هو بعينه فلا أنت واهم ولا الصور المحيطة بما تقرأه كاذبة، تغيرت ملامح أناسه وأحاطته الأسلاك الشائكة ليبدو حزينا بعدما كان قبلة لحجاج الثورة. وجوه لم تعد ثائرة بل أصبحت عابثة بما حققه رواد ميدان التحرير علي مدار خمسة وسبعين يوما من اعتصامات ومليونيات وجمعات ضاغطة لتنفيذ إرادة الشعب في محاكمة المفسدين والقصاص لدم الشهداء. نظرات تفحص تعقبها مطالبة بإبراز بطاقة هويتك للدخول إلي الميدان، رفضك يعني طردك من جانب المتراصين علي منافذ الميدان الستة، ولكي تعرف مدي إدراك هؤلاء لمعني ثورة فقط سلهم عن سبب مرابطتهم في الميدان وعدم الاكتفاء بالاعتصام أيام »الجمع« فقط وسيأتيك رد فعل من الواضح انهم اتفقوا عليه وهو تركك فوراً أو الرد عليك بعبارة »وأنت بقي كنت فين أيام الثورة ما شفنكش يعني! يبقي مالكش فيه يابا ولو مش عجبك هاتلنا الكبير«. مجاراتك لهم تسهل لك دخول ساحة الاعتصام لتشاهد برنامج »غرائب بلا طرائف« فالميدان الذي اختلفنا حول الإبقاء علي تسميته بالتحرير أو تغييره بالشهداء أو الثورة أصبح مسرحا يعرض مشاهد من عرض يحمل عنوان »كوميديا الثورة المضادة«. العرض المسرحي يبدأ بتلاميذ هاربين من مدارسهم ألقوا بحقائب كتبهم بجوار الأسلاك الشائكة ليلعبوا كرة القدم صرخاتهم بعد الهدف قد تذكرك للحظة بصيحات الثوار قبل شهرين بعد تنحي مبارك، لتكتشف بعدها أن التشبيه يظلم مئات الشهداء الذين ضحوا من أجلك. لن يجدي تساؤلك حول سبب وجود بائع الكبدة المتمركزة عند مدخل الميدان من ناحية شارع طلعت حرب هذا بخلاف بائعي السجائر ولو حالفك الحظ ستلمح ذلك الرجل الرابط عند مدخل قصر العيني ممسكاً ب»نبلة« يهدد بها كل من يعترض علي الاعتصام ويحاول اقناعهم بإخلاء الميدان، »أي حد يقرب من هنا أقتله« هكذا ببساطة ينبه أحد المعتصمين علي المتراصين عند مداخل الميدان، لا تحاول مناقشته أو تستفسر عن الأسلحة التي سيستخدمونها في قتل رافضي الاعتصام. وعلي بعد أمتار من مدخل الميدان من ناحية المتحف المصري يجلس رجل ضخامة جسده وآثار التشاجر القديمة علي وجهه توحي بخبرة كبيرة بأمور البلطجة، نظراته ستغني عن التفكير في أي احتكاك به ومن حديثه المقتضب سيخبرك بأنه »هنا علشان بيحمي الثورة«. مشهد معاكسات الفتيات طاغٍ في عرض الثورة المضادة فتختلط المسميات في ذهنك بين من أتي ليثور ومن أتي ليعاكس، »إيه ياعم ده أنا هجيب بكرة المزة بتاعتي ونتفسح هنا« هذا هو تعليق أحد الشباب لزميله بعد جولة في الميدان استمرت نصف ساعة. ولمزيد من إثارة المتفرجين ينتهي عرض الكوميديا السوداء بمشادات كلامية تتطور الي اشتباك بالأيدي بين محتلي الميدان ورافضي الاعتصام ليصل الأمر إلي التراشق بالحجارة لينسحب الرافضون ويظل العابثون في ميدانهم سالمين.