خمسون عامًا. نصف قرن من الزمان عمر زواجها من زوجها التاجر ميسور الحال. نعم تقدم للزواج منها منذ نصف قرن ورغم تركه تعليمه للعمل والانفاق على أسرته الفقيرة ورغم رفض أسرتها زواجها منه فهى بالنسبة له حلم صعب المنال. وافق والدها على زواجها منه لتوسمه فيه الشاب المكافح النبيل صاحب المستقبل الواعد. ومن أجل سعادة ابنته الوحيدة وتحمل جميع نفقات الزواج تم الزواج وتواعد الزوجان على الحب والإخلاص والوفاء. مرت الأيام سريعة الزوج فى تجارته البسيطة التى ساعده فيها والد زوجته والزوجة عكفت على الاهتمام بالمنزل ومحاولة توفير كل قرش من دعم والدتها ووالدها لها. وتبدلت الحياة وأصبح دخل الزوج يكفى متطلبات بيته الصغير. أيام وشهور وسنون عددا مرت عليهما أنجبا ثلاثة من الأبناء وعاشا معهم كل تفاصيل حياتهم منذ ولادتهم وتعليمهم ودخولهم المدارس والجامعات وتخرجهم. وأيضا عملهم وارتباط كل منهم بشريك الحياة، وأصرت الأم على أن يسكن أولادها فى نفس الحى الراقى الذى تسكن فيه هى ووالدهم حتى تتمكن من رؤيتهم باستمرار وترى أحفادها يكبرون أمام أعينها. وقد كان تزوج الأبناء الثلاثة وسكنوا بالقرب من والدتهم ووالدهم. بعد تجهيز أفخم المنازل لهم الأب مثالى يحسدون عليه لا يؤخر لهم طلبا. وأنجب الأولاد أحفادا ملأوا الحياة بهجة وسعادة على جدتهم، هكذا كانت الحياة جنة بالنسبة للأم مع زوجها وأولادها وأحفادها، وماذا تطلب أكثر من ذلك وحتى بعد أن ترك أولادها المنزل واستقلوا بحياتهم لم يشعرها زوجها بأى وحدة أو فراغ بل أعطى لها من وقته الكثير وأصطحبها فى كثير من الرحلات ومن بينها رحلة لأداء العمرة. سعيدة هى بكل هذا وتدعو ربها دوما بدوام الحال وكأنها كانت تشعر أن شيئا ما سيحدث يقلب الحياة. كانت مهمومة قلقة مما هو قادم ولكنها كانت تتغلب على ذلك الإحساس بقضاء أكبر وقت ممكن مع أولادها وأحفادها. ولكن بدأت تشعر أن زوجها وعشرة عمرها لمدة نصف قرن من الزمان يتغير عليها. لم يعد هو الزوج المثالى المحب. تغيب طويلا عن المنزل والحجة هى العمل. ولم يكتفِ بذلك بل بدأ يسئ معاملتها وترى منه ما لم تره منذ معرفتها به ألفاظ نابية، عدم اكتراث بمشاعرها. كذبت نفسها فى بادئ الأمر وبررت له أفعاله بضغط العمل وكبر السن، بدأت تتودد اليه وتحاول توفير الجو المناسب لاستقباله ولكن الأمر زاد سوءا. وبدأ يعايرها بكبر سنها وأنها عجوز تتصابى، شعرت بالحزن لماذا كل هذه القسوة ماذا أصاب هذا الرجل كان لابد أن تعترض وتسأل ماذا أصاب زوجها. وطلبت منه الحديث ولكن كان رده صادما وطلب منها عدم التدخل في حياته وليس من حقها تبرير تصرفاته له وعندما اعترضت حدث ما لم تكن تتوقع حدوثه. فقد تعدى عليها بالضرب. نعم بعد هذا العمر، جن جنونها وكادت أن تصاب بالشلل. استدعت أولادها وروت لهم ما حدث وهى فى حالة انهيار تام. هدأ الأولاد من روع أمهم العجوز. وهرولوا الى والدهم فى تجارته مستنكرين فعلته. ولكن لم يبالِ بهم أو يهتم لحديثهم وعادوا من عنده مصابين بصدمة قوية وكأن والدهم أصابه مس من جان أو اتعمل له عمل كما يقولون، وحاولوا تخفيف الأمر على أمهم وأن ما حدث لن يتكرر مطلقا وعادوا الى منازلهم وحياتهم. انتظرت الزوجة عودة زوجها كى يطيب خاطرها ويقدم لها الاعتذار وربما يحضر لها هدية قيمة كى يشترى ودها. وانتظرت طويلا وعاد الزوج فجرا. ولم يلقِ عليها السلام وتركها ونام نوما عميقا. ايام مملة كئيبة اختفى منها الحب والمودة والرحمة. وتكررت اساءات الزوج وتعديه عليها بالسب والضرب. جاء اليوم بعد 50 عاما تركت فيه بيتها مملكتها حياتها روحها كى تضع حدًا لتصرفات الزوج وكى يشعر بفقدانها وتلقنه درسًا يعود بعده لسيرته الأولى. ولكن لم يحدث كل ما خططت له وتركت البيت من أجله. لم يحرك الزوج ساكنا أو يسأل عنها أو يسعى لاعادتها الى منزلها. والطامة الكبرى معرفتها أنه تزوج من احدى الموظفات فى شركته وأيضا حاول أولاده إعادة ميزان الحياة بين أبويهما ولكن الأب شرد ويمر بمرحلة مراهقة متأخرة ورفض أى حلول ورفض اعادة أمهم الى حياته مرة أخرى. لم تقبل الزوجة على كرامتها كل ما حدث ولم تتقبل نكران الجميل الى هذا الحد.حاول الأبناء إثناء الأم عن قرارها وتركه وشأنه والاقامة معهم بالتبادل ولكن الأم لم تقبل وأخذت القرار الصعب. الطريق إلى محكمة الأسرة. نعم لابد من السير فيه ووصلت الى محكمة مصر الجديدة وهى تتمزق ألما ووصلت الى مكاتب التسوية وطلبت اقامة دعوى خلع من هذا الرجل الناكر للجميل ربما لا يفرق هذا بالنسبة له أو أنه لم يعد يرغب فيها. ولكن لا يهم، إنها ترغب فى الشعور بأنها هى التى طردته من حياتها ولم ترغب فى الموت وهى زوجة لهذا الرجل. عمرها تعدى ال70 عاما. أصابها الهزال وعلامات تقدم السن بدت واضحة عليها والحزن كسر ضحكتها وأفسد حياتها بدا موظف مكتب التسوية ينصحها بالصلح، وكان ردها قاطعًا. لا أرغب أرجوك أسرع فى الاجراءات، أريد أن أتخلص من الإهانة وامتهان الكرامة ونكران الجميل. ورضخ الموظف لرغبتها وبدأ فى اجراءات دعوى الخلع وانذار الرجل، تنفست الصعداء وكأنها نالت ما تريد وابتسمت ربما تتخيل شكل زوجها وهو يرى الانذار ويتأكد أنها ترفض العيش معه. وليس هو فقط!