ما أحوج أهل البلاء إلى حسن الظن بالله تعالى، فالله حكيم وفعل الحكيم كله حِكَمٌ وأسرار، قد يدرك العبد بعضها وقد تخفى عليه، وإياك أن تظن أن الله قد ابتلاك لهوانك عليه، بل إن الله ابتلاك ليؤهلك إلى ما أعده لك من المنازل العالية فى الجنة فى رفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. نعم، ابتلاك الله أيها الإنسان؛ لتنال فضل الصابرين، فتعطى من فضل الله فى يوم القيامة بغير حساب, قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر/10]. وفى الأثر: قال ابن مسعود: «إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير بقوله: سَّبنى فلان.. أهاننى فلان, وما هو إلا فضل الله عز وجل. وفى الحديث النبوى الشريف عن أنس عن النبى (صلى الله عليه وسلم): «يقول الله عز وجل: إن من عبادى من لا يُصلح إيمانه إلا الفقر، وإن بسط عليه أفسده ذلك؛ وإن من عبادى من لا يُصلح إيمانه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك؛ وإن من عبادى من لا يُصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك؛ وإن من عبادى من لا يُصلح إيمانه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادى من يطلب بابًا من العباد فأكفه عنه لكيلا يدخله العجب، إنى أدبر أمر عبادى بعلمى بما فى قلوبهم إنى عليم خبير». أهل البلاء ينتظرون إحدى الحسنيين: من حلَّ بساحته البلاء فرضى بالقضاء، وصبر على البلاء، وأحسن الظن بالله، وأسلم أمره إلى الله تعالى، فإنه يفوز بإحدى الحسنيين، إما أن ينال مطلوبه ويتحقق مراده بكشف البلوى، وإما أن ينال الأجر والإحسان فى الآخرة {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى/17]، {وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل/41]. ومن يدرى؟ فكم من فوائد تكمن فى الشدائد، قال الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئًا وَيَجْعَل اللهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيْرًا} [النساء /19]. وقال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوْا شَيئًا وَهْوَ خَيْرٌ لَكُم} [البقرة/216]. شبهة مردودة: ولا يذهبن الوهم إلى أنا نريد بما قدمنا أن المسلم إذا أصابه مرض يرضى ويصبر ويستسلم فيدع الدواء والتداوى، وإذا اعتدى معتدٍ على نفسه أو ولده أو ماله أو أهله أو على أية حرمة من حرماته يرضى ويصبر ويستسلم فلا يخاصمه ويدافعه بكل ما فى الإمكان من وسائل الدفاع المشروعة، وإذا هجم عدو على أرض الوطن يرضى ويصبر ويستسلم فلا يحاربه ويسترد الحق المسلوب بكل قوة. كيف نريد شيئًا من هذا وقد ثبت أن النبى (صلى الله عليه وسلم) تداوى من مرضه وأمر بالتداوى، فإنه تعالى كما خلق الداء خلق الدواء، وإن الله تعالى شرع الحدود والأحكام والتقاضى؛ لحفظ الحقوق ورد المظالم وردع الظالم، وأخبر النبى (صلى الله عليه وسلم) بأن «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد» [الترمذى, ك: الديات/ 1341]