في تصريحات متكررة لرموز جبهة الإنقاذ وأحزاب المعارضة وبعض القوى السياسية، يتم التأكيد على أن أي نظام لا ينحاز لمصالح شعبه ويتعمد مواجهة المعارضة بعنف مفرط وصولاً لإراقة وسفك الدماء، هو نظام فقد شرعيته، فكما حاكمنا مبارك وكان ينبغي محاكمة صاحب القرار في زمن الحكم العسكري بجريمة «العلم بإراقة الدماء وممارسة التعذيب دون اتخاذ ما يمنع أو يوقف نزيف الدم»، وعليه لابد أيضاً أن يخضع الرئيس الحالي للمحاسبة بعد توجيه نفس الاتهام بعد تتابع حدوث الانتهاكات من سحل وتعذيب وحتى إراقة الدماء وسقوط شهداء. وإلى هنا، وبالإضافة إلى ما يطالبون به من ضمانات لنزاهة الانتخابات عبر المطالبة بتشكيل حكومة مستقلة، ووصولاً لاتخاذ قرار المقاطعة بعد تيقنهم بعدم جدوى الحوار مع الحاكم وعشيرته، أقول إن كل تلك المواقف والقرارات يمكن تفهمها، ولكن على الجانب الآخر لا يرى الناس في الشارع أو الثوار في الميادين عملاً منهجياً مرتباً مخططاً من شأنه التصدي لوقف ما يتخوفون منه من عمليات وإجراءات على الأرض في اتجاه أخونة الإدارة المصرية وتدخلات مزعجة في نظم التعليم والإعلام والثقافة والسياحة، بعد اكتفاء بعض رموز المعارضة بالهزل في زمن الألم والخراب عبر إطلاق تصريحات ومقالات لتحليل خطط الإخوان بشكل كوميدي مُسلياً لإثارة ضحك القارئ وتخديره.. في مقال للكاتب علاء الأسواني «ست خطوات للتمكين» يتحدث على لسان الرئيس وقد خطط أن يتخذ ست خطوات لتمكين حكمه.. أولا: ودع ناخبيك وحدد هدفك.. ثانيا: استعن بالأتباع والخدم.. ثالثا: اغتصب وكن كفئا.. رابعا: لا تترك الحقيقة عارية بل غطها بالكلام.. خامسا: اعبد الله أمام الكاميرات.. سادسا: احتفظ بهدوئك واستعن بالزمن، وبإسهاب لا يناسب إيقاع بشر تلهث في غضب وحنق ومعاناة ولا وقت لديهم لمتابعة المعلقات الأسوانية التي تسود مساحات هائلة في الصحف السيارة، ثم التفضل بعرضها وتحليلها على مدى ساعات مع مذيع عاشق لإبداعاته لسبر أغوار التناول الدراماتيكي للأبعاد الإخوانية.. فعلاً ينتصر من لديه القدرة على تحقيق الحلم، وليس من يكتفي بعرضه على الأحباب. ويبقى السؤال أطرحه على مثل هؤلاء من اكتفوا أن يحللوا ظواهر الإخوان وجماعات التشدد وتاريخهم ، وفي أحسن الأحوال تفنيد مزاعمهم لتبرير مطامعهم في الغنم بحكم البلاد والعباد وإقصاء كل من تسول له نفسه الأمارة بالسوء بحقوق المواطنة والمشاركة والوجود على أرض المحروسة!!.. أسألهم، وقد كانوا في الميدان، ولكنهم ورغم علمهم بوجود الإخوان خرجوا من الميدان ومعهم الأخ عصام شرف بعد أن ألبسوه تاج الجزيرة رئيساً للوزراء ورغم علمهم بأنه عضو لجنة السياسات المباركية وفشله في مواجهة أزمات النقل كوزير للنقل وبالفعل رسب المسكين في أول اختبار عندما قرر تعيين محافظ تم رفضه من قبل الجماهير، وكان خروج الناس لقطع الطريق للمرة الأولى لتسقط هيبة الدولة التى ما عادت حتى الآن بقراره تجميد قرار تعيين المحافظ، ثم خيبة حضور المشايخ والكهنة والحلول العرفية للم الدور.. ثم كانت كوارث تشكيل لجنة تعديل الدستور المحايدة المستنيرة وتبديلها بلجنة البشري ومأساة موقعة الصناديق والموافقة على إقامة أحزاب دينية لها أذرع سياسية حاكمة ومتحكمة باسم الدين.. ثم إهمال وثائق الأزهر العظيمة، والضحك على نخبة الندامة لإسقاط وثيقة السلمي ،فكانت لجنة سلق الدستور، وصياغة وخروج دستور الإذعان والآن نحن بصدد انتخابات البرلمان مع مقاطعة أصحاب معلقات سوق عكاظ.. والسؤال أين كنتم وكل مثل تلك الكوارث يتسارع حدوثها، هل اكتفيتم بالتزاحم على ميكروفونات مؤتمرات الشجب والإدانة والرفض والمقاطعة للتفرغ لفضح مثالب الإخوان وكشف مخططاتهم؟! ثم السؤال الأهم، وأنتم الخبراء بتاريخ الإخوان لماذا رضيتم بدور المحلل والمروج لمصداقية الإخوان بتوقيعكم على وثيقة فيرمونت والخروج للجماهير للمشاركة في خداعهم وتضليلهم. يا أصحاب معلقات عكاظ أنتم شركاء في حمل وزر ماتم سفكه من دماء، ولا تتصوروا أن نجاتكم في الاكتفاء بمهاجمة الإخوان. أنتم شريك كامل في تحمل مسئولية تداعي أحوال البلاد وتراجع أحلامها. نعم جميعنا شركاء في إهدار استثمار الفرص التي ضاعت وسرقت بعد دفع الثمن من دماء شباب طاهر. نعم، بعد ثورة فرط في اقتناص مكاسبها من قاموا بها، وجلس على كرسي السلطان مرشح الإخوان، وبعد شهور سبعة من حكم «المُنتخب» بات الناس فيها «مصريون» أو «إخوان» وغاب أثر مبارك الوحيد وإنجازه العبقري في مجال «الاستقرار» و «القضاء المستقل إلى حد ما» وتم الإجهاز على الاحتياطي النقدي، وانتشار الفوضى والجريمة وتوفير سلاح لكل مواطن، وإفراج عن قتلة وإرهابيين وتشكيلهم أحزاباً دينية، وظل الغضب يتصاعد ودعوات العصيان المدني تتعالى وتنتشر وتلقى قبولاً، ويخرج السلطان ليحاوره أحدهم في ليلة ظلماء، وبعد منتصف الليل ليقول شاهراً إصبعه في مواجهة محدثه مهدداً «ماض أنا في طريقي إلى مُنتهاي»، والحقيقة أنا غير متأكد من نهاية العبارة نظراً لعنت متابعة حوار تأخر بثه على هذا النحو، هل قال منتهاي أو مُنتهاه عائدة على الطريق أو منتهانا ويقصد الشعب الباقي بإذن الله رغم استمرار سفك الدماء؟! نعم، إنها الدماء التى نهانا المولى عن إهدارها عبر تعاليم الأديان.. في آيات من القرآن الكريم واضحة لإجلال دماء الناس وحرمتها {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وفي نص آيات من الكتاب المقدس (العهد القديم) ما يشير إلى هول صراخ الدماء الذي يصعد مباشرة إلى الخالق العظيم، تقول الآيات «وحَدَثَ إذ كانا في الحَقلِ أنَّ قايينَ قامَ علَى هابيلَ أخيهِ وقَتَلهُ. فقالَ الرَّبُّ لقايينَ «أين هابيلُ أخوكَ؟». فقالَ: «لا أعلَمُ! أحارِسٌ أنا لأخي؟». فقالَ «ماذا فعَلتَ؟ صوتُ دَمِ أخيكَ صارِخٌ إلَيَّ مِنَ الأرضِ. فالآنَ مَلعونٌ أنتَ مِنَ الأرضِ التي فتحَتْ فاها لتقبَلَ دَمَ أخيكَ مِنْ يَدِكَ» (تك4).