- راهنت كل القوي السياسية العربية علي سقوط نظام بشار الأسد خلال فترة وجيزة انطلاقا مما حدث في ثورتي مصر وتونس بعد اندلاع التظاهرات الشبابية في درعا اعتبارا من الثلث الأخير من مارس سنة 2011 مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولقد حاولت السلطات السورية في بادئ الأمر السيطرة علي الموقف في درعا وعدم امتداده إلي بقية مدن الجمهورية السورية بإطلاق مجموعة من الحوافز السياسية والاقتصادية لتهدئة الجماهير والمعارضة وبدء السلطة السورية عمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي إلا أن المعارضة رفضت ذلك وارتفع سقف مطالبها بضرورة رحيل نظام بشار الأسد. ولما كان الموقف السوري يتصف بخصوصية معينة تختلف عن بقية الدول العربية داخليا وإقليميا ودوليا. وبالتالي لا يمكن أن ينطبق عليه ما حدث في مصر وتونس، الأمر الذي يتطلب تقييم طبيعة وقدرات ومقومات وآليات النظام السياسي السوري والتي تناولناها في مقال عن الموقف في سوريا واحتمالاته يوم 9 إبريل سنة 2011 كالتالي: تتمثل المنظومة السياسية في سوريا في حزب البعث السوري وبدون أي منافس له من أية قوي سياسية أخري في الحكم. إن القاطرة الاقتصادية في سوريا وبصفة خاصة تقود قاطرة السياسة ولا تسمح القوي الاقتصادية لأية مؤثرات سياسية أن تحد من نشاطها أوالمساس بها. إن الكتلة الصلبة السورية تتمثل في قيادات القوات المسلحة السورية والتي تنتمي تنظيميا وقياديا إلي حزب البعث الحاكم والجيش يسهم بقدر كبير في دعم المنظومة السياسية ويعتبر رمانة الميزان لأمن النظام الحاكم في سوريا. وإذا ما انتقلنا إلي موقف سوريا الإقليمي والعربي فإننا نشير إلي التالي: تمتلك سوريا القدرة علي ترتيب الأوضاع في لبنان والعمل علي استقرارها بما يتفق مع سياستها وأمن سوريا القومي. احتضنت سوريا قيادات حزب البعث العراقي والذي يشكل تحركها ضد العراق تهديدا للعملية السياسية بها كما احتضنت أيضا ولفترة قريبة قيادات حماس والقيادات الفلسطينية الأخري التي تتوافق سياستها مع حركة حماس. تعزيز دورها الإقليمي بالانفتاح علي إيران والعمل أيضا كحلقة اتصال بين إيران وحزب الله في لبنان ولعبت نفس الدور سابقا مع حركة حماس في غزةودمشق بالإضافة إلي تدعيم قدراتها الصاروخية بالدعم الإيراني وتعزيز دورها لقوة اقتصادية محورية أيضا صاعدة في المنطقة العربية بالتعاون مع إيران. أما بالنسبة لموقف إسرائيل حيال الأوضاع في سوريا فإن القيادة السورية لديها قناعة كاملة بأن قضية هضبة الجولان لا يمكن حلها إلا بالتفاوض، وبالتالي فإن تعامل إسرائيل مع أي نظام سوري حاليا أو مستقبلا لن يكون إلا من خلال المفاوضات وبدون أية بديل آخر خاصة وأن نقاط الاختلاف تنحصر في خط الانسحاب الإسرائيلي والذي تطالب إسرائيل بأن يتم إلي الحدود الدولية سنة 1923 وتصر سوريا أن يكون الانسحاب إلي خطوط 5 يونيو سنة 1967 حتي تسيطر علي منطقة الحمة (63 كم2) والتي تتحكم في مياه بحيرة طبريا وطرق الاقتراب إلي الهضبة السورية (مرتفعات الجولان). - بالإضافة إلي ما سبق فإنه لا توجد مصلحة مباشرة للقوي الخارجية حاليا خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية لتغيير النظام في سوريا وبالتالي لن تتدخل مباشرة في أية صراعات في الوقت الحالي انتظارا لمردود وحركة الشارع السوري والتي مازالت تحت السيطرة من نظام الحكم السوري يساعده في ذلك حزب الله في لبنان وفلول حزب البعث العراقي في سوريا حيث إنهم أصحاب مصلحة في استمرار نظام الحكم الحالي. - ولذلك فإن ثوابت تغيير نظام الحكم في سوريا لابد أن تنطلق من ضوء أخضر من طبقة التجار السوريين وانقلاب حزب البعث السوري بالاتفاق مع القوات المسلحة علي نظام الحكم فيها ولابد من ائتلاف هذا التحالف للتخلص من نظام الحكم، ومن الواضح أن حزب البعث متحالفا مع القوات المسلحة لا يرغب في تغيير النظام في الوقت الحالي ولازال الموقف بالنسبة لهم تحت السيطرة ميدانيا ودوليا انطلاقا من الدعم السوفييتي والتي تحرص روسيا علي استمرار دعمه وعدم التخلي عنه سياسيا وعسكريا حيث عززت وجودها في ميناء طرطوس كما أمدت دمشق بصواريخ من طراز (إسكندر) لموازنة مظلة الناتو بصواريخ باتريوت وللمحافظة علي آخر حليف لها في منطقة الشرق الأوسط والاحتفاظ بقاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري بالإضافة أيضا إلي الدعم الصيني لها دوليا للمحافظة علي مصالحها الاقتصادية والبترولية. - وبالرغم مما سبق فلقد أصابت الغيبوبة السياسية أجهزة المعلومات وتقديرات المواقف للدول العربية وتعاملت مع الموقف في سوريا علي خلفية الموقف المصري والتونسي متناسية أن السيناريو الليبي أيضا لا يمكن تكراره في سوريا لاعتبارات محلية ودولية خاصة روسيا والتي فقدت مصالحها وتأثرت استراتيجيتها في الشرق الأوسط بعزلها عن ليبيا واستيلاء أمريكا والدول الغربية عليها وهو ما أدي إلي قيام الدول العربية والجامعة العربية باتخاذ مواقف لا تتماشي مع التركيبة السياسية والاقتصادية والعسكرية لسوريا ومن أهمها أن الجيش السوري جيش عقائدي ولاؤه لحزب البعث الحاكم وهو رمانة الميزان للحزب واستمراره. - وأدي سوء هذه التقديرات إلي أن أصبحت الأنظمة العربية والجامعة العربية جزءاً من المشكلة وليست حلا لها وترتب علي ذلك قطع جميع وسائل الاتصال بين كل الدول العربية والجامعة العربية وبين النظام السوري. - ولذلك فإنه للخروج من هذا المأزق السوري والذي لا يلوح في الأفق نهاية له مع ازدياد نزوح السوريين خارج البلاد، فإن الأمر يتطلب ضرورة سرعة البحث عن آلية لاستقرار سوريا لانقاذ ما يمكن إنقاذه الأمر الذي يبقي محل خلاف. لواء/ محمد رشاد خبير أمني