التدبر فى القرآن الكريم من صفات المؤمنين وقال اهل العلم في الحديث عن مقاصد سورة طه المكيَّة فهي من السور التي ركزت على أركان العقيدة الإسلاميَّة، وعرَّفت بالله -عزَّ وجلَّ-، كما أيدت صدق النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وأكدت أنَّ القرآن الكريم والرسالة النبوية هما من عند الله وليس كذبًا وأنَّ اليوم الآخر حقّ، وفي الآيات من الآية: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} وحتى الآية: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ} ينبه الله تعالى في هذه الآيات إلى الهدف الأساسيِّ من نزول القرآن الكريم، فليس فيه شقاء الناس أو تعبهم بل أنزله الله تعالى لسعادة الناس ونجاتهم، فهو مُنزّل من ربٍّ رحيم يتصف بكلِّ صفات الكمال والجلال التي لم تكن إلا لله -جلَّ في علاه- الذي تعددت أسماؤه وصفاته. ومتابعةً في مقاصد سورة طه ففي الآيات من قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ} وحتى قوله تعالى: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} فهذه الآيات تتحدث عن قصة نبي الله موسى -عليه السلام- وبالتفصيل فقد كانت بدايتها بكلام الله لموسى في جبل الطور وتكليفه بالذهاب لفرعون ودعوته لرفع الظلم عن بني إسرائيل، وتأييده بالمعجزات الدالة على صدق نبوءته، وقد طلب موسى من ربِّه أن يؤيده بأخيه هارون، فأذن له الله -سبحانه وتعالى- بأنَّ يذهب مع أخيه لدعوة فرعون، وقد تحدثت الآيات الكريمة أيضًا عن طفولة نبي الله موسى -عليه السلام- حيث نجاه الله من بطش فرعون وجعله يعيش ويكبر في قصر عدوه فرعون، وكلُّ ذلك هو دليل على ضعف فرعون الذي يرى في نفسه الإله والقوي، ثم تنتقل الآيات الكريمة لتتحدث عن لقاء فرعون وموسى وثبات النبيِّ موسى على الحق، واحضار فرعون لسحرته وتتم المعجزة بتحول عصى موسى -عليه السلام- إلى أفعى كبيرة تتلقف عصي السحرة وحبالهم، فيخرُّ السحرة ساجدين لله مؤمنين بربِّ موسى، فيعذبهم فرعون أشدَّ العذاب على ما فعلوا، ولكنَّ ذلك لا يحيدهم عن إيمانهم بالله الواحد، ويموت السحرة على الإيمان. وفي الآيات من قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ} إلى قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ}تصفُّ هذه الآيات جنات النعيم الذي ستكون جزاء السحرة المؤمنين يوم القيامة، وجزاء كلَّ مؤمن بالله تعالى في كلِّ زمان ومكان، وفي الآيات من قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ} وحتى قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا} تعود الآيات الكريمة لقصة نبيَّ الله موسى -عليه السلام- واصفةً كيف نجاه الله مع بني إسرائيل من بطش فرعون فشقَّ لهم البحر، ورزقهم من الطيبات ليعيشوا الحياة الكريمة، وعندما ذهب موسى -عليه السلام للقاء ربه نسوا الله الواحد واتبعوا رجلًا يُدعى السامريّ، صنع لهم عجلًا من الذهب وأمرهم بأن يعبدوه، فرجع موسى من لقاء ربه ليجد هذه الكارثة، وغضب من بني إسرائيل أشدَّ الغضب، وعاتب آخاه هارون على عدم نهيهم عن هذا الفعل المنكر، وأمر بحرق العجل وأمر الناس باعتزال السامريّ، ثم تبين الآيات للنبيِّ محمد-صلى الله عليه وسلم- أنَّ القرآن تحدث عن قصة موسى ليأخذ منها العبر للمسلمين. وفي الآيات من قوله تعالى: {مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}. وحتى قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} تصف هذه الآيات يوم القيامة، وتصف الأحداث والأهوال في ذلك اليوم العصيب، يوم يوقن الفاجر ويصدق المُكذب بأنَّ لا حكم إلا للواحد القهار ولا كلمة إلا للجبار، يوم القيامة يوم العدل فيُجزى الكافر بالعذاب لما صنعت يداه، ويُجزى المؤمن بالجنة والنعيم جزاء الإيمان بالله والعمل الصالح، وفي الآيات في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} طمأنينة للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الله تعالى سيجمع القرآن في صدره ولن ينساه أبدًا، فقد كان النبيّ قبل ذلك يردد الآيات خلف جبريل -عليه السلام- عند نزولها خوفًا من نسيانها.