الخطر الذي يواجه مصر في هذه المرحلة هو جمود الفكر رغم تغيير الأشخاص، وزوال النظام بكامله في حدث لا يتكرر كثيراً في مسيرة الأمم والشعوب، وكان من الطبيعي بعد 25 يناير أن نري فكراً جديداً ووجوهاً جديدة في معظم المواقع التنفيذية بهدف ضخ دماء جديدة في شرايين هذا الوطن، وبث روح الطمأنينة في نفوس المصريين وفي غد أفضل.. إلا أن ما حدث مؤخراً في تعيين محافظين جدد قد أصاب معظم المصريين بالإحباط، وأثار سخط المواطنين في عدة محافظات كان علي رأسها قنا بسبب استخدام نفس النهج والفكر القديم، والمؤسف أنه تم بنفس الشكل والمضمون الذي كان يتبعه النظام السابق في قراراته العشوائية التي كان يفرضها ويرسخها بنفوذه الأمني والسياسي، ويبدو أن المسئولين عن هذه الاختيارات قد نسوا أن الشعب يعيش حياة جديدة بعد ثورة 25 يناير إلي أن اصطدموا بغضبهم ورفضهم. لم يعد مقبولاً أن يكون منصب المحافظ مكافأة نهاية الخدمة لأحد الضباط أو لأستاذ أو رئيس جامعة سابق، خاصة أن بعض من شملهم قرار التعيين، حولهم علامات استفهام، واتهامات أثناء ممارسة وظائفهم السابقة في ظل النظام البائد.. الأمر الآخر والأهم هو استمرار النظرة السطحية لمنصب المحافظ الذي يعد أهم الوظائف التنفيذية لسياسات وأفكار الحكومة، وحلقة الاتصال المباشر بين الشعب والحكومة لوقوفه علي مشاكل ومعاناة المواطنين، وهي الميزة التي افتقدها المحافظون السابقون بعد أن التصقوا بالحكومة المركزية، وكان كل ولائهم لها وليس للشعب. للأسف الاختيارات تمت بنفس الفكر القديم، لذلك جاءت مخيبة للآمال علي شتي المستويات، وكان الأمل أن تكون حركة المحافظين بداية حقيقية لأفكار جديدة ووجوه جديدة ونوعيات جديدة يأتي علي رأسها بعض الوجوه الشابة والمتحمسة، وأيضاً بعض السيدات اللاتي أثبتن كفاءة في مواقعهن الوظيفية ومسيحيون في محافظات الوجه البحري، وليس شرطاً في محافظات الصعيد، ومادمنا في مرحلة تعيين المحافظين، ولم نصل بعد إلي مرحلة انتخابهم التي تحتاج إلي تشريعات جديدة.. ليس عيباً في إجراء تعديلات في أي وقت في حالة فشل بعضهم أو عدم إثبات كفاءة، المهم أن يشعر الشعب أن هناك تغييراً وهناك محاولات، وهناك أفكار جديدة. القضية الأخري التي تشير إلي جمود الفكر، ولفتت الانتباه وأثارت تساؤلات المصريين هي الصمت الرسمي المصري تجاه ما يحدث في ليبيا في ظل تدخل المجتمع الدولي بشكل عام، وعدة دول غربية وعربية بشكل خاص، وتواري مصر تماماً عن المشهد الذي يشكل لنا أمناً قومياً وعرقياً واقتصادياً، تحت زعم أننا نمر بظروف خاصة بعد 25 يناير!!.. صحيح أن قواتنا مشغولة بالشأن الداخلي، إلا أن العلاقة الخاصة مع ليبيا، والتغير الذي طرأ علي مصر كان يستدعي تحركاً مصرياً فعالاً وقوياً وجريئاً علي المستوي الدبلوماسي والشعبي حتي يشعر الشعب الليبي بوجود مصر علي رأس القوي الفاعلة في ليبيا في ظل الأعمال البربرية التي يقوم بها القذافي ومرتزقته من سحق وتدمير لليبيين وأيضاً المصريين العاملين هناك، بدلاً من هذا الصمت والسكون والترقب، وهو نفس الأسلوب الذي كان يتبعه النظام البائد وتسبب في تقزيم مصر. ياسادة كفاكم جموداً في الفكر، ولا تنسوا أهمية ليبيا لمصر.. ولا تنسوا أن الشعب الليبي يعول كثيراً علي مصر في هذه اللحظات الحاسمة، وأيضاً في المستقبل لإعادة تعمير وبناء ليبيا التي دمرها القذافي.