لم تكن قضية الشهيد محمد الجندي الوحيدة التي تواجه فيها مصلحة الطب الشرعي اتهاماً بالتلاعب في التقارير فقبلها بعامين كانت هناك قضيتان شهيرتان شهدتا نفس الوقائع وربما نفس الاتهامات وهما قضيتا خالد سعيد أيقونة ثورة يناير والشاب السلفي سيد بلال، فالطب الشرعي الآن أصبح أداة في يد السلطة خاصة انه يتبع وزارة العدل التي يتولي مسئوليتها المستشار محمود مكي الذي يدين بالولاء الكامل للجماعة ويسعي إلي تجميل وجهها القبيح وكانت إشارة الرجل قبل إصدار تقرير الطب الشرعي في قضية محمد الجندي واضحة حيث خرج مكي ليعلن لوسائل الإعلام ان الجندي مات في حادث سيارة وكانت كلمات مكي قبل أن يخرج تقرير الطب الشرعي وهو ما اعتبره البعض تدخلا في سير التقرير وتوجيهه إلي حيث تريد السلطة. الغريب ان أطباء وخبراء الطب الشرعي كانوا قد نظموا مظاهرات حاشدة أثناء مناقشة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لبنود ومواد الدستور الجديد وطالبوا بتحصين أعضائها ومنحهم استقلالية كاملة في القرار حتي تكون تقارير الطب الشرعي بعيدة عن أي شبهات وتكون لصالح العدالة ولكن الجمعية التأسيسية التي كان يرأسها المستشار حسام الغرياني في ذلك الوقت لم تستجب لمطالبهم ولم تبحث عن استقلالية الطب الشرعي خاصة أن أعضاء الجمعية التي سيطرت عليها الجماعة لم تكن ترغب في ذلك بل حرصت علي أن تبقي أداة في يد السلطة. الطب الشرعي لم يكن ملائكياً ولم يكن محايداً في السابق فقد كان دائماً أداة الإنقاذ في يد النظام السابق وذراعه الحامية من المحاكمة والدليل ما حدث في أشهر ثلاث قضايا هزت نظام مبارك وهم سليمان خاطر وسيد بلال وخالد سعيد وكلها قضايا كذب فيها الطب الشرعي الحقيقة وانحاز إلي النظام السابق. ففي قضية خالد سعيد أصدر الطب الشرعي تقريره الأول برئاسة الدكتور السباعي أحمد السباعي كبير الأطباء الشرعيين وقال التقرير ان خالد مات نتيجة اسفكسيا الاختناق نتيجة انسداد المسالك الهوائية بجسم غريب ابتلعه خالد سعيد وتبين وجود إصابات بأنحاء الجسد ناتجة عن الاصطدام بجسم صلب ولكنها في مجملها بسيطة ولا تؤدي إلي الوفاة ولكن بعد الثورة شكلت لجنة أخري برئاسة الدكتورة نادية قطب والتي أثبتت ان خالد سعيد توفي مختنقاً جراء دس لفافة في فمه عندما كان فاقداً للوعي وقال التقرير النهائي إن الإصابات بمنطقة الرأس والجبهة ناجمة عن الاعتداء عليه وأسفرت عن قطع بالوصلات العصبية بالمخ والتي أدت إلي حالة إغماء مؤكداً انه يستحيل عليه ابتلاع اللفافة الواردة في أحراز القضية. وفي قضية مقتل الشاب السلفي سيد بلال أصدر الطب الشرعي تقريرا مبدئيا قبل دفن الجثة أكد ان وجود كدمات وسحجات بجسد بلال دون أن يذكر سبب تلك الآثار وأرجع التقرير سبب الوفاة إلي هبوط حاد بالدورة الدموية وهو ما يعني ان التقارير لم يؤكد انه تعرض لعملية تعذيب أثناء التحقيق معه ولكن التقرير النهائي الذي أعدته الدكتورة إيمان يس أثبت انه إصابته في الرأس مما أدي إلي نزيف بالمخ ووصل وزنه إلي 1530 جرام بعد تعرضه لنزيف حاد. قضية سليمان خاطر أيضاً قال عنها تقرير الطب الشرعي انه انتحر وقال البيان الرسمي في ذلك الوقت ان الانتحار تم بمشمع الفراش ولكن ثبت عدم صحة هذا الادعاء وهو ما استدعي قيام أسرته بالتقدم بطلب لإعادة تشريح الجثة وبيان سبب الوفاة الحقيقي ولكن الطلب قوبل بالرفض من قِبل جهات التحقيق. ولم يكن غريباً وسط الاتهامات التي واجهتها مصلحة الطب الشرعي أن توجه لها الاتهامات في قضية محمد الجندي خاصة ان هناك شاهد يؤكد تعرض الجندي وهو شريف البحيري ولكن الطب الشرعي يصر علي انه مات في حادث سيارة. الدكتور شوقي السيد المحامي والفقيه الدستوري قال ان تقارير الطب الشرعي من الوارد التلاعب بها وبالمثل التقارير الطبية وهو ما يؤدي إلي تغيير مسار القضية خاصة إذا كانت تتضمن تفاصيل طبية والقاضي بصفته خبير الخبراء في كثير من الأحيان لا يدرك بعض التفاصيل الطبية وهو ما يعتمد علي تقرير الطب الشرعي أو علي الأقل يقوم بندب لجنة ثلاثية تقوم بدراسة التقارير وتكتب تقريرها النهائي. وأشار إلي أن التقارير الطبية حتي لو كانت صادرة من الطب الشرعي تخضع للتلاعب والتغيير لصالح البعض ولو كانت السلطة صاحبة مصلحة وطرفاً في القضية تستطيع أن تغير التقارير بما يخدم مصالحها وهدفها في القضية. وقال ان مصلحة الطب الشرعي تتبع وزارة العدل والخبراء والأطباء فيها كانوا قد نظموا مظاهرة أثناء وضع الدستور الجديد في الجمعية التأسيسية يطالبون بتحصينات معينة وضمانات تمنع محاسبتهم والتدخل في شئونهم، لكن التأسيسية رفضت الاستجابة لطلبهم حتي تبقي دائماً في يد السلطة، خاصة ان وزارة العدل يسيطر عليها الآن وزير إخواني وتلك الوزارة هي التي تخضع لها مصلحة الطب الشرعي. وأكد طارق زيدان، رئيس حزب الثورة مستمرة إن الإخوان المتأسلمين الذين يدعون انهم يحكمون بالعدل تتم ممارسة التعذيب والتضليل من جديد في عهدهم وكأنه لم تحدث أي ثورة، والكارثة ان عهد مبارك قام بممارسة التعذيب والظلم بعد 30 عاماً ولكن الإخوان لم ينتظروا وحينما تولوا السلطة ساروا علي نفس طريق مبارك وبدأوا عهدهم بالظلم. وأشار زيدان إلي ان تقارير الطب الشرعي أصبحت في خدمة النظام السابق وأثق في شهادة شريف البحيري الشاهد الوحيد في قضية محمد الجندي في قضية محمد الجندي لأن وزير العدل خرج علينا بتصريحات يؤكد فيها ان الجندي مات في حادث سيارة وذلك في الوقت الذي خرج علينا رئيس مصلحة الطب الشرعي في نفس التوقيت ليؤكد ان التقرير النهائي للطب الشرعي لم يصدر وأن أي تقرير مبدئي يمكن أن يصدر ويخرج خارج نطاق المصلحة الشرعية. وأكد زيدان أن الطب الشرعي في قبضة وزير العدل وكان علي وزير العدل الانتظار لحين انتهاء تحقيقات النيابة ولكن استباق الأحداث يؤكد ان حادث خالد سعيد يتكرر وأن تصريحات الوزير تلقي بظلالها علي التقرير النهائي. وأشار زيدان إلي الثقة في تقرير الطب الشرعي وأن الإخوان الذين قالوا انهم سيدافعون عن حقوق الشهداء هم من يقتلون الشهداء ويحاولون أن يضيعوا حقوقهم ومحاولات وزير العدل للتغطية علي التقرير جاءت بالعكس وفضح ممارسات النظام الجديد الذي لم يختلف عن نظام مبارك بل زاد من الممارسات القمعية. وأشار أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري الي ان الطب الشرعي مثل بقية أجهزة الدولة يأتمر بأوامر السلطة والقيادة العليا في البلاد، وهذا النهج ليس حديث العهد وإنما يحدث منذ النظام المخلوع وقبله بعقود وقضية محمد الجندي فضحت الطب الشرعي وكشفت عن سيره علي نفس النهج السابق فما معني أن يقول الطب الشرعي إن الجندي مات في حادث سيارة بينما هناك شهود يؤكدون علي انه تعرض للتعذيب. وأكد ان جماعة الإخوان باعت حقوق الشهداء وتسخّر تقارير الطب الشرعي طبقاً لرغباتها فيتم اتهام البلطجية والطرف الثالث بناء علي هذا التقرير وكان في الماضي جهاز أمن الدولة يقرأ التقرير ويراجعه والآن الجهاز هو الذي يعد التقرير. وأشار إلي أن قضية الجندي أزاحت الستار علي ما يفعله النظام الحالي وكانت قضية كاشفة لما يحدث والنظام نفسه لم يتوقع رد الفعل عليها. وأكد محمد منيب محامي أسرة الشهيد محمد الجندي ان تاريخ الطب الشرعي مع قضايا الرأي العام مليء بالأخطاء، فهناك في أجهزة الدولة أشخاص علي استعداد لتنفيذ طلبات النظام الحاكم مقابل مزايا ليست مادية وإنما وظيفية مثل تخطي الجميع في الترقية كما حدث مع الدكتور السباعي طبيب قضية خالد سعيد. وأكد ان الطب الشرعي ورئيسه عادة ما يكونون علي درجة عالية من الكفاءة والاحترام ومعظمهم غاية في الاحترام وساعدوا مصر علي كشف العديد من قضايا التعذيب والفساد والقضايا الرئيسية التي تشغل الرأي العام عادة ما تكون مصاحبة بتلاعب من البعض وفئات معينة داخل الجهاز.