شريف عبدالغني هناك نوع من الصراصير، لو شاء حظك أن يتسلل واحد منها إلى غرفة نومك، فستكون ليلتك كحلي. هذا النوع أشبه بالجراد الصغير. الواحد منها يكاد لا يرى، لكن صوته أجارك الله. يصدر صفيرا مزعجا لا يتوقف وبقوة لا تتناسب أبداً مع حجمه، لكن هذا الصرصار يهون أمام كائن بشري يشترك معه في أهم صفتين: ضآلة الحجم والصوت المزعج المستمر. أتحدث عن لميس الحديدي، المعروفة إداريا ب «غليس الحضيضي». إنها الرمز البارز لإعلام الموجة الثالثة من الثورة المصرية، ولأن هذه الموجة تمثل «الثورة المضادة» للثورة الأصلية التي اندلعت قبل عامين، فمن الطبيعي والضروري والمنطقي أن تكون المذكورة ضمن رموزها، فهي من أرامل مبارك ويتامى أحمد شفيق. كانت ضمن أعضاء الحملة الإعلامية للمخلوع أثناء الانتخابات الرئاسية الوحيدة التي جرت في عهده عام 2005، وجعلت من مصر أضحوكة بين الأمم. شاركت «الحضيضي» بفعالية وهمة في فصول تلك المسرحية، التي بلغت ذروتها بخروج منافس مبارك اللدود المرحوم أحمد صباحي، رئيس حزب الأمة ومؤلف كتب قراءة الكف وضرب الودع، من اللجنة الانتخابية ليقول بفخر: إنه أعطى صوته لسيادة الرئيس، وليس معنى أنه ينافسه أن يصوت لنفسه لا سمح الله، لأن العين لا تعلو على الحاجب. قد يظن البعض أنني أقلل من شأن الإعلامية البارزة بتشبيهها بهذا الصرصار المزعج، لكن الحقيقة أنني أعتذر للصرصار بوضعه في سلة واحدة معها. إنه مخلوق بلا عقل، ويصدر صوته الطبيعي الذي خلقه الله فيه، وربما يستسيغه البعض باعتباره معلما من معالم الليل. وهو قبل هذا وبعده لا يحرض على عنف أو فوضى. أما «غليس» فهي إنسانة وهبها الله العقل والمال لكنها لا تكتفي بهذه النعمة ولا تقف بجانب الحق، واختارت بمحض إرادتها طريق الشيطان واللي يروح ما يرجعش. صوتها يبخ سموما وتحريضا على حرق مصر تحت مسمى حب مصر، ثم إنك تستطيع بسهولة أن تقضي على صوت الصرصار، بل وتزيله من الوجود بضربة «شبشب» بسيطة. أما «لميس» فصوتها لا يتوقف ولا بالطبل البلدي. لو كنت سيئ الحظ وتعطل ريموت تلفزيونك ولم تستطع تغيير القناة أو إغلاق الجهاز فليس أمامك سوى حلين: أن تتصل بالحكومة وتتوسل إليها أن تقطع الكهرباء، أو أن تأخذها من قصيرها وترمي التلفزيون من الشباك. في الإعلام المحترم من أول «الجزيرة» حتى «بي بي سي»، لا يتقمص مقدم البرامج شخصية المنظر، ولا يدلي أصلا برأيه. يستضيف أصحاب وجهات النظر المختلفة حول القضية محل المناقشة. يقف على مسافة متساوية من الجميع، ويحاول إعطاءهم مساحة متقاربة من الوقت، لكن لأننا أولاد «أم الدنيا» ومن دهنا الهوا دوكوا، ورفعنا شعار «الجنيه غلب الكارنيه»، فإن الإعلامي عندنا من قماشة تانية. عيب على «إجيبيشان مان» أو»إجيبيشان وومان» أن يقلدوا هذا أو ذاك أو تلك. عندنا المقدم هو الكل في الكل. يتكلم أكثر من الضيوف الذين يكونون دائما أصحاب وجهة نظر واحدة تخدم على توجهات القناة ومن يمولها. بحكم المهنة فقط لا بد أن أتابع «الحضيضي» ومعها زملاءها مقدمي برامج «التوك شو» زعيط ومعيط ونطاط الحيط. أهيئ نفسي لسماع أكاذيبهم محصنا بالحد الأدنى من محاولات ضبط النفس. شاهدت «لميس» مؤخرا لمدة دقيقتين فقط، ولم أستطع تحمل المزيد. في الدقيقة الأولى أجرت اتصالا مع ضابط شرطة راح يشكو معاناته في العمل، وقال إن المحتجين «هم الذين يأتون للهجوم علينا بالمولوتوف، ولا نستطيع الرد عليهم سوى بقنابل الغاز، والتي تصيبنا أيضا معهم». هنا تلقفت «الحضيضي» كلام الضابط، وقالت:عندك حق.. لكن الرئيس هو اللي بيصّدركوا في المواجهات دي. هنا تحرض رجال الشرطة على السلطة والرئيس. تريدهم أن يرفضوا تنفيذ الأوامر حتى تعم الفوضى، وتفرح مع شلتها بقرب سقوط الرئيس الشرعي. لو سألتها: أليس هذا تحريضا؟ فستجيبك: تحريض إيه اللي أنت جاي تقول عليه.. أنت عارف قبله معنى التحريض أيه؟ في الدقيقة الثانية، قرأت بيانا لوزارة التموين، بأن إرسال السلع الغذائية لمحافظات القناة التي تم فيها تطبيق حالة الطوارئ يسير بشكل طبيعى، وأنه لا نقص في أي سلعة هناك. ثم خرج صوتها الصرصاري زاعقا: «طبعا لازم السلع توصلهم.. احنا مش هنسمح أبداً بعزل مدن القناة». واضح طبعا أنها تصب الزيت على النار، وتقول بلا مواربة: إن مرسي يعمل على عزل تلك المدن، وبالتالي تزيد من حدة الاحتقان وتؤجج المشاعر لعل وعسى يرفع الجميع هناك علم الاستقلال عن مصر، مثلما فعل البعض في بورسعيد، خاصة أن هذا التحريض مصحوب باستمرار بمحاولة لترسيخ فكرة أن الرئيس الشرعي اغتصب كرسي الحكم ويتحرش بالقضاء النزيه والإعلام الحر. بمناسبة الاغتصاب، فإن «الحضيضي» ومعها فريق إعلاميي أصوات الصراصير، الذين يملؤون المحروسة بكاء على حقوق الإنسان الضائعة في عهد مرسي، ويستغربون كيف أن الرئيس الدموي لا يسمح لبلطجية أبرياء مسلحين فقط بقنابل المولوتوف وبالخرطوش من اقتحام القصر الرئاسي، صاروا صُما بُكما مع توارد حكايات عن عمليات اغتصاب 25 فتاة في المظاهرات الأخيرة بميدان التحرير، وتعرض بعضهن لعمليات عنف شديدة، وضرب بالأسلحة البيضاء. لا حس ولا خبر في فضائيات التخريب عن هذا العار الثوري، لكن إحدى الصحف التي تدور في هذا الفلك كسرت مؤخرا هذا الصمت وخرجت بتصريحات عمن وصفتهن بناشطات حقوقيات، يقلن فيها إن ميليشيات التحرش والاغتصاب في الميدان تابعة لجماعة الإخوان المسلمين!! أما وقد وصل الفُجر الإعلامي إلى هذا العهر، فإنني لا أستبعد أن يخرج إعلاميو الصراصير ليس فقط بتقديم غطاء سياسي للبلطجية كما فعلوا مؤخرا، بل بتوضيح أن سعيهم المحموم لحرق منشآت الدولة يكشف عن هدف نبيل وهو إشاعة جو «ساخن» يحمي الناس من برد الشتاء القارس. أيها الإعلاميون، مصيركم قد يكون أقرب لمصير أشباهكم الصراصير. احذروا: «شباشب» الناس ليست بعيدة عنكم! نقلا عن صحيفة العرب القطرية