طفلان يلقيان مصرعهما فى حمام سباحة بأحد الكمباوندات الشهيرة.. وآخر يفقد وعيه وينزف حتى الموت فى القاهرة شروط السلامة والأمان غائبة عن حمامات الكمباوندات.. والمنقذون غير المدربين كارثة إهمال يودى بحياة فلذات أكبادنا إلى الموت، أرواحهم أصبحت ثمنًا بخسًا عند أصحاب النفوس الضعيفة ممن يبحثون عن الكسب السريع بدون تعب، عن طريق حمامات السباحة غير المرخصة، أو المرخصة ولكنها تفتقد لمعايير السلامة والأمان، حيث تعتمد هذه الحمامات على مجموعة من الهواة عديمى الخبرة فى إنقاذ الأرواح، فشهوة جمع المال أصبحت الأهم ولو على حساب أرواح الأطفال، ورغم أن حمامات السباحة تهدف لإسعاد ورفاهية الأطفال، إلا أن لحظات الفرح والمرح تنقلب فجأة إلى صراخ وفزع نتيجة تعرض أحد الأطفال للغرق ولا يجد من ينقذه، لتتحول هذه الحمامات إلى أماكن للموت بدلا من المتعة والمرح. مع قدوم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة تصبح حمامات السباحة هى الأمل لكثير من الأطفال وأسرهم للتغلب على حرارة الجو، ومنهم من يلجأ للأندية الرياضية الكبرى ومنهم من لا يجد أمامه سوى حمامات فى أندية صغيرة أو ساحات تشرف عليها جهات خاصة، وغالبا ما تكون العواقب وخيمة، فكل صيف يروح عدد من الأطفال ضحايا للغرق فى حمامات السباحة. فخلال شهر يونيو من العام الحالى، تعرض طفلان للغرق فى أحد حمامات السباحة بكمباوند دريم السكنى بمدينة 6 أكتوبر، حيث كشفت تحريات إدارة البحث الجنائى بالجيزة عن تلقى العقيد فوزى عامر مفتش مباحث قطاع أكتوبر، إشارة من شرطة النجدة بغرق طفلين داخل حمام سباحة ملحق بكمبوند دريم. وانتقلت قوات الشرطة إلى محل البلاغ، وكشفت تحريات المقدم إسلام المهداوى رئيس مباحث قسم أول أكتوبر، أن سيدة تبلغ من العمر 42 سنة، تعانى من مرض السرطان اصطحبت أطفالها الثلاثة إلى الكومباوند للحصول على إعانة مالية من سيدة، وطلبت من السيدة السماح للأطفال بنزول حمام السباحة وتركتهم به بينما جلست هى مع السيدة فى شقتها، ونظرا لعدم إجادة الأطفال السباحة تعرض الطفلان اللذان يبلغان من العمر 7 و9 سنوات للغرق، بينما تم إنقاذ الطفل الثالث الذى يبلغ من العمر 4 سنوات بعد أن تم تقديم الإسعافات الأولية له. وتم انتشال جثتى الطفلين وتحرير المحضر اللازم وتم التصريح بدفنهما. هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها فقد سبقتها كوارث أخرى ففى عام 2019، شهدت مدينة السلام بالقاهرة واقعة مأساوية حيث لقى طفل مصرعه داخل حمام سباحة بعد فقدان وعيه، وأمرت نيابة السلام بتشريح جثة الطفل لمعرفة وجود شبهة جنائية من عدمه، خاصة بعد تضارب آراء الشهود حول الواقعة لتسجل حمامات السباحة حالة جديدة من حالات الوفاة. وكان قسم السلام قد تلقى إخطارا من مستشفى السلام، يفيد بوصول الطفل «محمد.ا» مصاب بشرخ بالجمجمة وفى حالة نزيف مما أدى لوفاته على الفور، وبإجراء التحريات تبين أن الطفل كان يسبح بأحد حمامات السباحة بمدينة السلام، واصطدم بأحد الحواجز وظل ينزف داخل حمام السباحة دون رقابة من المسئولين. كما لقى طفل فى الثامنة من العمر، مصرعه غرقا داخل حمام سباحة أهلى بدائرة مركز شرطة ساقلتة بمحافظة سوهاج، وتم انتشال جثة الطفل، وبتوقيع الكشف الطبى، تبين عدم وجود إصابات ظاهرية، وأن سبب الوفاة «إسفكسيا الغرق»، ولا توجد شبهة جنائية فى الوفاة. هذه الكوارث وإن كانت هى الأخطر إلا أنها ليست الوحيدة التى تسببها حمامات السباحة، فهناك مشكلات أخرى تنتج عنها، حيث ذكرت صحيفة «ذا صن» البريطانية أن حمامات السباحة تحتوى على أنواع من البكتيريا والطفيليات القاتلة، وأكد مدير التطوير النوعى فى موقع «سيفتى ترينينج أورودس»، لوك غريفيثس، أنه «لا يكفى أن تبدو أحواض السباحة نظيفة وصافية.. فهى قد تكون ملاذا لعدد من الميكروبات الضارة مثل «كريبتوسبوريديوم» الذى يسبب مجموعة من أمراض الجهاز التنفسى والهضمي. ولهذا السبب دعا «غريفيثس» مرتادى أحواض السباحة إلى عدم الشرب من مياه تلك البرك أو الأحواض، مشيرًا إلى وجود نوعين من الطفيليات الضارة والمؤذية الموجودة فى أحواض السباحة التى لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة فى العادة هما كريبتوسبوريديوم وجياردية، والأخيرة عبارة عن طفيل ذى سوط يستقر فى الأمعاء الدقيقة، مشيرًا إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة يمكن أن يشفوا من الأمراض التى تتسبب بها هذه الطفيليات والبكتيريا، فى غضون 3 أسابيع، أما من يعانون من ضعف فى جهاز المناعة قد يواجهون «خطر الموت». وأشارت الصحيفة إلى أن العشرات من البريطانيين الذين ارتدوا مسابح خلال العطلة الصيفية أصيبوا بالإسهال نتيجة هذه الطفيليات، وبحسب هيئة الخدمات الصحية الوطنية فإنه لا يوجد علاج محدد لهذه الطفيليات. وتعتبر بكتيريا الزائفة الزنجارية من أنواع البكتيريا التى قد توجد فى أحواض السباحة، وقد تتسبب بمشكلات صحية كبيرة، خصوصا لمن كانت صحتهم ليست على ما يرام. إرشادات السلامة والصحة المهنية فى مهب الريح ومن جانبه قال المهندس محمد شتلة المدرب بمعهد السلامة والصحة المهنية، إن القائمين على حمامات السباحة «غير المرخصة»، هم السبب الرئيسى فى إهدار الأرواح، حيث أن هناك اشتراطات لا يتبعونها، وهى الحصول على موافقة إنشاء من قبل مديريات الشباب والرياضة، وتراخيص مزاولة المهنة من فروع نقابة المهن الرياضية، ويشترط مرور لجان تفتيش كل فترة للتأكد من مطابقة المواصفات وعضوية المدربين بالاتحاد حفاظًا على سلامة المتدربين، لافتًا إلى أن لحمامات السباحة معايير واشتراطات للأمان والسلامة، وهى ألا تقل مساحة المسبح الخاص عن (25) مترًا مربعًا، ولا يجب أن تقل مساحة المسبح المخصص للاستخدام العام والتجارى عن (80) مترًا مربعًا، وأنه يجب تصميم وتنفيذ المسابح بحيث تكون غير منفذة للمياه، كما يجب توفير درجات وسلالم إذا زاد العمق على (60) سم، وتوفير سلم واحد على الأقل لكل (30) مترًا طوليًا من محيط الحوض. وأكد «شلتة» أن حمامات السباحة بالكمباوندات السكنية منها ما هو مخالف للاشتراطات القياسية، وتتسبب فى حالات غرق متعددة، والبعض أنشأ حمامات السباحة لجنى الأموال دون رقيب أو حسيب، متابعًا أنه من ضمن الإجراءات الواجب توافرها هى أن تكون سلالم الحوض مقاومة للتآكل ومزودة بمواطئ أقدام مقاومة للانزلاق، مع الالتزام بالمواصفات العالمية للتمديدات والتركيبات الكهربائية الخاصة بالمسابح، وتوفير عدد كافٍ من معدات السلامة للأشخاص الذين يستعملون حوض السباحة وبمعدات الإنعاش التى تستخدم الهواء العادى، مع ضرورة وجود أدوية ومعدات إسعاف أولى بالقرب من حوض السباحة. وتابع أن هناك اشتراطات تتعلق بالموقع وهى: مدى التوافق مع التخطيط السكنى – والمساحة – والقرب أو البعد عن محطات الوقود أو الغاز – والمداخل والمخارج – والبعد عن مصادر التلوث – وإجراءات التراخيص المختلفة – ووجود خطة الطوارئ. وهناك اشتراطات فنية تتعلق بالتصميم وهى: الالتزام بمتطلبات السلامة والأمان وكافة النواحى الإنشائية والميكانيكية والكهربائية والصحية وطرق العزل المائى والحرارى، وهناك متطلبات خاصة بالتنفيذ والاختبار وهى أمور يتولى تنفيذها والإشراف عليها مكتب هندسى استشارى معتمد يضم خبراء ومهندسين على كفاءة عالية فى إنشاء المسابح، وهناك اشتراطات صحية منها المحافظة على نظافة حمامات السباحة ونقاوة المياه بها والفحص الدورى والمستمر لمحتوى المياه من الكيماويات المستخدمة كالكلور لتعقيم المياه وقتل البكتيريا والفيروسات التى قد تتواجد بها، والشامبو المستخدم لمنع تكون الطحالب فى مياه الحمامات أو استخدام أية مواد أخرى لتعقيم المياه شريطة أن تكون مطابقة للمواصفات القياسية، بالإضافة إلى وجود نظام ميكانيكى آمن لسحب ودفع ومعالجة مياه حمامات السباحة. هذا فضلاً عن أهمية توافر الشروط الصحية فيما يخص أماكن تغيير الملابس ودورات المياه وفوط الاستحمام التى يتم إمداد المستحمين بها وكافة الأدوات الأخرى مع التأكد من تعقيمها ونظافتها دائما. وأشار «شتلة» إلى أن هناك مشكلة أخرى فى بعض حمامات السباحة وهى: ضعف التجهيزات الواجب توافرها فيها، وتجاهل الاستعانة بكوادر مدربة ومؤهلة على الإنقاذ طبقا لأحدث الأساليب العلمية، والاعتماد على مجموعة من الهواة عديمى الخبرة، وعدم تعليق تعليمات السلامة والأمان، وعدم الالتزام بهذه المعايير، والكثافات العالية داخل حمامات السباحة، وعدم التزام الأهالى بالتعليمات، وقيام شركات غير متخصصة بتنفيذ أعمال الإنقاذ وتعيين المنقذين، وعدم وجود عازل للكهرباء، وعدم الفحص بشكل دورى ومستمر، وعدم وضع حبل داخل الحمام، للفصل بين منطقتى الغرق والأمان، وعدم تدريب المنقذين، وتأهيلهم بشكل جيد، وحصولهم على «كورسات» وشهادات معتمدة، كما أن هناك بعض أصحاب الحمامات يؤسسون بأشكال هندسية مختلفة كالمثلثات أو دائرية، فتظهر المشكلات التى تحمل خطورة، مثل: عدم وجود سلالم جانبية أو مناطق غير مستوية أو بعض الحواف الخطيرة. قتل خطأ ويلتقط الخبير القانونى، محمود تفاحة، عضو مجلس نقابة المحامين، أطراف الحديث، مشيرا إلى أن القضايا المرتبطة بغرق الأطفال فى حمامات السباحة تتنوع بين الإهمال والضرر العام، بسبب أن حمامات السباحة فى مصر تفتقد لأدنى معايير الأمان والسلامة، نظراً لعدم وجود أفراد مهيئين ومدربين تدريباً علمياً للتعامل مع الحالات الطارئة، مشيرًا إلى أن العقوبات التى تطبق حال وقوع أى من الحوادث، طبقاً للقانون المصرى، تشمل جميع القائمين على الحمام موضع الواقعة، وتتنوع التهم بين إهمال عمدى وغير عمدى، بالإضافة للشروط الصحية حال عدم توافرها، حيث أن الإهمال أدى إلى القتل الخطأ وتتراوح عقوبتها بين السجن من شهر إلى سبع سنوات، بجانب العقوبة الخاصة بالمخالفة الإدارية. وتابع «تفاحة» أن تلك القضايا ترتقى للخطأ الجسيم وهو الذى يرتقى إلى درجة التعمد فى ارتكاب الخطأ، والآخر بسيط وهو يفتقد إلى ركن العمد الذى يقع نتيجة عدم الانضباط أو التقصير فى أداء الواجب الوظيفى. من ناحية أخرى كشف الموقع الأمريكى «هيلث داى» عن بعض المفاهيم الخاطئة التى تعرض الطفل لخطر الغرق، منها أن الأهل يظنون أنهم سيسمعون صوت أطفالهم عندما يصرخون عند الشعور بالخطر فينقذونهم، كما تعتقد الأم غالبا أن النظر إلى الطفل أثناء تواجده فى حمام السباحة أو البحر يحميه، وهو خطأ لأن الغرق يحدث بسرعة شديدة، والاعتماد على رجال الإنقاذ يتسبب فى وفاة العشرات من الأطفال، لأنهم لا يراقبون الأطفال بدقة، لذا على الأهل أن يقوموا بهذه المهمة والنزول مع أطفالهم فى المياه. وأشار الموقع إلى بعض التوصيات، وتبدأ من أنه ينبغى أن يكون نزول الطفل الشاطئ أو حمام السباحة تحت إشراف الأم أو الأب، كما ينبغى أن يكون الأطفال الصغار فى متناول يد الأب بجميع الأوقات، ويجب تعليم الأطفال مهارات السباحة، والبقاء على قيد الحياة عن طريق القفز إلى المياه، ثم العودة إلى السطح ليطفو، ثم أخذ نفس، وإيجاد مخرج من الماء، وينبغى على الآباء التدريب على الإنعاش القلبى الرئوى، ولا بد ألا يزيد عمق الحمامات الخاصة بالأطفال بأى حال من الأحوال على 60 سنتيمترا، ولا بد أن ينزل الأطفال للمياه مرتدين كتافات تحملهم، أو أن يكونوا بصحبة ذويهم، وبناء وإنشاء الحمامات من مواد غير ضارة أو سامة، وأن تكون المواد المستخدمة فى الأرضية حول حوض المياه من النوع الذى لا يسمح بالانزلاق.