لم يدرك الثوار أن ثورتهم التى ناضلوا من أجلها سرقت منهم إلا حينما تولى الإخوان السلطة وساعتها اكتشفوا أن الخطة التى كان يجب أن ينفذوها للحفاظ على ثورتهم لم تكتمل وأنها أدت إلى خروجهم من معادلة الحياة السياسية بلا أى مكاسب فى الوقت الذى كان من المفترض فيه أن يدفع بالثوار إلى مقدمة المشهد ولكن عرقلت الجماعة وصولهم إلى السلطة لتستولى عليها. شباب الثورة منذ تنحى مبارك تمسكوا بالميدان الذى احتضن غضبهم ضد سياسات النظام الفاشلة وكانوا هم العقبة أمام انفراد الجماعة بالحكم، خاصة أنهم تظاهروا وخرجوا فى مليونيات ضد الإعلان الدستورى الخاص بالرئيس ومن بعده الدستور الذى لا يعبر إلا عن تيار واحد فكان ذلك رسالة مهمة إلى الجماعة حتى لا تنفرد بالحكم. بنود الخطة التى كان على شباب الثورة تنفيذها بعد تنحية مبارك لم تكن إلا نتيجة ضعف خبرتهم السياسية وقلة مشاركتهم فى الحياة السياسية، فعندما قامت الثورة لم يكن الثوار ينظرون إلا لمطالبهم بخلع الحزب الوطنى ولم يفكروا لا فى السلطة ولا فى العمل السياسى وانشغلوا بالميدان الذى اعتبروه رمزاً لنضالهم وغابوا عن الشارع وكانت النتيجة أن خرجوا من مولد السلطة بلا أى حمص. وعلى مدار عامين دخل الثوار فى صدامات مباشرة مع الشارع السياسى نتيجة تمسكهم بالميدان الذى نظمت فيه ما يقرب من 110 مليونيات حتى الآن أظهرتهم كما لو كانوا يسبحون ضد التيار المساند للاستقرار ولكنهم كانوا أكثر حرصاً وتمسكوا بتنفيذ مطالب الثورة التى لم تتحقق حتى الآن وهو ما جعلهم يلجأون إلى الميدان بشكل مستمر. الإسلاميون نجحوا فى نشر فزاعة الاستقرار حتى يحدثوا الفرقة بين الشارع والثوار وعزفوا على نغمات أن المليونيات تدمر الاستقرار الذى يتسبب فى انهيار الاقتصاد، مما دفع الشارع إلى مهاجمة الثوار فى البداية قبل أن يكتشفوا الواقع المرير الذى نعيشه على يد الإخوان ويدركوا أن الحل الأفضل هو التمسك بشرعية الميدان والتظاهر لانتزاع الحقوق التى سلبتها الجماعة من الشعب المصرى وتريد أن تنصب نفسها كوصى على الشعب. منذ يوم 25 يناير حتى يوم 18 فبراير عندما تنحى الرئيس لم يكن هناك قيادة واحدة فى الميدان الذى ظهر كما لو أنه صوت واحد يهتف فقط بسقوط النظام ويرفض كل المحاولات التى تقوم بها قوى سياسية بعينها ونائب الرئيس فى ذلك الوقت لإخلاء الميدان ورفض الثوار أن يتحدث أى شخص باسمهم وحتى عندما ذهب مجموعة من الثوار لمقابلة عمر سليمان تبرأ منهم الميدان الذى أصر على رحيل مبارك. ولكن بعد إعلان تنحى مبارك ارتكب الثوار أكبر خطأ لهم وهو أنهم تركوا الميدان دون أن يكون هناك جدول زمنى لتحقيق مطالبهم وهو ما سمح للعسكرى والإسلاميين بعقد صفقات مع بعضهما بعيداً عن الميدان وكان المفترض أن يكون الميدان حاضراً فى كل القرارات السياسية التى اتخذها المجلس العسكرى بعد ذلك. الغريب أن الثوار عندما أدركوا أن شعار إسقاط النظام لم يكتمل وأن أركان نظام مبارك مازالت تدير البلاد عادوا إلى الميدان ولكنهم فقدوا القوة التى كانت تميزهم وهى الوحدة السياسية، فعاد شباب الثورة فى شكل كيانات ثورية مختلفة أو وراء رموز سياسية مختلفة فيما يسمى بالائتلافات التى صنعها عمر سليمان قبل رحيله ليفتت الميدان وغاب الإخوان عن الميدان وتركوا الشباب يناضلون وحدهم. وظهرت الفرقة لأول مرة فى الميدان، خاصة مع ظهور ائتلافات تؤيد المجلس العسكرى وسياساته وأخرى تعارضه وبدا بعض رموز الإسلاميين يستخدمون الميدان لفرض اسمهم وتلميع صورتهم فى الشارع ورفض الثوار الانضمام إلى أحزاب قائمة ولا تشكيل أحزاب تتفاعل مع الشارع فانعزلوا عنه وظهروا كما لو أنهم قوى تعادى استقرار الشارع وتعرضوا لهجوم عنيف. الثوار أيضاً تعرضوا لحملات تشويه واضحة سواء من الإسلاميين أو من المجلس العسكرى واستسلموا لها ولم يدافعوا عن أنفسهم وتمسكوا بالميدان والرد من خلال الهتافات داخله لكى يظهر صوتهم إلى الشارع الذى بدا لو أنه مقتنع بالاتهامات التى وجهت له وما ساعد العسكرى على نجاح حملته التشويهية قيام الثوار بتوجيه شتائم مباشرة إلى الجيش وقادة المجلس العسكري، بل إنهم قاموا برد الاعتداءات على الذى وجهها قوات الجيش إليهم. الثوار اكتشفوا الأخطاء التى وقعوا فيها أثناء الانتخابات البرلمانية الماضية عندما وجدوا أن الانتخابات على الأبواب فسارعوا إلى ترشيح أنفسهم دون أى استعدادات وكونوا ائتلاف شباب الثورة الذى تمسك هو الآخر بمطالب الثورة فى الميدان ولم يقم بعمل جولات انتخابية أو دعاية كافية إلى حد أنه قبل إجراء الانتخابات البرلمانية كان الثوار معتصمين فى الميدان يطالبون بإسقاط حكم العسكر وتسليم السلطة إلى مجلس رئاسى مدنى واضطر بعض الثوار إلى الانسحاب من الانتخابات حتى لا يدخلوا فى منافسات مع بعضهم البعض وكانت النتيجة أن حصد ائتلاف شباب الثورة 7 مقاعد فقط فى البرلمان. وحينما أصر الثوار على استكمال مطالب الثورة وعادوا إلى الميدان فى ذكرى 25 يناير الثانية وجدوا الإخوان والإسلاميين يتظاهرون لحماية المجلس العسكرى وأفسدوا المظاهرات ودخلوا فى مشادات عنيفة وانسحبوا من التحرير بعدما أجهضوها. الثوار أيضاً لم يتفقوا على مطالب موحدة بعد تنحى مبارك، فحينما طالبوا بتسليم السلطة إلى مجلس رئاسى كانت بعض الأصوات تنادى بتكوينه من مرشحى الرئاسة وراح كل ائتلاف يعرض مجموعة من الأسماء القريبة له ولم يتفقوا على مطالب موحدة حتى مطالب تسليم السلطة قبل انتخاب البرلمان لم تكن موحدة، فمنهم من طالب بتسليمها إلى المحكمة الدستورية أو مجلس القضاء الأعلى.