تسوق لمنتجات لم ترها ولعملاء لا تعرفهم.. لا تربطك بهم سوى دقائق معدودة هي مدة مكالمة تليفون يعرضون خلالها خدماتهم للمواطنين، لتنشأ بينك وبينهم جسور للتواصل. ولكن هل تخيلت أن التى تتحدث معك عبر الهاتف يمكن أن تكون كفيفة أو من ذوى الإعاقة. إنها "رضا"، الفتاة ذات ال 30 عاما والتى تعانى من إعاقة كف البصر، تتواصل مع العملاء وتتحدث معهم بالعربية والانجليزية، وتسجل بياناتهم، وتقوم بتسويق المنتجات وبيعها، ودعوة الناس لحضور فاعليات هامة وهى لا ترى الشاشة التى أمامها.. ولا تقوم بذلك فقط بل تشرف أيضا على فريق من العاملين تجاوز ال 20 فردا جميعهم من ذوى الإعاقة. شعور مختلف تحكى رضا قصة دخولها إلى عالم ال (كول سنتر) وهى كفيفة حتى أصبحت مدربة ومشرفة على فريق العاملين بشركة "ابيلتى"، التى يمثل المعاقون ما يقرب من 70% من العاملين فيها، : " تخرجت فى كلية الآداب قسم لغة عربية بجامعة عين شمس عام 2001، ودرست دبلومة فى التربية لكى أعمل بالتدريس، ولكنى وجدت أن هناك مدرسين كثيرين فاتجهت إلى تعلم الكمبيوتر وأحببت الانترنت والبرمجة، وأصبحت مدربة للمكفوفين على مهارات الكمبيوتر من 2003 حتى 2010 فى مركز سوزان مبارك للعلوم الاستكشافية. وفى أول 2011 سمعت عن المشروع وأعجبتنى الفكرة فتقدمت واختارونى ضمن فريق العمل الأول، وأتممت فترات التدريب وغيرت مجالى تماما وأصبح الكول سنتر عملي الرئيسي. بعد أن عملت رضا فى الكول سنتر أصبحت تجرى عددا كبيرا من المكالمات التليفونية يوميا، وشعرت أنها تخدم الناس بهذه المكالمات فتقول عن ذلك: "اعتاد الناس أن يقدموا الخدمات لذوى الإعاقة.. ولكن الحال الآن تغير فأنا التى أخدمهم وهذا شعور مختلف. وتبدي إعجابها بالفكرة قائلة: الفكرة أعجبتني جدا لأنها تقوم على الدمج بين المعاقين والأسوياء فى العمل مثل دمجهم فى الحياة، وأثناء إشرافي على العاملين لا أجد فرقا بين ذوى الإعاقة والشخص العادى فكلنا هنا متساوون . وعن الفترة التى تعلمت فيها حرفة الكول سنتر كما تسميها تقول: " قرأت كتبا كثيرة فى هذا المجال وأخدت تدريبا مختلفا لمواجهة أى مواقف صعبة قد أتعرض لها أثناء العمل، وكلنا فريق عمل متميز نسعى لتغيير نظرة المجتمع لنا ولأسلوب تعاملهم مع الشخص المعاق". تجربة ناجحة تعتمد جميع شركات الكول سنتر على عاملين أسوياء إلا أن عمرو دعبس فكر فى أن تكون شركته ( ابيلتى سى سى ) أول شركة تعتمد فى تقديم هذه الخدمة على ذوى الإعاقة. يقول عمرو مدير الشركة: الفكرة لها بعد شخصى فأحد أصدقائى أصيب بمرض فى عينه أدى إلى فقدان بصره، فقررنا عمل أى شىء لمساندته خاصة وأن الجمعيات الأهلية والخيرية لا تساعد المعاقين بل إن معظمها ستار لبيزنس كبير. يرى عمرو أن الجمعيات الخيرية لا تعلم المعاق حرفة أو مهارة بل تعتمد على إعطائه مساعدات مالية، ففكر فى طريقة إيجابية لتعليم المعاقين حرفة، ولأنه يملك خبرة أكثر من 11 عاما فى مجال الكول سنتر فى مصر وخارج مصر، ولأنه قرأ كثيرا عن تجربة مماثلة فى موسكو فقد قرر تطبيق التجربة في مصر. يقول: بدأنا فى يناير البحث عن مكان مناسب وقريب من وسيلة مواصلات آمنة كالمترو لنسهل على المعاقين الانتقال يوميا من وإلى الشركة. ويكمل: فى البداية انتابني خوف شديد ألا أجد كفاءات للعمل، لكن بمجرد إعلاني عن المشروع تقدم عدد كبير وكلهم من أصحاب الكفاءات، وعندما بدأت فى طلب عاملين من ذوى الإعاقة تقدم للعمل مجموعة رائعة من الشباب المكفوفين وآخرين لديهم إعاقه حركيه ممن لديهم إمكانيات ممتازة وحاصلين على ماجستير، وأيضا تقدمت مجموعة من البنات يأتين من محافظات شتى. جدية وإنجاز يؤكد دعبس أن العاملين معه من ذوى الإعاقة لديهم قدرة على العمل وإصرار غير طبيعى جعله أكثر حماسة للعمل وإنجاح الفكرة: " بصراحة لم أكن أتخيل ما وجدته منهم، فهم أكثر التزاما بمواعيد العمل، ويعملون بجدية تفوق الكثير من الأسوياء، ولديهم إرادة وتصميم على الإنجاز لم أرها من قبل، فهم بحق محاربون لديهم سرعة تعلم كبيرة والرغبة في إثبات الذات هامة جدا بالنسبة لهم . يشير دعبس إلى أنه يواجه في عمله ثقافة مغلوطة من بعض أفراد المجتمع تجاه المعاقين بالرغم من كفاءتهم، حتى إن البعض رفضوا التعامل مع الموظفين المعاقين بحجة أنهم غير مؤهلين للعمل ولا يمكنهم إتمام المهمة، ولكن على صعيد آخر هناك عملاء معجبين بكفاءتهم ويودون تعميم التجربة . ويضيف: فئة المعاقين فى مصر مرفوضة فى سوق العمل، ولا أرى سببا لذلك فكلنا خلف التليفون متساوون والناس تتعامل معهم مثل أى شخص دون أن تعرف هل هو معاق أم لا ؟!. وفى شركتى 70% من الأيدي العاملة معاقين وال 30 % أسويا، لأنى مؤمن بأهمية فكرة الدمج حتى لا يشعر المعاق أنه مختلف عن أى شخص، ويكفي ما عانوه من الإقصاء عن المجتمع لفترات طويلة . ويبدى عمرو أسفه من عدم اهتمام أى جهة في مصر بالمشروع رغم اهتمام دول عربية أخرى به، ويقول: وصلتني طلبات من معاقين للعمل بالشركة من السعودية ولبنان ولكن آخر من يسمع بنا أو يهتم بالمشروع هنا فى مصر.