وجدت الميليشيات الإسلامية المسلحة ضالتها في إضراب الشرطة، فما أن بدأت الاحتجاجات الشرطية، حتي خرجت الجماعة الإسلامية لإعلان استعدادها للنزول إلي الشوارع لحفظ الأمن، ورغم الرفض الإخواني الظاهر لهذه الفكرة، إلا أن البداية الإخوانية لظهور الميليشيات المسلحة شجعت الحركات الإسلامية الأخري لتكوين ميليشيات مسلحة واتجه مراقبون إلي القول إن الجماعة شجعت هذه الميليشيات علي الظهور بالعمل من جانبها علي إضعاف جهاز الشرطة طوال الفترة الماضية، وهو ما ينذر بحرب أهلية وشيكة. تشهد مصر مثل هذا الإضراب الشرطي الموسع الذي امتد إلي 13 محافظة، وإغلاق 61 قسماً بالجنازير، وأضربت قطاعات الأمن المركزي عن العمل، وهو ما وجدت فيه الميليشيات الإسلامية فرصتها لطرح نفسها كبديل عن جهاز الشرطة، الذي تلقي ضربات نافذة منذ انهياره في جمعة الغضب في 28 يناير 2011، ورغم عودة الأمن علي إستحياء، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين سعت طوال الفترة الماضية لإنهاك جهاز الشرطة وتوريطه في مواجهات سياسية بهدف حماية النظام، وزيادة هوة الفجوة مع الشعب، ومن ثم زادت حدة المواجهات بينهما، وأصبح «الثأرالبايت» يحكم علاقتها، وهو ما دفع ضباط وجنود الشرطة إلي إعلان العصيان، وعدم إطاعة الأوامر رفضاً لتوريطهم في هذه المواجهات السياسية التي جعلت عدداً كبيراً يفقد ينقذ حياته، بالمقابل دعت الجماعة الإسلامية لتشكيل لجان شعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة ومساندة الضباط الشرفاء في أداء دورهم الوطني. وذكرت في بيان لها أنها تراقب ما يحدث علي الصعيد الأمني من محاولات القوي الثورية المضادة لتوظيف بعض عناصرها الموجودة داخل الشرطة لإحداث فراغ أمني بتأليب أمناء وضباط الشرطة، ودفعهم إلي الانسحاب من مواقعهم والامتناع عن العمل. الغريب أن الجماعة الإسلامية صاحبة الماضي الطويل في العنف والإرهاب طوال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات خاصة في الصعيد، أعلنت من محافظتي أسيوطوالمنيا توليها الكامل مسئولية حفظ الأمن في أعقاب امتناع أفراد وأمناء الشرطة بالمحافظة عن العمل وإغلاق المراكز والأقسام بالجنازير، وقال طارق بدير مسئول الجماعة بأسيوط، لن نسمح بالعبث وتخلي الشرطة عن حفظ الأمن وإفساح المجال للسرقة والبلطجة. وأضاف أن الأمن إذا لم يقم بممارسة مهام عمله، فستتولي الجماعة مهام الأمن حتي تكون في قضاء حوائج الناس. وأعلنت الجماعة أنه سيتم استخدام مقر الجمعية الشرعية بأسيوط كمديرية أمن جديدة بالمحافظة، كما قامت الجماعة بحصر أسماء المتطوعين من أفرادها، وتسجيل أسمائهم وأرقام هواتفهم، ليكونوا علي استعداد للقيام بدورهم الجديد واشترطت الجماعة في المتقدمين أن يكونوا من ذوي المهارات القتالية، حتي يتم تدريبهم أولاً علي شئون الأمن، كما أعلنت تسيير دوريات أمنية حال استمرار اختلال الأمن بهذا الشكل. وفي المنيا أعلنت الجماعة عن تشكيل لجان شعبية لحفظ الأمن وأكدت أن الضباط والجنود الذين رفضوا القيام بعملهم سيسألون أمام الله ورسوله. وكانت الجماعة قد أعلنت في وقت سابق تشكيل لجان شعبية لحماية منشآت الكهرباء، بعد تحذيرات أطلقها المهندس أسامة كمال وزير البترول من استهداف البعض لمحطات الكهرباء. وأمعنت فروع تابعة للجماعة الإسلامية في دعوتها بوضع غطاء سياسي لها يدافع عن أهدافها وموقفها من الصراع الأمني، الدائر حالياً وتمثل هذا الغطاء في تشكيل تحالف الأمة الذي يضم 7 أحزاب إسلامية علي رأسها حزب الراية لمؤسسه حازم صلاح أبو اسماعيل، والذي أعلن انطلاق اللجان الشعبية الإسلامية للحفاظ علي الأمن. كما أعلنت حركة الشباب الإسلامي عن تشكيل لجان شعبية لحفظ الأمن في مصر بعد انسحاب أفراد الشرطة، وإغلاق الأقسام ومديريات الأمن. أكد الدكتور علي صقر منسق الحركة أن هذه المبادرة ليست بديلاً عن جهاز الشرطة، وإنما تهدف إلي تأمين الشعب في حالة انهيار الشرطة وقال: «لن نسمح لبيوتنا أن تتعرض لهجوم بلطجية أو حوادث لسرقة بالإكراه». وأكد أنه سيتم تدريب الشباب المنتمي للحركات الإسلامية وغير الإسلامية علي وسائل الدفاع المدني وسرعة الاستجابة للاستغاثات، كاشفاً عن عمل تشكيلات اللجان والتدريب علي الإسعافات الأولية والدفاع المدني للنزول إلي الشوارع والأحياء. جماعة الإخوان المسلمين التي رفضت دعوة الجماعة الإسلامية لتشكيل اللجان الشعبية بحجة أن تأمين المقار مسئولية الداخلية كشفت علي لسان صابر أبو الفتوح القيادي بها ورئيس لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب السابق، أنها تبحث حلين بديلين لغياب الشرطة من الشوارع، بالعودة لفكرة اللجان الشعبية، وتكوين مجموعات بزي مدني لمواجهة الانفلات الأمني. هذه الأفكار الإسلامية لحل أزمة الشرطة تزامنت مع كشف الباحث الأمريكي «اريك تريجر» بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني عن تصريحات الدكتور محمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين أعلن فيها عن إشرافه علي برنامج تطهير الداخلية، والسماح لأبناء الإخوان المسلمين بالالتحاق بكلية الشرطة، وأكد الباحث الأمريكي أن هناك مؤامرة حقيقية تدبرها جماعة الإخوان المسلمين وتعتمد علي ميليشيات الحركات الإسلامية الأخري لتدمير جهاز الشرطة. من جانبه أكد الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات السياسية أن ظهور مثل هذه المبادرات يعبر عن رغبة داخل هذه الجماعات للقيام بدور الشرطة، وقد ساعد غياب الشرطة علي إعلان الجماعة عن قدرتها علي القيام بهذا الدور ولجأت هذه الجهات خاصة الجماعة الإسلامية ذات الخلفية القائمة علي العمل المسلح، إلي عرض ما لديها من تصورات أمنية تبرر دوافعها للقيام بدور «الشرطي»، وأضاف أنه في حالة نزول هذه الميليشيات المسلحة إلي الشوارع فالأمر ينذر بخطر شديد، ففي الصعيد قد لا تجد هذه الميليشيات مقاومة لأنهم من أهل البلد، ومعروفون لدي الجميع وبالتالي سيزداد نفوذهم فيها، ما قد يؤدي إلي انفصال بعض مدن الصعيد أو محافظاتها، حيث سيبدأ الأمر بتشكيلات أمنية، تتلوها بعد ذلك مجالس سياسية ثم حكم ذاتي، وقد يتطور الأمر، لتصبح حرباً أهلية تأتي علي الأخضر واليابس.