غريب هذا الدستور اللعين الذي صاغته جميعة تأسيسية باطلة وافقت عليه في ظلمة ليل دامس، ثم سرعان ما تلقفه الرئيس، وطرحه علي الشعب فجأة وعنوة، فجاءت نتيجة الاستفتاء بإرادة ضعيفة لم تبلغ 20٪ من إرادة كتلة الناخبين بالجداول، واكتشفت هذه الإرادة الشعبية المحدودة، أن إرادتها جاءت علي نصوص جائرة، جمعت تناقضاً وغشاً وتدليساً، من شأنه أن يفسد كل شيء. ومصر الغرابة والدهشة، إن آخر المواد الختامية والانتقالية جمعت نصوصاً شيطانية، وتحديداً المواد من 219 إلي 236، فالإصرار علي بقاء رئيس الجمهورية الحالي حتي انقضاء مدته، مع أن نصوص دستور جديد تتطلب تأملا وإعادة نظر في العلاقة بين الشعب والرئيس قد يري أي منهما أن للمسئوليات والسلطات الواردة في ميثاق الدستور عقداً جديداً يصلح بينهما أو لا يصلح، كذلك المادة الخاصة بمدة الوظيفة وتجديدها لمدة واحدة وحساب مدة شغلها بأثر رجعي، ليذكرنا بعزل النائب العام بالقوة والاقتدار.. إصراراً وترصداً، وهو ذات الحكم بالنسبة لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا وعزل بعض قضاتها، والنص علي بقاء مجلس الشوري بتشكيله الحالي، مع أن تشكيله قد أتي بقانون غير دستوري مطروح علي القضاء، فقد جمعت الانتخابات التشريعية منافسة الأحزاب للمقاعد الفردية بما يهدد مبدأ تكافؤ الفرص.. والمساواة بين المواطنين، كما بدت مادة العزل السياسي كاشفة للانتقام والانحراف والتشفي والإقصاء، بتوقيع عقوبة العزل بغير تحقيق أو حكم قضائي وعن فعل يؤدي إلي الحرمان والعزل، ثم أخيراً إلغاء الإعلانات الدستورية الباطلة مع بقاء آثارها نافذة..!! والاعتداد بالدستور بأي نسبة من التصويت. هذه النصوص الشيطانية وغيرها، هي نصوص جائرة ظالمة تكشف عن الانتقام والانحراف، وقد وردت في وثيقة الدستور وفتحت أبواب الشيطان.. ولسوف تنطلق توابعها في التشريعات القادمة التي سوف تعمل في كنفها وتحت سلطانها. لكن هذه النصوص الشيطانية التي سوف يذكرها التاريخ والأيادي التي صنعتها، وسيذكر التاريخ كذلك من انسحب منها ومن عارضها، بعد أن رفضها وقاطعها معظم الناخبين، هذه النصوص اللعينة، تتصادم بذاتها وتسقط أمام نصوص أخري وردت في باب المقومات الأساسية للدولة والمجتمع.. وهي أقوي منها وأعلي درجة من تلك الأحكام الشيطانية التي وردت في الأحكام الانتقالية بمؤخرة الدستور. من هذه النصوص مادة واحدة برقم 6 تقول لنا إن النظام يقوم علي مبادئ الديمقراطية، والمواطنة، والمساواة في الحقوق والواجبات، والفصل بين السلطات، والتوازن بينها، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، ومادة أخري برقم 8 تقول لنا إن الدولة تكفل تحقيق العدل، والمساواة، والحرية، والتراحم، والتكافل، وحماية الأنفس والأعراض والأموال من أفراد المجتمع.. ومادة أخري برقم 9 تلزم الدولة بتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز. وفي باب الحقوق الشخصية والحريات أيضاً تحدثنا النصوص الدستورية، عن أن الكرامة حق لكل إنسان، واحترامها واجب، ولا يجوز إهانة أو ازدراء أي إنسان، وتعود ثانية فتؤكد لنا المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بينهم، واعتبار الحرية حقاً طبيعياً ومصونة لا تمس. وفي باب الحقوق المدنية والسياسية المواد من 43- 55 تؤكد لنا النصوص علي حرية الفكر والإبداع والصحافة والتظاهر وحق الشكوي.. وأن المشاركة في الحياة العامة واجب وطني.. ولكل إنسان حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء وكفالة الدولة لسلامتها وحيدتها ونزاهتها.. يا سبحان الله. بل إن ضمانات حماية الحقوق والحريات لها فصل مستقل المواد من 74- 81، فسيادة القانون أساس الحكم في الدولة واستقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات، وحظر تحصين أي عمل أو قرار من رقابة القضاء، وأن العقوبة شخصية، والجريمة والعقوبة لا تكون إلا بنص ولا توقع إلا بحكم قضائي، إلا علي الأفعال اللاحقة، وأنها لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً، وأن ممارستها بما لا يتعارض مع مقومات الدولة والمجتمع، وأن الاعتداء علي أي من الحقوق والحريات جريمة لا تسقط بالتقادم. يا سبحان الله.. أين نحن أيها السادة بهذه الأحكام الجائرة من مقومات الدولة والمجتمع، التي نص عليها الدستور ذاته، أين نحن من تلك النصوص الظالمة والجائرة.. والتي تسقط سقوطاً مدوياً أمام المقومات والأحكام التي أكدها الدستور في باب مقومات الدولة والمجتمع. هذا التصادم بين النصوص الجائرة.. والمقومات الأساسية للدولة والمجتمع سوف تطرح نفسها علي القضاء في أي نزاع قادم، ولسوف تنتصر أحكام العدل والإنصاف، أمام القضاء كعهده، ليعلي النصوص التي وردت في مقوماته الأساسية، علي تلك النصوص الظالمة والجائرة، فالدستور وثيقة تقدمية تعمل لصالح المجتمع وأبنائه، وإزالة التعارض بين النصوص عند تفسيرهما بالحكمة والعقل وصالح الناس بمبادئ العدل، ويُسقط الظلم والانتقام والتشفي. ولأن كل هذه النصوص الجائرة والظالمة تتعارض مع سيادة القانون.. وتكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين.. وتوقيع عقوبات العزل والحرمان بغير حكم قضائي.. واستقلال القضاء وحصانته.. ولا يعتد بآثار غير مشروعة لإعلانات غير دستورية، فاستمرار مجلس الشوري رغم ميلاده بقانون غير دستوري وسطو المقاعد الحزبية علي المقاعد المستقلة، كل هذه النصوص الجائرة تتعارض مع المقومات الأساسية، والتي سوف تنتصر لها أحكام القضاء العادل، وحتي يسقط ذلك الدستور اللعين، الحائر بين النصوص الجائرة والأحكام العادلة، وإن غداً لناظره قريب.