هكذا كانت صيحة عرابي في ساحة قصر عابدين ذروة المشهد السياسي للثورة العرابية التي بدأت بتأسيس الضابطين علي الروبي واحمد عرابي جماعة سرية داخل الجيش في محاولة منهما لاصلاح البلاد قبل أن تنشأ جمعية حلوان التي ضمت عددا من الاعيان المستنيرين لتحقيق الهدف نفسه لتندمج بعدها المبادرتان وتأخذان ولأول مرة في الشرق شكل الحزب السياسي الذي عرف فيما بعد بأسمائه الثلاثة:حزب الفلاحين-الحزب الوطني-الحزب الاهلي، وكان رئيسه محمد حليم باشا يمثل واجهته السياسية فيما ظل عرابي واجهته العسكرية. كان الضباط الفلاحون في الجيش المصري مدركين وبوعي مبكر انهم طليعة هذا الشعب للمطالبة بحقه في السيادة علي مقدرات وطنه، لتمضي الاحداث نحو الثورة العرابية وتكشف عن تلاحم القوي الوطنية بشقيها المدني والعسكري فكانت مطالبة الجيش بحكومة يرأسها شريف باشا الملقب بأبي الدستور أول المطالب التي حملها الضباط والجنود الفلاحون لحاكم كانت عقيدته ان المصريين عبيد إحساناته وانهم تركة ورثها عن أجداده وهو المملوك القادمة عائلته لمصر قبل ثمانين عاما من ذلك. ❊❊❊ بعد معاهدة 1936 التي وضعت الحجر قبل الاخير لاستقلال مصر التام عن بريطانيا، يتدفق أبناء المصريين مرة اخري للانخراط في الجيش المصري بفضل المعاهدة التي زادت أعداد الجيش في ظروف دولية ساعدت علي ذلك، وهي ظروف ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية التي اشتعلت بفعل أوجاع وآمال وطنية في كثير من دول العالم كان بعضها متطرفا كما في المانيا وايطاليا وروسيا وهي الدول التي تشابهت في استبدادها لكنها اختلفت في تحالفاتها اثناء الحرب لتحارب روسيا المستبدة بجانب حلفاء الديمقراطية فيما شكلت ايطاليا والمانيا ركني دول المحور قبل انضمام اليابان اليهما . في هذه الاجواء كانت نشأة الضباط المصريين الملتحقين حديثا بالجيش ورغم هزيمة اثنين من الطغاة في المانيا وايطاليا إلا أن نجاح الثالث في روسيا ابقي تأثير سحر الاستبداد في مخيلة هؤلاء الضباط الذين كانت الوطنية والوطنية المتطرفة غالبا باعثهم علي التحرك قبل ان تنجز الثورة الشعبية التغيير المنشود في مصر وهي الثورة التي اندلعت بعد إلغاء معاهدة 36 في عام 1951 لتبدأ حركة الفدائيين ويستمر تصاعد الثورة الشعبية حتي مؤامرة الاحتلال بحريق القاهرة 25 يناير 1952 لتذهب وزارة الشعب التي قادت الثورة برئاسة زعيم الامة مصطفي النحاس وتدخل مصر مرحلة فوضي سياسية انتهت بعد ستة أشهر بقيام بعض ضباط الجيش الشباب باسقاط النظام الذي تلاعب بإرادة شعبه وبالدستور في 23 يوليو1952 والتي أعلنوا في بدايتها انهم قاموا بحركتهم من أجل الدستور ،لكن تطور الاحداث في اجواء الحرب الباردة وتطرف المحافظين الجدد في امريكا وعلي رأسهم وزير خارجيتها جون فوستر دالاس خرج بمسار هذه الحركة الوطنية لهؤلاء الضباط ليرتموا في احضان روسيا دولة الاستبداد الاولي في عالم الحرب الباردة التي تسببت في تأخر قطار الديمقراطية المصري مثلما تسبب الاحتلال الانجليزي قبله في تعطيل خروجه من محطة الاستبداد. ❊❊❊ »لن نطلق رصاصة واحدة علي شعبنا« هكذا كان موقف الجيش المصري في 2011 ممثلا في مجلسه الأعلي ليعيد عجلة التاريخ الي مسارها الصحيح ليثبت الجيش وللمرة الثالثة وعبر ثلاثة قرون متتالية انه جيش الشعب وأن ولاءه الأول والأخير لشعبه الذي صنعه وليس لحاكم توهم أنه اصطنعه. ورغم أن التحديات أمام الجيش كانت كبيرة ورغم ان المؤامرات كانت كثيرة لكنه كشف عن وعي كبير باللحظة التاريخية وفهم عميق لأوضاع مصر والشرق الاوسط والعالم سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا مدركا ان قطار الديمقراطية المصري آن له أن يصل بعد طول انتظار. ومن هنا فلا مبالغة حين نقول إن اداء الجيش المصري في ثورة 25يناير 2011 هو الصفحة الاكثر إشراقا في تاريخه رغم كثرة ما به من هذه الصفحات حين أثبت الجيش مجددا انه جيش الشعب.