربحت بسرعة وأصبح يمتلك عقارات واراضى إضافة إلى رصيد كبير فى البنك، وفوجئ بوالده الذى تركه منذ الصغر يطلب منه الإنفاق على أولاده وزوجته الثانية فرفض، وفوجئ بإعلان من المحكمة بموعد الجلسة فى الدعوى المقامة ضده من والده.. «نعم سيدى القاضى امتلك اموالا وعقارات وفى استطاعتى الإنفاق على اولاده. ولكنى ارفض ذلك ولا اعتبر ابنا عاق. فوالدى هو من رفضنى ورفض الاعتراف بى بل رفض وجودى فى الحياة رفض منحى ابوته عشت يتيما وهو على قيد الحياة لم يوافق ان اتعرف على اخواتى. ابى كان عاق معى. عشت بسببه آلاما لا توصف. وانا الآن ارفض الانفاق عليه وارفض ابوته. وارفض وجوده فى حياتى». أنهى كلامه وخرج من قاعة المحكمة والدموع تغالب قدرته على التظاهر بالقوة ومازالت الدعوى الغريبة من نوعها منظورة وتعد من بين أغرب القضايا التى شهدتها محاكم الاسرة.