اعترف بأن هناك شوائب تلتصق الآن بثوب الثورة الشريفة.. وبالذات في قطاع الإعلام، سواء المقروء أو المشاهد أي في الصحف وقنوات التليفزيون.. ومن المؤكد أن «تورتة الإعلان» هي التي يتلهف عليها كلا القطاعين: الصحافة والتليفزيون كلاهما يطمع في حصة أكبر، وللاسف فإن بعض المسئولين عنهما يعتقد أن قليلاً من التوابل والشطة يحقق له ما يحلم ويريد.. ولا يهم هنا إن كانت التوابل أو الشطة مؤذية.. بل وضارة في النهاية، وكلما زادت نسبة هذه التوابل في قناة ما.. اندفعت قناة أخري فتزيد من جرعة توابلها أملاً في المزيد من حجم المشاهدة ولم يحسب لا هذا ولا ذاك حجم الضرر الذي يصيب البلد كله وليس فقط يصيب الإعلام بكل أنواعه. والحقيقة أن هذا السباق المحموم في الإعلام الآن يقتضي وقفة حاسمة.. وما دام ضمير العاملين فيه لا يتحرك إلا تلبية لمصالحهم.. هنا يبرز دور الضمير العام الذي هو الرقيب العام الطيب الذي يدق أجراس التنبيه والتحذير.. ودعونا نضرب مثلاً.. ها هو «الضمير العام» يتمثل في المرصد الإعلامي الذي تابع ودرس أداء الإعلام المصري المسموع والمطبوع والمرئى بالذات في طريقة معالجته للصراع السياسي حول مسودة الدستور والاستفتاء عليها.. وهو ما قام به الدكتور حسن علي محمد استاذ الإعلام بجامعة المنيا ورئيس جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء.. الذي نزل إلي الميدان مسلحاً بعلمه وخبرته واستاذيته في مجال هو من أقطابه.. مجال الإعلام، ولم يكن الرجل الجاد وحده بل كان معه فريق للرصد والمتابعة ضم ستة من كبار العاملين في حقل الإعلام بأنواعه من إذاعة صوت العرب وإذاعة القاهرة الكبري والمدرسين للإعلام في جامعة المنيا والمعيدين بها. وفي صبر وتدقيق يتميز بهما الباحث العلمي انكب فريق العمل يتابع ويراقب ويرصد.. ويسجل، وقد وجد الفريق فورانا جماهيريا وطوفانا إعلامياً وانتج ذلك حالة من الشك المتبادل بين أصدقاء وحلفاء الأمس.. اتحدوا ضد نظام مبارك واختلفوا علي طريقة إدارة البلاد وصياغة دستور عصري يعبر عن الثورة. وقد أوجد ذلك - كما تقول الدراسة التي أعدها الدكتور حسن علي - حالة من الاستقطاب الحاد المشوب بالعصبية والتوتر غير المبرر. وتشير هذه الدراسة إلي أن ذلك بدت اثاره بشكل لم يسبق له نظير علي مدار التاريخ الحديث والمعاصر، بل تشير الدراسة إلي أنه بدا واضحا وجود نخب معارضة تبحث عن مصالحها أكثر مما تسعي إلي رعاية مصالح البلاد العليا، وهكذا دارت معارك اعلامية وصراعات سياسية وتم استخدام كل الاساليب فتحولت الفضائيات الخاصة إلي ساحات قتال برز فيها كثير من الدعاية وقليل من الإعلام النظيف.. اذ تم انتهاك الكثير من القواعد المهنية ومواثيق الشرف واخلاقيات العمل الإعلامي المحترم.. وتتساءل الدراسة الجادة: أين جمهور وسائل الإعلام الذي وقع فريسة لخداع السياسيين والحزبيين.. بل أين الجمهور من أساليب الخداع التي مارستها بعض وسائل الإعلام، وتحاول هذه الدراسة تصحيح الرؤية المحرفة التي تقوم بها معظم وسائل الإعلام، وتحدثت الدراسة عن تعتيم غير منصف، بل وانتج هذا الشحن الإعلامي مبالغات رهيبة حيث بالغ الجميع في الخصومة إلي حد رهيب.. وقدمت الدراسة نماذج عديدة من واقع مشاهدتها ومتابعتها لكل ما جري.. مما أربك الرأي العام وقلل من اليقين عند المصوتين. وأعتقد أن مثل هذه الدراسة الميدانية المحايدة يجب أن يتم توزيعها علي كل المسئولين اذا كان الهدف هو المصلحة العليا.. وأن يتم تحليلها لنعرف كيف انحرف الكثير من وسائل الإعلام عن الطريق المحايد السليم ، إنها فعلاً دراسة نحتاجها الآن لأنها جاءت متجردة من أي انحراف تجاه تيار معين. وربما لهذا السبب لم تسلط وسائل الإعلام عليها الضوء كما يجب لأنها تكشف دوراً ذا رائحة كنا نتمني ألا نجده من الإعلام المصري.