اكثر من 7 ساعات افترشت ام احمد الرصيف وهي جالسة على الرصيف لتنتظر دورها امام احد المخابز بوسط مدينة الاسماعيلية . برودة الطقس وسقوط الامطار بغزارة في الصباح الباكر لم يمنعها من الخروج من منزلها بقرية الضبعية بالاسماعيلية لتقطع مسافة تزيد عن 15 كيلو متر الى مدينة الاسماعيلية حتى تحصل على احتياجاتها من الخبز من احد الافران . الطابور الذي ينتظر فيه اكثر من 60 مواطن تصفة "ام احمد "بانة مشهد معتاد يتكرر يوميا، والمشاجرات والمشاحنات بين بائع الخبز وصاحب الفرن وبين المواطنين متكررة في كل ساعة . ولكنها باتت مشاهد معتادة جعلت من اللامعقول شيئا طبيعيا . الجميع امام هذا المخبز الكائن بمنطقة وسط البلد وتحديدا بحارة عبد الحميد بشارع سعد زغلول من عزب المنايف والضبعية والسبع ابار وابوعطوة وغيرها من العزب والقرى المجاورة لمدينة الاسماعيلية، يأتون للمخبز هذا ولغيره من المخابز مرة كل يومين او 3 ايام للحصول على ما يكفيهم من الخبز ، وحتى يحصل المواطن منهم على احتياجات تكفي اسرته لثلاثة ايام يأبى بائع الخبز ان يبيع لهم دون ان ينال نصيب من الجنيهات القليلة التي يبيع لهم بها الخبز. مشهد يراه الجميع امام المخابز طبيعيا في ظل انعدام الرقابة من الاجهزة المختصة وتهريب الدقيق المدعم واستمرار المنظومة الادارية وسياسات الحكومة الهشة لمواجهة الازمات الحياتية . تقول ام احمد حسن 61 سنة من الضبعية "خرجت من بيتي في السادسة صباحا وبرودة الطقس جعلتني غير قادرة على حمل النقود في يدي من شدتها ولكنني مضطرة للذهاب الى الاسماعيلية كل ثلاثة ايام لاحصل على احتياجاتي واحتياجات ابني واولاده من الخبز . وأضاف :"فالمخبز المتواجد لدينا بالقرية يبدأ عمله في ال2 فجرا وقبل شروق الشمس يكون قد انتهى من خبز العيش وبيعه ، ورغم الزحام الشديد الذي يعيشه الاهالي فاننا لا نحصل حتى على رغيف واحد وهو ما يضطرني لاتي للاسماعيلية كي احصل على ما يكفينا لمدة ثلاثة ايام .ولكن اصحاب المخابز هنا –مدينة الاسماعيلية – لا يوافقون على اعطاءنا العيش الا بعد ان ندفع جنيه واحد له عن كل 4 جنيهات من العيش نحصل عليها ". "اهالي المدينة واصحاب المخابز فاكرين اننا بناخد العيش عشان الطيور والمواشي هو احنا لاقيين ناكل عشان نجيب طيور ونربي مواشي"، هكذا هممت سيدة في العقد الرابع من عمرها بكلماتها اثناء محاورتنا لسيدة اخرى كانت تفترش الرصيف في انتظار دورها . وتقول صفاء محمد علي 18 سنة من عزبة العالي بالمنايف " الافران في العزبة لدينا لا يوجد عليها رقيب ويقوم اصحاب المخابز ببيع الدقيق وتهريبه على مسمع ومرأى من الجميع والعيش المنتج لا يكفي 10% من سكان العزبة وينتهي قبل السادسة صباحا وهو ما يضطرنا للمجيء للاسماعيلية انا واخت زوجي لنحصل على ما يكفي الاسرة لمدة اسبوع . وبابتسامة رضا رددت " انا بقالي 4 ساعات هنا مستنية دوري ". وتلتقط اطراف الحديث هبه حسن من عزبة العالي بالمنايف وتقول "ادفع لبائع الخبز 5 جنيهات واحصل على خبز ب4 جنيهات فقط بعد اكثر من اربعة ساعات انتظارا في الطابور .ولا مجال هنا للاعتراض فما يجود به من خبز علينا نعتبره مكسبا يرحمنا من الجوع ". ويقول عبدالله محمود من عزبة هيصم بأبوصوير "ان المخابز في القرية لديه تخصص انتاجها فقط لاقارب ومعارف صاحب المخبز فقط دون غيرهم والباقي لا نصيب لهم من الخبز الذي يقوم صاحب الخبز بتهريبه ". المعاناة امام المخابز لا تقتصر على رحلة الخروج من قراهم الى المدينة ولا حتى على ساعات الانتظار وما يدفعونه للحصول على احتياجاتهم ولكن الامر يمتد الا ان هذه الارغفة التي يحصلون عليها مقابل خمسة قروش لكل رغيف سيئة للغاية وناقصة الوزن ولا تصلح حتى كأعلاف تقدم للحيوانات .ولكن قلة الحيلة جعلتهم عاجزين حتى عن الاعتراض على ما يحصلون عليه . وتقول صابحة عطا الله من منطقة التعاون :"جئت اليوم للاسماعيلية لاحصل على خبز بأربعة جنيهات لان لدي ضيوف ولان المخبز لدينا لا يكفي احتياجات الاهالي اليومية اضطررت للمجيء هنا وتحملت تكاليف المواصلات لاحصل على الخبز ". ورفعت بيدها رغيف خبز وقالت " اهوه العيش ناقص الوزن ومحروق ومن غير خميره ومحدش فينا يقدر يتكلم نص كلمة مع صاحب الفرن ". ويقول المهندس عبد السميع سويلم مدير عام التموين بالاسماعيلية ان نصيب الفرد من الخبز بالاسماعيلية كاف وان المديرية تقوم بشن حملات تموينية مكثفة على اصحاب المخابز لضبط وقائع تهريب الدقيق وتحرير محاضر للمخابز التي تنتج خبز ناقص الوزن وغيرها من المخالفات التموينية . واكد ان المديرية بدأت في اتخاذ اجراءات يلحرير سعر بيع الدقيق المدعم في اول مارس المقبل كخطوة جادة من الوزارة للحد من عمليات اهريب الدقيق وبيعه بالسوق السوداء .