عزيزي القارئ.. اعذرني لقد أصبت بعتامة رؤية نتيجة للضباب والانفلات الذي نعيش فيه. تحول المصريون الي أسري تحت رحمة البلطجية والحرامية وقطاع الطرق تحت قيادة مكتب الإرشاد والإخوان المتأسلمين. تحولت العتامة الي بؤرة سوداء في مراكز المخ جعلتني عاجزا عن التفكير وعاجزا عن التفاعل والتناغم مع الآخر.. فتحولت الي إنسان شارد.. مكتئب أحيانا.. أميل الي العزلة.. رافض الواقع الذي يدور حولي برمته. كثير من الأصدقاء ومنهم صديقة معروفة أن لديها حسا وطنيا وسياسيا وخبرة مميزة.. نصحوني أن أعيش يومي ولا أحمل نفسي ما لا أطيق. بصراحة زعلت أكثر لأن هذا يؤكد لي أن الإنسان المصري فعلا يأس ويكاد يفقد انتماءه وهذه نخبة فكيف حال البسطاء وعابري السبيل. إن الانتماء وحب مصر والرغبة في التغيير الي الأفضل يعتبر كل هذا الدافع الأساسي للكفاح ضد الظلم والفساد وأخونة مصر. المصري طول عمره يعشق تراب مصر وحواريها ويفخر بأنه مصري ويذوب عشقا وهو يطوف بذكريات وتاريخ مصر عندما يتجول تحت الربع وفي الحسين وشارع المعز ويري الكنيسة المعلقة ومصر عتيقة والسيدة نفيسة والمقطم والأهرامات والمومياوات وشموخ أبوالهول ونهر النيل وشاطئ النخيل ومياه الغردقة ورأس محمد وقناة السويس وبلح الواحات وقصب الصعيد والفراخ الفيومي وبط بحيرة المنزلة.. أقول إيه وللا إيه؟! كانت مصر أم الدنيا. تحول المصري الي رجل صامت يراقب ويعلق ولا يفعل شيئا.. تحول إلي أرجل تجري وتلهث خلف الجنيه.. يجري وراء المصلحة بأي أسلوب وبأي ثمن منتهي السلبية ومنتهي الأنانية فعلا عايش يومه وخلاص. والله أنا عارف معذورون.. عاشوا ستين سنة تحت حكم ديكتاتوري عسكري، شعارات وأكاذيب وحكام مسيطرة وادعاء بالديمقراطية المزيفة وتعدد أحزاب كرتونية وقوانين مهمشة وفقد القدوة مما جعل الناس بتاكل في بعضها وفقد الناس الثقة في كل الناس. هزمتني الأيام.. بعد أن فقدنا الأصالة والمبادئ والتدين الوسطي المحترم والثقافة والتعليم.. كنت أعيش وسط قامات تثقل فكري وتدفعني للمعرفة والإبداع وحب الأرض والعطاء. هزمتني الأيام.. بعد أن أصبح القبح سيد الموقف في كل مكان وانتهت أسطورة مصر هبة النيل وأصبحت مصر هبة المجاري والقمامة والعشوائيات وأطفال الشوارع. هزمتني الأيام.. بعد أن انطفأت شعلة الإبداع وغابت الثقافة وانحدر الذوق العام وتربعت قلة الأدب علي رؤوس الأشهاد وانتهي المسرح واحتلت الفئران والعرس مكان الممثلين. هزمتني الأيام.. بعد أن ضاع الفن الجميل.. هل تتذكر عزيزي القارى جلال معوض وأضواء المدينة وحفلات أم كلثوم والأطرش وعبدالحليم.. هل تتذكر سهرات الحسين في رمضان بين الإنشاد والعبادات المحترمة غير المتطرفة وصوت عبدالمطلب وشفيق جلال ومحمد العزبي وخضرة محمد خضر وكارم محمود.. هل تتذكر دار الأوبرا والبرامج الأوروبية علي مدار العام. هزمتني الأيام.. عندما أتذكر قاعة سيد درويش والمسرح القومي ومسرح الحكيم والريحاني وإسماعيل يس.. حقول إيه وللا إيه!! كل ده تحول الي خرابات وبنايات مظلمة ينخر فيها السوس. هزمتني الأيام.. وأنا أتذكر قعدة حديثة جروبي وتمشية شارع سليمان وقصر النيل كل ده تحول الي عشوائيات تضم تجار المخدرات والمجرمين.. قلبي حزين عندما أتذكر وجوه المارة وروائح البارفانات وأحدث الموديلات وأجمل الفتيات وأشيك الرجال.. أبكي وأنا أري السنج والمطاوي وأسمع أحط الألفاظ.. والدولة والحكومة ومرسي تائهون يبحثون عن أخونة الدولة.. دولة إيه.. الدولة سقطت بأيديكم. هزمتني الأيام.. بعد أن فرحت بثورة 25 يناير ولم يمر الكثير وضاعت الثورة علي يد العسكر والإخوان المتأسلمين المتخلفين اللي خربوا مصر وجعلوها تطل علي أبواب الإفلاس. هزمتني الأيام.. وأنا أري النخبة والقوي السياسية تتصارع.. دي خيبة قوية وسبق أن كتبت لهم اتحدوا أو ارحلوا الي الأبد.. اتحادكم ومقاطعتكم للانتخابات ستكون القوة الضاربة لسقوط الإخوان.. ولكن للأسف هناك من يبحث عن توازنات وزعامات وهمية والكل نسي مصر.. وحنروح كلنا في داهية. هزمتني الأيام.. بعد أن تحول الإنسان المصري الي وحش كاسر يدمر بعضه بالمبيدات المسرطنة والهرمونات والزرع بمياه المجاري والغش والتدليس ورفع الأسعار والاحتكار.. يا عالم اصحوا واتقوا الله.. ثورة الجياع لن ترحمكم وستدمر الأخضر واليابس.. لقد ضاق بالناس كل شيء. عزيزي القارئ.. ماذا نفعل نستورد ناس تحافظ علي مصر.. المصريون بيخربوا في مصر من أجل مصالحهم.. الكل بيفتي.. الكل بيتكلم.. الكل بيكذب.. الكل بيسرق.. حرام والله البلد دي لو مع شعب يعرف قيمتها تكون أحسن بلد في العالم.. الزمن سيقول كلمته ولن يرحم هذا الجيل الذي يدمر مصر ويسكت علي الإخوان كما سكت علي العسكر ستين عاما. تهت.. وزهقت.. وفقدت الأمل خاصة أنني شيخ، أيامي معدودة ولا حول لي ولا قوة وبصراحة أنا حزين بعد أن هزمتني الأيام. المنسق العام لحزب الوفد