بلون بشرته الداكن يبدو أكثر صرامة، وعيناه المطلتان من خلف نظارة سميكة تبديانه غير مكترث، يخرج بتصريحات لا تختلف كثيراً عن تلك التى خرج بها «سلفه» السباعى أحمد السباعى، كبير الأطباء الشرعيين، الذى أقام الدنيا ولم يقعدها بتقرير «لفافة البانجو» فى القضية الخاصة بوفاة خالد سعيد، شهيد الإسكندرية قبل الثورة، لذلك قرر الدكتور «إحسان كميل جورجى» كبير الأطباء الشرعيين أن يقوم ب«نقرة على الحافر وأخرى على المسمار»، كما يقول المثل الشامى، فى قضية الناشط محمد الجندى؛ عندما صرّح بأن الشهيد «محمد الجندى» قضى نحبه فى حادث سيارة، ففتح على نفسه أبواب رياح الغضب.. فعدل سريعاً وماطل وناور ثم استكان حتى هدأت الأمور، مبشراً بتقرير «منصف»، ثم أعلنها مدوية بأخلاق رجل لا يتقن سوى التوارى فى مكان يليق بموظف حكومى منقرض.. «مات الجندى فى حادث سيارة»، هكذا صرح، ليؤجج الشارع بنيران الاعتراض. لا يجيد الرجل الستينى فن المراوغة. علق بمنصبه فجأة فى ركاب غضب شعبى على مديره السابق الدكتور السباعى محمولاً إلى مقعده فى مفاجأة غير محسوبة، فبين نيران المفاجأة وبرودة ثلاجات الموتى قرر رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف فى 4 مايو عام 2011 تعيينه كبيراً للأطباء الشرعيين، حاول أن يلحق بركب الثائرين، فأعلن: «تقدمت باستقالتى من منصبى لرئيس الوزراء»، جاءت الاستقالة التى لم تُنفذ على خلفية اعتراض موظفى ملصحة «الطب الشرعى» لتدنى أجورهم، على سبيل التهدئة، لكنها لم تلبث حتى أُخفيت فى أدراج المكاتب. محتمياً ب«حَصَانَةٍ» مكتسبة بقوة منصبه، توارى الرجل بعد إصداره التقرير الخاص بوفاة «الجندى»، ليعلل البعض تواريه عن وسائل الإعلام بخوفه من تصيد قد يحدث نتيجة المواجهة، أو انكشاف لمستور، فلا يتهمه حينها أحدهم ب«إدارة حرب بالوكالة لمصلحة النظام ضد المتظاهرين». يُضاف الجندى إلى ذيل قائمة طويلة، أشرف كبير الأطباء الشرعيين على إعداد تقارير الصفة التشريحية التى تُظهر أسباب وفاتهم، فكانت النتيجة براءة جميع المتهمين من الضباط. حتى تقارير قتل الثوار فى موجات الثورة الثانية والثالثة، كانت كلها قرينة البراءة للمتهمين فى قتل المتظاهرين، فلم تقطع تلك التقارير التشريحية الشك باليقين، ولم تُشر بإصبع الاتهام إلى القاتلين. وهكذا يسير الرجل المرهق على الدوام، كما يحلو له التعبير عن حاله، على نفس درب سلفه، لا يرنو باهتمام إلى محطة الوصول، لكن يغيب عنه أنه أشعل غضب الجماهير كما فعلها السباعى بتصريحات عديدة أهمها اتهام «خالد سعيد»، شهيد الإسكندرية الذى أشعل الشارع قبل الثورة ضد النظام الأمنى، حيث قرر «السباعى» حينها أن مقتل «خالد سعيد» يرجع إلى تناوله لفافة بانجو مما أدى لمقتله، وكانت النتيجة إزاحة قهرية من متن التاريخ إلى هامشه.