لم يشهد قطاع اقتصادي في مصر حرباً ضروساً أكثر من قطاع السياحة الذي يعاني من مشاكل عديدة وتراجع كبير في العام الاخير، لدرجة انخفض معها الدخل السياحي في مصر ما يقرب من 40٪ بسبب غياب الأمن والاضطرابات والاعتصامات والصدامات بين الثوار والشرطة، اضافة الى الحرب التي يشنها كثير من الفصائل الاسلامية ضد السياحة باعتبارها حراماً لأنهم لا يرون في السياحة غير الخمور والمايوه. بل وخرج علينا البعض بأن الآثار حرام ويجب هدمها وأولها الأهرامات وأبو الهول.. وحتى السيد الرئيس عندما وجه تحياته لقطاعات اقتصادية وأصحاب مهن في خطاب توليه السلطة نسى أو تناسى قطاع السياحة والعاملين به.. ولم يفكر في زيارة اي موقع سياحي. وكأننا رضينا بالهم.. ولكن الهم لم يرض بنا، وبعد دعاوى تأجير قناة السويس وبيع صكوكها.. خرج علينا من يدعو لتأجير الأهرامات وأبو الهول ومعابد الاقصر وكل آثار مصر.. وأعدت وزارة المالية مشروعاً بذلك أرسلته لوزارة السياحة.. مؤكدة أن دويلة قطر هى صاحبة عرض التأجير مقابل مبلغ مائتي مليار دولار. ودائما ما تأتي مثل تلك العروض المشبوهة من دولة قطر - التي لم يعد يشغلها فيما يبدو سوى مصر - مصر الكبيرة العظيمة بقدر ما هى قطر صغيرة ومتقزمة.. لا تراها على الخريطة إلا بعدسة مكبرة، قطر التي اذا ارادت أن تعمل مليونية ستضطر لأن تستلف من مصر ثلاثة أرباع مليون مواطن لاكتمال المليونية! ولا ينكر أحد أن مصر قد عانت في تاريخها مشاكل اقتصادية ومالية أكبر مما تعانيه الآن.. ولكنها لم تعرض ارضها وقناتها وآثارها للايجار ولا سمحت للأقزام أن يعتلوا اكتافها ليبدوا أكبر من مصر، وأعلى شأنا، فالقزم سيظل قزماً مهما زادت ملياراته.. وتلك الأموال والمليارات لا تصنع حضارة أو مجداً ولا يمكنها ويستحيل عليها أن تبنى هرماً واحداً - فالاهرامات هى حضارة وتاريخ مصري - لا يباع ولا يشترى ولا يؤجر. ومصر التي هزمت الانجليز والفرنساويين وقبلهم التتار والهكسوس وبعدهم اسرائيل.. هل يمكن لدويلة مثل قطر أن تحني رأسها أو تركع أمامها.. حاشا لله. ولست أرى في المحاولات القطرية المستميتة للسيطرة على مصر اقتصادياً وسياسياً وتاريخياً وجغرافياً سوى أنها ألعاب صبية.. فقطر في نظري ليست سوى سحابة سوداء تمر فوق ربوع المحروسة.. سوف تنزاح وتتبدد ولن يبقى لها أثر ومصر هى الباقية شامخة. ولو كان نتاج المليارات القطرية صناعة وزراعة وتجارة لهان الأمر، ولكن ناتجها القومي ليس سوى ناتج غاز ينطلق من ارضها، لا فضل لأهله في وجوده.. ويوماً ما سيتبدد ذلك الغاز، لتعود قطر كما كانت من قبل صحراء جرداء بلا تاريخ أو حضارة مهما تحالفوا مع أنظمة تتحالف معهم وتفسح لهم الطريق.. ليتباهوا بمالهم وبقناتهم المنحازة التي تمثل مخلب الشيطان في المنطقة. إن مصر تعاني حقاً.. وجزء كبير من معاناتها هو النظام القائم الذي جاءت به ظروف استثنائية.. ففشل في ادارة البلاد سياسياً واقتصادياً فكان نتيجة ذلك تمزيق الوطن واهدار ثرواته، وجعله فرجة لدول العالم، بعد أن كانت ثورة هذا الوطن مثار اندهاش واعجاب للعالم كله، وكم من ثورات ضلت طريقها، ولكنها في النهاية ستعود لمسارها الطبيعي، وستنال مصر ما تستحقه من نظام ديمقراطي يجمع ولا يفرق ولا يدعي الانفراد بالاسلام دوناً عن بقية فصائل شعبه. إن مصر التي اقامت أول دولة في التاريخ، وكانت امبراطوريتها تمتد شرقاً وغرباً.. مصر التي كانت سلة القمح في العالم.. وصاحبة أعظم جيش واقتصاد في العالم، قادرة على أن تعود كما كانت ووقتها لن تكون قطر أمامها سوى رأس دبوس على الخريطة، لا قيمة له ولا اعتبار. إن مصر كانت وستظل دوماً صانعة التاريخ ودرة الشرق في تاجه، مصر التي علمت الدنيا الزراعة والبناء واكتشفت قوانين الجبر والفلك والحساب.. قادرة أن تعيد تاريخها من جديد وأن تستعيد مجدها ورخاءها وأقولها كلمة أخيرة.. اذا ارادت الحكومة ان تؤجر قناة السويس والاهرامات فلتفعل ذلك ليكون الأمر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير لهذه الحكومة، ولترى ما سيفعله الشعب المصري بها.